منهجية التحليل السياسي تقضي بضرورة تفكيك المركب وتركيب المفكك، لا بل تفكيك المشهد الدولي والإقليمي والمحلي إلى أجزاء، ودراسة كل جزء لوحده على حدا، لغايات فهمه بالعمق المطلوب، قبل إعادة تركيب الصورة من جديد، بناءً على ما تعطيه الأجزاء من ارتباطات وتقاطعات وتباينات اتجاه المشهد العام.
موسكو في طريقها إلى نزع قفّازاتها الناعمة في موضوعة المؤامرة على سورية، بسبب الصفاقة(أي الوقاحة)السياسية الأمريكية، حيث الحرب هي استمرار للدبلوماسية بطريقة أخرى، والمصفوفة الإمبريالية المعاصرة الحالية، والناشئة على الليبرالية المتوحشة، تقوم بمجملها على أساس اقتصاد الحروب كي تحيى وتستمر وتبقى، فهذا يؤمّن لها حدّاً أدنى من الصمود والاستمرار، فهي تحاكي في عملها إستراتيجية تحويل الأزمات الاقتصادية الكبرى، إلى طفرات نوعية، حيث لا يمكن تحقيق ذلك إلاّ عبر شن الحروب المدمرة والانتصار فيها.
حيث ترى واشنطن أنّ الحل السياسي في سورية يكمن في التوصل إلى تفاهمات بشأن سلاح حزب الله في لبنان، تفاهمات حول الحشد الشعبي في العراق والمراد استبداله أمريكيّاً بالحرس الوطني كمقدمة لتقسيم العراق، وهيكلة الدور الإيراني في المنطقة، والتفاهم على حدود ونفوذ ومصالح روسيّا.
وهذا ما تدركه روسيّا، كما تدرك أيضاً أنّ أمريكا تريد الانتصار في سورية لمحاصرتها ومحاصرة صعود الصين، ونفوذ إيران المهدد بصورة وأخرى لوجود المسخ الكياني "إسرائيل".
ومن يقول أنّ الأمريكان يقلقون لتمدد الإرهاب هو ساذج، كون واشنطن هي من توظف الإرهاب وإنتاجه، لتحقيق استراتيجياتها المتوحشة، وخاصة استراتيجيه الاستدارة نحو أسيا( إيران وروسيّا والصين)ومشروع الحروب الناعمة بالوكالة لن ينتهي حالياً، وأمام الجماعات الإرهابية مستقبل مشرق وواعد، ومؤخراً استخدمت واشنطن وبلدربيرغها سلاح الطقس لتعطيل الفعل العسكري السوري والمسنود من الروسي لدعم المصفوفات الإرهابية في الداخل السوري، كيف ذلك؟.
تحدثت وخلال أربع سنوات أنفة، عن سلّة مشاريع استخباراتية أمريكية بلدربيرغيّة، فمن مشروع داربا الأستخباري، إلى مشروع شقيقه أوميغا والفرقة سيلز في الداخل السوري، والآن مشروع الشقيقة الصغرى هارب الأستخباري سلاح الطقس:-
أبرز الحوادث التي يقوم الباحثين بالتأكيد عليها، أنّها كانت عن طريق جهاز هارب، وهو تسونامى اليابان الذي أدّى إلى إغراق المفاعل النووي اليايانى، حيث يعمل سلاح الطقس HAARB على التحكم بالمناخ، مثلا زيادة درجة الحرارة، وعمل حالة من التصحر، ينتج عنها عدم زراعة أي مزروعات، والجهاز مستخدم بالفعل منذ سنوات، ومصر أحد الدول التي تتعرض للجهاز, وأيضاً الجهاز له عمل آخر، وهو إمكانية عمل زلازل صناعية في مناطق معينه، عن طريق جمع كم كبير من الطاقة، ومن ثم توجهيها تجاه منطقه معينه، لتضرب باطن الأرض تحت تلك المنطقة، لينتج عنها زلزال.
لم يحدث في مثل هذا الوقت من الأعوام السابقة في دول وساحات بلاد الشام وغيرها, على الأقل خلال المائة العام الماضية، أن اجتاحت منطقة الشرق الأوسط عاصفة غبار كالتي تحدث في هذه الأيام، ومنها بلادنا الأردن وفي بدايات أيلول، وان كان الأخير ذنبه مبلول كما تقول جدّاتنا.
ما حدث في هذه العاصفة هو لعب على قوانين الطقس عن طريق مشروع هارب، بإعطاء طاقة كهربائية لحالة جوية ما، مما يؤدي إلى تضخمها بشكل كبير.
نتيجة ارتفاع درجة حرارة البحار و المحيطات التي تسببتها العواصف الشمسية خلال ال4 سنوات الماضية، أدّت قبل أشهر إلى ظاهرة النينيو أي ارتفاع درجة الحرارة على بقعة محددة من مياه المحيط، والتي تلعب دوراً هاماً في تقلّب الطقس بشكل كبير خلال هذا الخريف، و كحد أقصى هذا الشتاء، و هو أمر طبيعي حدث سابقاً.
ولكنّ استغلال تلك الخريطة المناخية، من قبل بعض الدول باستخدام مشروع هارب أو غيره كما ذكرنا، بإعطاء طاقة كهربائية لإحدى الظواهر المناخية منخفض مثلاً و أو حتى غيمة رعدية صغيرة و جعلها كبيرة عنيفة هو المشكلة.
وتقول المعلومات، ما حدث كان على الشكل التالي:-
منخفض البحر الأحمر في فعالية عالية، بسبب تأثير ارتفاع درجة الحرارة استغلت ظروف الطقس و الخريطة الجوية للطقس، حيث تمركز مرتفع ضخم فوق الجزر البريطانية و منخفضات متوسطية باردة بشكل ملحوظ على جنوب أوروبا، و ووسط و غرب المتوسط. الثلوج تتساقط بشكل نادر على المرتفعات النمساوية الآن بالإضافة إلى طقس ممطر بغزارة على أغلب دول غرب المتوسط العربية، وتهطل أمطار فيضانية غزيرة جداً جنوب ايطاليا، تعمل على كوارث فيضانية، ستتضح نتائجها لاحقاً.
سمحت المجال لتمدد منخفض البحر الأحمر، الذي تمدد نحو العراق، في تلك اللحظة بالذات تم إعطاء جرعة قويّة من الطاقة، مما أدّى إلى تشكل خلايا رعدية ركامية، و للعلم الأمطار الرعدية الغزيرة تتساقط على العراق منذ أيام، و بسبب خلو شرق المتوسط من أي ضغوط قوية، عملت تلك الخلايا المطرية الرعدية فوق العراق، إلى هبوب رياح شديدة السرعة شرقية، حرّكت الغبار إلى الغرب أي إلى سورية.
ببطء شديد وأغلب مناطق سوريا الغربية، كانت الرياح فيها شبه ساكنة عدا بعض المناطق الداخلية التي اشتدت فيها الرياح قليلاً، وقد وصل الغبار إلى أطراف اليونان، أي أنّ الغبار تحرك من الشرق إلى الجنوب الغربي حسب الرياح المصاحبة له قبل أيام. وقد انقشع الغبار عن كثير من المناطق الشمالية الأسبوع الماضي ظهراً، وحتّى بعض مناطق الجزيرة لم تتأثر إطلاقاً بأي غبار، و تمركز الغبار الكثيف فوق قبرص مساء أواخر الأسبوع الماضي، و تدفقت رياح خفيفة السرعة غربية على شرق المتوسط، دفعت الغبار مجدداً من قبرص إلى سوريا، و لكن كانت الكثافة الغبارية أقل، و سبب عدم انقشاع الغبار بشكل كلي ضعف سرعة الرياح الغربية بسبب استعمال أسلوب التحكم بالطقس لأسباب تبدو عسكرية، أقلها ما نعايشه هذه الأيام من تركيز أعداء سوريا على المطارات السورية(مطار أبو الظهور نموذجاً)سعياً لاحتلالها في ظل عدم قدرة سلاح الجو السوري المسنود روسيّاً، على التحليق لدحر الهجومات المتكررة في هذه الظروف المناخية السيئة.
حال البعض منّا ليس أسوأ من معظم علماء الأركولوجيا المنوطة بهم مهمة دراسة آثار المجتمعات الإنسانية الغابرة وتراثها الحضاري والثقافي، ولكن يبقى المغفّلون والسذّج منهم أقلّ ضرراً وخطراً من الأشقياء الدهاة المأجورين أو المتحيزين الذين يصنعون متاهات التاريخ والجغرافيا.
نعم العرب كثبان بشرية على غرار الكثبان الرملية تتقيأ المال مثلما تتقيأ الدم والطعام، وأمريكا صارت ضرورة شيطانية لبعض العرب، والغرب كان يعلم أنّ ذلك الوحش الأيديولوجي القاعدة وداعش يترعرع في دورتنا الدموية، وعملوا على برمجته إلى اللحظة المناسبة التي تدق فيها ساعة الانفجار، وعندما تبعثر السوريون الطبيعيون تبعثر العرب معهم، والأمريكان تسكنهم قعقعة المصالح بينما العرب تسكنهم قعقعة الغرائز، ولا أحد يستطيع أن يغسل تلك الخطيئة التي تدعى العرب، والخلاف بين العربان حول تقاسم الجثث والموتى فقط.
تدرك روسيّا أنّ من يسيطر على سورية، يسيطر على الممر الإستراتيجي لجلّ الشرق الأوسط، وبالتالي يتحكم ويسيطر على كلّ أوراسيا العظمى وأسيا الوسطى، حيث الصراع في سورية وعلى سورية، هو صراع على الشرق وما بعد الشرق كلّه وقلبه سورية بنسقها السياسي وموردها البشري وديكتاتورية جغرافيتها، والفدرالية الروسية وبكين بجانب طهران وجلّ دول البريكس تدرك ذلك جيداً.
إنّ لمفاعيل وتفاعلات الحدث السوري، إن لجهة العرضي منه، وان لجهة الرأسي منه، تداعيات عديدة عابرة ليس فقط لدول الجوار الإقليمي، بل للقارات التي تشكل المعمورة ككل.
وبالرغم من عمق(سلال ومراوح)الأرهاب المدخل الى الداخل السوري، وما تتعرض له من غزو أجنبي، وان كان الأخير في جزء منه بلبوس محلي أو عربي، ومرور وقتاً طويلاً على اندلاع شراراتها، فانّ النسق السياسي السوري ما زال متماسك، إن لجهة التماسك المؤسساتي الدولاتي للجيش، وقوى المخابرات والأمن الداخلي، وان لجهة تماسك الكتلة البشرية في دمشق، وهذا وفّر له القدرة الأكثر والأكبر والأقدر والأفعل، لجهة الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة، ولجهة ضبط التفاعلات الداخلية وآثارها أيضا.
وأزيد من ذلك انّ الجيش العربي السوري بجانب دمشق يسيطر على حمص وحماه والساحل السوري والسويداء والحسكة والقامشلي، وتقريباً حوالي 78% من المواطنيين السوريين يعيشون في هذه المناطق والمواصلات متوفرة بين بعضها البعض، ويمكن لنا أن نسميها(بسورية المفيدة)على أهمية كل الجغرافيا السورية بالنسبة للجيش والدولة الوطنية السورية وقيادتها، بل كل حبة تراب وحبة حصى تعادل أرتال من التبر بالنسبة للنسق السياسي السوري.
وان كانت المناطق التي تسيطر عليها النصرة وداعش تزيد بمجموعها عن المساحة التي يسيطر عليها الجيش السوري، لكنها عبارة عن جزر متفرقة بفعل سياسات تقطيع الأوصال التي تنتهجها نواة الجيش العربي السوري العقائدي، لمنع هذه المجموعات الأرهابية المسلّحة من جمع ووصل مناطق سيطرتها.
لكنّ المصفوفة الأرهابية(بزعامة داعش)المدخلة والمصنّعة بفعل الطرف الثالث(البعض العربي والبعض الغربي)بالحدث السوري وبشكل استثنائي، استطاعت مؤخراً بسبب الدعم الأمريكي لها والوكلاء من البعض العربي والغربي والإسناد التركي، من كسر هذه السياسات من خلال سيطرتها كانجاز ظرفي آني على(تدمر)سيدة الصحراء وأجمل النساء، وعلى مطار أبو الظهور العسكري، وكذلك على معبر(التنف)وربط مناطق سيطرتها وخاصة سيطرة داعش بين العراق وسورية من جهة، ومناطق سيطرته داخل سورية من جهة أخرى، في حين تنظيم جبهة النصرة الأرهابي مناطق سيطرته متباعدة، له جزيرة في الجنوب، وأخرى في الشمال، وجزيرتها في القلمون السوري فقد تآكلت مؤخراً بفعل المقاومة الأسلامية في لبنان، وفعل عمليات الجيش العربي السوري.
اذاً باختصار: الجيش العربي السوري ينهج سياسات تقطيع الأوصال أو(تجزير)مناطق سيطرة الأرهاب المدخل الى الداخل السوري من دول جواره، ونواة الجيش السوري والمقاومة تدركان جيداً أن خوض جميع المعارك وضد جميع الأطراف في الوقت ذاته، هو بمثابة انتحار عسكري أو على الأقل تبديد المجهود الحربي.
معركة القلمون السوري الجارية ومنذ أشهر، من شأنها تغير موازين القوى الدولية والأقليمية، بعكس ادلب على أهمية الأخيرة، كونها شكّلت منصة لشن حرب نفسية ضخمة على السوريين في الساحل السوري وسهل الغاب، عبر ايهامهم بأنّ الهجوم على مدنهم بات قاب قوسين أو أدنى، فالقلمون هو الحدود البريّة الأخيرة مع دول الجوار السوري، وصلة وصل بين العاصمة دمشق وحمص وحماه وصولاً للساحل السوري، ومهم جداً للمقاومة في لبنان وعلاقاتها مع الجيش السوري، وما ينطوي عليه ذلك من أبعاد اقليمية كبيرة حيث السلاح يمر منه ومن مسارات أخرى.
كذلك معركة الزبداني الحالية، والتي بات الحسم العسكري فيها قاب قوسين أو ادني لصالح الجيش العربي السوري وحزب الله، تعد إضافة إستراتيجية منجزة كنصر ميداني، تمهّد للمعركة القادمة في درعا وريفها في مرمى أهداف الجيش السوري وحزب الله والمقاومات الشعبوية السورية.
إنّها أمّ المعارك مع السفله الأرهابيين من نصرة ودواعش وبقايا حر على الحدود الأردنية، وهنا نتساءل التالي: لماذا تم الإعلان مؤخراً وعبر الناطق العسكري لما تسمّى بعاصفة الجنوب، انتهاء معركة عاصفة الجنوب وفشلها في الجنوب السوري؟ هل هي رسالة إلى دمشق عبر محركها، أن تتريث بفتح معركة درعا وريفها الآن، خاصةً آنّ أثارها وعقابيلها على الداخل الأردني الشمالي كبيرة، لجهة فرار عناصر المصفوفات الأرهابية في الجنوب السوري نحو الحدود مع الأردن؟ أم أنّ عمّان بصدد الابتعاد عن غرفة الموك ومحاولة انجاز نصف استدارة نحو دمشق بمساعدة الروسي؟.
إذاً الجيش السوري وحزب الله قرّروا دخول تلك المناطق التي يسيطروا عليها الإرهابيون حيث لهم خطوط امداد مفتوحة، حيث يرغب الجيش السوري خوضها بعمق الآن، وصحيح أنّه من شأن ذلك ادخال الجيش في معارك استنزاف طويلة المدى لكنها معركة الضرورة الآن، لتمهد لحالة ضغط متفاقم مع حسم هذه المعارك بموجب تسويات إقليمية ودولية تقضي بقطع خطوط الأمداد عن الفصائل المصنفة ارهابية دوليّاً، وهذه رسائل عسكرية أيضاً للإسرائيلي، أننا بصدد فتح جبهة الجولان السوري وقريباً، لذلك من هنا تأتي التهدئة الإسرائيلية لموضوعة تزويد روسيّا لسورية بأسلحة نوعية كاسرة للتوازن الداخلي السوري، ومن شأنها تعطيل محاولات المنع الصهيونية بتزويد حزب الله بالسلاح عبر الجغرافيا السورية، فنلاحظ أنّ المستوى العسكري في الجيش الحربي الصهيوني يرفع تقاريره للمستوى السياسي ويطلب التريث والتهدئة، ويدعو على الأقل تعظيم الأستفاده الإسرائيلية من الدخول الروسي العسكري بعمق بجانب الجيش السوري لمحاربة الإرهاب كون معظم جنرالات الجيش الصهيوني من أصول روسية، وهناك خطوط ساخنة مفتوحة مع موسكو هنا، وفي هذه الجزئية بالذات الخيارات مفتوحة وبكافة الاتجاهات، بما فيها إفشال الطلبات الأسرائلية القادمة، عبر المكون العسكري الإسرائيلي ذو الأصول الروسية، حيث الإفشال سيكون روسيّاً وبامتياز.
إذاً لا بدّ من تسويات اقليمية ودولية لتغلق الحدود من الجانب الأردني والجانب التركي لاحقاً.
وكي لا يدخل الجيش السوري في معارك استنزاف في بعض المناطق من الجغرافيا السورية(193 الف كم تقريباً)يلجأ أحياناً الى محاولة الجيش لأستنزاف خصومه من خلال الأنسحاب من مناطق معينة لخلق خطوط تماس بينهم، ولا يعني هذا أنّ انسحاب الجيش هنا يكون بالضرورة الخيار الأفضل، لكنه الخيار الذي تفرضه التطورات الميدانية والذي لا يخلو أحياناً من فائدة ترتجى(مطار أبو الظهور مثالاً).
باعتقادي وظني وتقديري، أنّ الأثر الأممي(العدوى كنتيجة)للحدث السوري، سيقود في نهاية المطاف، إلى إعادة تشكل وتشكيل جل المشهد الدولي من جديد، والى عالم متعدد الأقطاب والنهج، في حين وبعد أن أخذت عدوى الحدث السوري، طابع إقليمي وعابر للحدود السياسية المصطنعة، ولحدود جغرافيا الطبيعة والتاريخ أيضاً، في تماثل محطاته وتساوقه، لجهة الماضي وعبر حاضرها، ومستقبلها، ونستولوجياها، فانّ الأمر كلّه بحاجة إلى عمليات استقرائية شاملة وناجعة وناجزة، توفر لصانع القرار السياسي والأمني، في ساحات دول الجوار الإقليمي السوري، لجهة الضعيفة منها ولجهة القويّة على حد سواء، توفير قاعدة بيانات ومعلومات في غاية الدقة والضرورة، من أجل أن تحسن التصرف والتعامل، مع جلّ المشهد.
للحدث السوري عقابيل إقليمية، عرضية ورأسية وضغوط متعددة، والتساؤلات التي تفرض نفسها بقوّة، عندّ إعمال العقل في الحدث السوري عديدة ولكن أهمها هي:- ما هي مدايات ومساحات، قدرة ساحات دول الجوار الإقليمي السوري، من تركيا وبغداد، إلى عمّان وبيروت وحتّى إيران، في احتجاز وصد ضغوط هذه العقابيل الإقليمية، لذات ميكانيزمات الحدث السوري؟ ما أثر تلك العقابيل على إيران ذاتها، الدولة الإقليمية الجارة، بالرغم ما جرى على خطوط علاقات طهران- واشنطن ومنذ زيارة السلطان قابوس إليها ومنذ أكثر من عامين، وما تبعه من جنيف إيران النووي فاتفاق نووي موقّع ويجري تشريعه الآن؟ وهل ما جرى على خطوط واشنطن – طهران حدث سياسي أم استراتيجي حتّى اللحظة، حيث الفرق بينهما شاسع وعميق؟ وما أثر ذلك على طهران والتي تدخل في حالة صراع لا تنافس مع تركيا؟ والى أي مدى تستطيع الدولة العبرية(الكيان الصهيوني)احتجاز وصد، ضغوط ما يجري في المنطقة عن نفسها بعد رصد ظهور بوادر انتفاضة فلسطينية جديدة ستكون الأعمق في تاريخ الصراع العربي الأسرائيلي.
لاشك أنّ القوام الجيو– سياسي السوري، يمارس ويتفاعل بقوّة على مجمل، مكونات الخارطة الجيو – سياسية الشرق الأوسطية، وكما تشير معطيات التاريخ والجغرافيا، إلى أنّ تأثير العامل السوري، كعامل إقليمي حيوي في هذه المنطقة، تتطابق آليات عمله وتأثيره، مع مفهوم العامل الجغرافي الحتمي، والذي تحدث عنه جميع خبراء علم الجيويولتيك، وعلم الجغرافيا الإستراتيجية، وعلم الجغرافيا الإقليمية، وحتّى علم الجغرافيا المناخية، حيث تؤكد معطيات العلم الأخير، بأنّ الطبيعة المناخية لدول الجوار الإقليمي السوري، لن تستطيع مطلقاً الإفلات من تأثيرات العامل المناخي الدمشقي، فهل استعدت عمّان ولبنان والعراق وتركيا لذلك جيداً؟
وبناءً وتأسيساً، على معطيات وثوابت الجغرافيا السياسية- الإقليمية ومحركاتها، فانّ استمرار ما يجري في سورية بالمعنى العرضي والرأسي، سوف تكون مخرجاته بالمزيد تلو المزيد من عمليات التعبئة السلبية الفاعلة، إن لجهة لبنان، وان لجهة الأردن، وان لجهة العراق، وان لجهة ليبيا وان لجهة أنقرا نفسها لاحقاً، أضف إلى ذلك الشمال الفلسطيني المحتل – الدولة العبرية حتّى اللحظة.
ولا يختلف اثنان عاقلان وبعد كان ما كان من نتائج وتداعيات حتّى اللحظة، وعبر الحدث السوري، وما نتج عنه من خسائر جمّة لجهة الشق الديمغرافي، الإنسان السوري ومقدرات الدولة السورية المختلفة وإضعافها، ليصار إلى الاحتفاظ بخصم إقليمي واهن وضعيف(من زاوية الطرف الخارجي الثالث المتدخل في الحدث السوري)على أنّ العنف والعنف المضاد في سورية والذي تمّ صيرورته كحياة إرهابية بتعبيراتها المختلفة، قد تم الإعداد له مسبقا من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية والأمريكية، ومجتمع المخابرات الصهيوني وأدواته في الداخل الغربي والأمريكي، وبعض دواخل بعض الساحات العربية، والتي لديها الاستعداد للقبول بتنفيذ مثل هكذا رؤى سياسية دموية، لعقد نفسية عديدة لموردها البشري المتحكم والحاكم وما يترافق مع مركبات نقص متعددة له.
وكلّ ذلك قبل انطلاق فعاليات ومفاعيل ما سمّي بالربيع العربي جدلاً، والذي قد يكون فاجأ(المطابخ)الضيقة والمحصورة جداً، بأشخاص محددين في تلك الأجهزة والمشكّلة بطريقة عنقودية عنكبوتية، في تشكيل الفرق التفكيرية الخاصة بتلك الهياكل الأستخبارية. هذا وقد ظهر وبان جليّاً زيف "التطلعات الديمقراطية وحقوق الإنسان" في مواجهة الذبح بدم بارد مأفون، وإسالة حمّامات من الدم الطائفي الأثني العرقي هناك، والتي كانت نتاجات تفكير تلك "المطابخ" الموجّهه.
يعتقد الكثير من المحللين أنه، في حال سقط النسق السياسي السوري أو لم يسقط، فإنّ إقامة معسكرات للمجموعات السلفية المتطرفة في سورية و أو على حدود دول جوارها، سيكون له تداعياته المباشرة على أمن الدول المجاورة هذه، حيث يواجه العراق حالياً عمليات إرهابية ولبنان دخل على الخط بمستويات محددة، فهل على الأردن أن ينتظر حدوث توتر طائفي ومذهبي سينتقل إليه عاجلاً أم أجلاً بفعل السياسات الأمريكية الفوضويّة؟!. وبحسب خبراء في شؤون تنظيم القاعدة، فإنه ليس هناك فرق في أي مكان بالنسبة لهؤلاء الإرهابيين لنشر إرهابهم، لأن وصولهم المباشر إلى "الجنّة" مرتبط فقط بمعيار قيامهم بهذه العمليات. ودون شك يعتبر الداعمين الرئيسيين للسلفيين ولعناصر القاعدة، واستناداً على الوثائق المنتشرة على المواقع الالكترونية المختلفة، هم أهم أعداء حزب الله وأكبر الداعمين لمنافسيه في لبنان، وعليه فإن غرفة العمليات التي تدير وتتحكم بالعمليات الإرهابية في سورية، ستزيد من عمق عملها في الجنوب السوري، وهذا ما نلحظه الآن بقوة حيث بدأ في المحاولة للسيطرة على مطار الثعلة وفشلت، وكذلك حمل السويداء بالأنتقال من ضفة الى أخرى وتحت عنوان الحماية، بعد أن أحدثت مجزرة(قلب لوزة)على خلق واقع نفسي وسياسي واعلامي كاد ينجح ويفعل فعله في السويداء لكنه فشل، كذلك اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، وبقيت سويداء اليوم أمينة على سويداء الأمس وجبل العرب للعرب، وتجري الآن محاولة أخيرة كما تقول المعلومات، عبر قرية الحضر المقابلة لقرية مجدل شمس في الجولان المحتل وستفشل أيضاً، كل ذلك من أجل اقامة شريط أمني درزي حتّى تلال شبعا، ولنقل المعركة الى داخل حزب الله، وستتفرغ تلك الغرفة العملياتية قليلاً للبنان الآن وعبر المخيمات الفلسطينية، مستغلةً الداعشية السياسية الحريريّة كغطاء، بهدف إنهاك قوة حزب الله عبر إيجاد توتر مذهبي في هذا البلد.
فهل صحيح أنّ الاستخبارات التركية تسعى إلى تفكيك الجيش اللبناني وإقامة الأمارة؟ وهل صحيح أنّ فرانسوا أولاند الرئيس الفرنسي واردوغان الرئيس التركي يدعمان حرب أهلية في لبنان؟ الصحيح والثابت أنّ الاستخبارات التركية تعمل وتسعى على تسويق جبهة النصرة ومعها السعودية، على أنّها البديل "الحمل الوديع" أو البديل "البهي" عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية المعروف إعلامياً بداعش العصابة الإجرامية، وعن تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد المغرب العربي وأسميه: بدامس، والمطلوب والمعني الآن من تنظيم دامس: استهداف الجزائر بالدرجة الأولى وكدولة إقليمية ذات احتياطات غاز ضخمه جدّاً، ولفك ارتباطها الوثيق مع الفدرالية الروسية.
وتذهب بعض المعلومات، أنّ الاستخبارات الألمانية وعبر مستشار الأمن القومي الألماني كريستوف هويسفان، وبعد لقاء نظيره الصهيوني يوسي كوهين في "إسرائيل" مؤخراً، بعد زيارة جون برينان السريّة ومارتن ديمبسي العلنية، همست بإذن باريس أن لا تنزلق وتتهور وراء أردوغان وخططه في لبنان والمنطقة، حيث استشفّت المخابرات الألمانية بعد تحليل معلومات تقرير كريستوف المرفوع لها، ما تحاول تل أبيب فعله في لبنان عبر آخرين وبالتنسيق مع الفرنسيين.
حيث هناك سايكس بيكو جديدة في المنطقة وعلى حساب الأمن الإستراتيجي لتركيا، ولبنان الآن يتحول مرةً ثانيةً، إلى ساحة خصبة بالبويضات لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية وجاهزة للتلقيح الطبيعي، حيث عدد الخلايا النائمة في الداخل اللبناني وخاصةً في المخيمات الفلسطينية، مع وجود قرار أممي بعدم السماح للوصول إلى الحلول السياسية للمسألة اللبنانية، من شانه أن يقود إلى مزيد من تعقيد الأمور، والدفع باتجاه زاويا ضيقة يصعب الخروج منها إلاّ بقرارات دولية وإقليمية متصلة بمستقبل خطوط العلاقات الأمريكية الإيرانية من جهة، والعلاقات الروسية الأمريكية من جهة ثانية، وبمستقبل الوضع في سورية والعراق من جهة ثالثة.
حيث هناك غطاء دولي يرعى الخطوات التي تؤسس إلى استمرار الأزمة الإقليمية، إن لجهة دعم الإرهابيين، وان لجهة دعم الأنظمة، وحيث الطرف الخارجي في المسألة اللبنانية، لا يريد انتخابات نيابية من شأن نتائجها: أن تقلب الطاولة على رؤوس أصحاب المخططات الخارجية المتصلة بإعادة رسم خريطة نفوذ ومصالح جديدة، تستند إلى الصراعات الدولية وكل ما ينجم عنها من إرباكات وتقاطعات غير محسوبة النتائج.
الطرف الخارجي فيما يجري بالمنطقة، لا يريد حلول عسكرية في الدول والساحات العربية، بل حروب استنزاف بعيدة المدى، فلا حسم للأزمة السورية، والعمل على البقاء عليها ملتهبة، كساحة كباش إقليمية ودولية حادة، ولا مقاربات سياسية وعسكرية في الداخل اللبناني، ولا ضرب للإرهاب والتطرف، ولا دعم للجيش اللبناني أمريكياً بالمعنى الحقيقي والنوعي، الذي من شأنه أن يقضي على الإرهاب المصنّع في الداخل اللبناني والمدخل إليه من الخارج، مع العرقلة الأمريكية لأي مشروع متصل بدعم الجيش اللبناني من جانب إيران، حيث المطلوب توازنات دقيقة بميزان الذهب من غير المسموح المساس بثوابتها.
أشار بعض الخبراء العرب إلى الحجم الكبير والواسع الذي تبثه وسائل الإعلام المعادية لسورية، حول ما تدعيه من قيام الحكومة المركزية "بالتهجم الطائفي والمذهبي"، حيث يتوقعون أن هذه القنابل الإعلامية ستهيئ الأجواء بشكل مؤكد لتصاعد التوترات المذهبية في مختلف الدول العربية، وخاصة في الدول التي فيها تركيبة طائفية تشبه التركيبة الموجودة في سورية، كما أن الموجات المتزايدة للنازحين السوريين إلى هذه الدول يجلب معه تحديات أمنية واجتماعية بالإضافة إلى المشكلات الاقتصادية أيضاً – الأردن مثالا(أثر اللجوء العربي على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والديمغرافي في الأردن، وعن ضرورة جلوس الحكومتين السورية والأردنية على طاولة واحدة للبحث في هذا الموضوع).
كما حذر بعض المحللين السياسيين(ونحن منهم)في الدول المجاورة كالعراق والأردن وتركيا ولبنان، من قضية إقامة مناطق عازلة ومستقلة من قبل المجموعات الإرهابية و أو دول الجوار السوري، الأمر الذي سيشكل خطراً وتهديداً على الأمن القومي وحتى على السيادة الوطنية الكاملة لدول المنطقة.
إنّ الصورة التي كان من المقرر أن يرسمها الشعب السوري لبلدهم تحت عنوان الحرية والكرامة، تحولت اليوم إلى صورة مليئة بالدم والفوضى، وأجزاء كبيرة منها تنقل العدوى بالتدريج إلى دول الجوار. وقد تحول القلق من التحولات الدموية الجارية في سورية، إلى تحديات كبيرة بالنسبة للمسؤولين العرب في دول الجوار، وهم يتابعون أخر التطورات وعمليات الكر والفر في هذه المنطقة المنكوبة من العالم، وإذا لم نقل: قد أضحى هذا القلق أكثر من قلق الرئيس بشار الأسد فإنه يساويه.
إنّ الجغرافيا السورية، لها ديكتاتوريتها الخاصة، دون أدنى تدخلات للأنسقة السياسية التي حكمتها، أو حتّى الحضارات التي تكالبت عليها، لذلك أبت وتأبى جغرافيا سورية، بأنّها عصية على التجاوز والتخطي.
في المشهد الدولي وكما قلنا في البداية، لعقابيل الحدث السوري أثار ونتائج واثارات، تقود إلى عالم متعدد الأقطاب، كون تلك العقابيل تتخطّى حدود الشرق الأوسط والشرق الأدنى، ولأنّ روسيا والصين تدركان ذلك جيداً، قادهم ذلك إلى عمليات عرقلة وإعاقة، لاندفاعات زخم الاستهداف الأمريكي – الأوروبي – بعض العربي، لجهة سورية ونسقها السياسي عبر الفيتو ولثلاث مرات، ثم عبر المبادرة السورية الروسية المشتركة حول الكيميائي السوري، حيث فتحت مروحة التسويات السياسية في المنطقة لتحدد شكل العالم من جديد.
ولأنّ نواة الفدرالية الروسية ومجتمعات مخابراتها المتعددة تدرك حقيقة خطّة البطّة العرجاء(باراك أوباما)الناطق الرسمي باسم جنين الحكومة الأممية(البلدربيرغ الأمريكي)، حيث موسكو تتأهب لأي حرب شاملة محتملة، فانّ مسألة تحليق مقاتلات روسية إستراتيجية فوق اسكتلندا، ثم في المجال الجوي السويدي، كذلك قيام المدمّرات الجويّة الروسية من طراز Ut – 95 ، بإجراء مناورات اعتراض القنابل النووية في شمال الولايات المتحدة الأمريكية وبشكل متزامن مع اجتماعات هنا وهناك للناتو، مع قيامات أخرى للمقاتلات الروسية بالتحليق على ارتفاعات منخفضة فوق سفن متعددة الجنسيات وحربية، تجري مناورات عسكرية في البحر الأسود وغيره بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، مع تعطيل أنظمة إطلاق الصواريخ فيها، ثم بعد ذلك قيام طواقم من فئة الضبّاط العاملين فيها بتقديم استقالاتهم، نتيجة الذعر والانهيار النفسي والعصبي، حيث غضبت قيادات الناتو لهذا الفعل الروسي المتفاعل والمدروس، وكما حصل من فترة قصيرة وقبل تفعيل مجتمعات الدواعش في الدواخل العربية، حيث تمت مضايقة السفينة الأمريكية Uss Donland Cook أثناء سيرها في البحر الأسود، عن طريق الطائرات العسكرية الروسية من طراز Su -24، بحيث استطاعت أنظمة هذه الطائرات الروسية بإقفال أنظمة الصواريخ في السفينة الأمريكية، وكان من نتائج هذه الحادثة أن قدّم أكثر من ثلاثين ضابط وضابط صف أميركي من طاقم السفينة هذه استقالاتهم، نتيجة الذعر والانهيار النفسي والعصبي. وبجانب ذلك كان هناك التهديد الروسي بإغلاق المجال الجوي الروسي أمام أعضاء الناتو كنتاج للتوترات الحاصلة مع واشنطن وحلفائها الأوروبيين واستمرار فرض العقوبات على روسيّا، مع العمل على منح إيران وباكستان والهند عضوية عاملة في منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي، وهي بمثابة المعادل الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي والمخابراتي والبشري والجغرافي للناتو ووجه المدني الاتحاد الأوروبي وللولايات المتحدة الأمريكية ومن تحالف معها من بعض عرب تابع. حيث يتجلّى هذا التحدي السلوكي الروسي العسكري والأستخباراتي، في صورة شاملة ومختلفة وفي أكثر من مكان وصورة وبشكل متزامن، انّه تحدي روسي عميق وعريض لحروب الوكالة الأمريكية الأطلسية.
تلاقح المصالح بين مختلف الأطراف في المنطقة، صارت أكثر وضوحاً في تنفيذ خطّة البطّة العرجاء أوباما، لضرب ما أنتجته واشنطن من دواعش في الداخل العراقي والداخل السوري، حيث المعارضة السورية المسلّحة تراها فرصة لإعادة ترتيب أوراقها واستعادة المناطق الشاسعة التي قضمتها داعش وبالتالي التحرك لاحقاً ضد قوات النظام السوري، في حين ينظر إقليم كوردستان إلى داعش على أنّه الجدار الأخير الذي يعيق ضم بعض المدن قبل إعلان الاستقلال كدولة بشكل كامل، لتكون إسرائيل جديدة في الشمال العراقي بديلاً عن "إسرائيل" الحالية.
وخصوم الدولة الوطنية السورية ينتظروا أن يسرّع التحالف الدولي ضد داعش بإسقاط النسق السياسي السوري، في حين حلفاء الدولة الوطنية السورية ينتظروا أن يواجه التحالف واقعاً صعباً واقفاً أمام خيار الفشل والانكسار لواشنطن ومن يدور في فلكها في المنطقة والعالم، أو الذهاب إلى التنسيق مع دمشق لتغيير مناخات المنطقة، حيث التحالف يحمل فيروسات إنهاء نفسه بنفسه منذ الإعلان عنه أمريكيّاً من قبل البطّة العرجاء أوباما
الفدرالية الروسية ليست عاجزة بسبب الملف الأوكراني أو غيره من ملفات الخلافات مع واشنطن، عندما تحذّر فقط من ضرب داعش وبنفس الوقت ضرب قوّات النظام السوري، فموسكو مدركة أنّ واشنطن وحلفائها مقبلون وبقوّة على فخ عميق ومتاهات جديدة لن تخرج منها بسهولة، فسوف تمارس روسيّا سياسة الانتظار والمراقبة إلى حين ليس ببعيد، مع الاستمرار بدعم الدولة الوطنية السورية ونظامها عسكرياً ومالياً وبكل شيء.
إن تورط الناتو في سورية جزء من إستراتيجية الولايات المتحدة في استخدام التحالف العسكري للهيمنة على الشرق الأوسط، ولهذا السبب تم اتخاذ القرار بنصب جزء من الدرع الصاروخي في تركيا منذ عام، وتم مؤخراً نصب أجزاء أخرى وسرّاً، ولهذا السبب أيضاً يتم نشر صواريخ "باتريوت" على الحدود السورية مع تركيا، كما أن "مبادرة اسطنبول للتعاون" و "الحوار المتوسطي" برعاية الناتو من مكونات هذه الخطط أيضاً، وإضافة إلى ذلك، ألغت تركيا "الفيتو" الذي سبق أن استخدمته ضد انضمام إسرائيل الصهيونية إلى الناتو، وأعلن احمد داوود أوغلو مؤخراً، أنّ الخطوة القادمة صارت في الملعب الإسرائيلي لاستكمال تطبيع العلاقات من جديد وبقوّة، بعد أن قامت تركيا ممثلة بحكومتها الحالية بتذليل جلّ عقبات تطبيع العلاقات. يعيد الناتو توجيه نفسه نحو الحرب غير المتساوقة، كما يتم التركيز الآن على العمليات الاستخباراتية، وقد انكبَ المخططون الإستراتيجيون في الناتو وبشكل متزايد، على دراسة الأكراد والعراق وحزب الله وسورية وإيران والفلسطينيين والنسيج الديمغرافي الخليط في الأردن. وفي سيناريو الحرب الشاملة، يحضّر الناتو نفسه لأدوار عسكرية سريّة في كل من سورية وإيران(رغم توقيع الاتفاق مع طهران)ثم في الصراع العربي الإسرائيلي، والذي تم اختصاره قصداً من بعض العرب بالمسار الفلسطيني – الإسرائيلي، ضمن ما تسمى بعملية السلام في المنطقة. هذا ويتم العمل أيضاً على زعزعة العراق بشكل أكبر، فبينما تم اختبار حلفاء إيران في دمشق، لم يتم اختبار حلفائها في العراق بعد، فبعد سورية، سوف يتحول اهتمام مجموعة الدول التي تعمل ضد سورية إلى العراق، وقد شرعوا سلفاً في تحريك العراق على أساس خطوط التماس الطائفية والسياسية، وتلعب تركيا وقطر والسعودية أدواراً هامة في تحقيق هذا الهدف، والواضح الآن هو أنّ الفروق بين المسلمين الشيعة والمسلمين السنة التي عملت واشنطن على تعميقها منذ الغزو الآنغلو – أمريكي للعراق في سنة 2003م تتفاقم الآن عبر الطائفية الكردية. يبدو أن الكثيرين في المؤسسة السياسية الإسرائيلية الصهيونية، يعتقدون الآن أنهم نجحوا في تحطيم "كتلة المقاومة" ومحورها، وسواء كانوا على صواب أم لا، فهذا موضوع خاضع للنقاش والتحاور والتداول، لا تزال سورية واقفة على قدميها، و "حركة الجهاد الإسلامي" الفلسطينية(التي كانت المجموعة الفلسطينية الأكثر نشاطاً في محاربتها لإسرائيل من غزة في 2012م و 2014 م)، وفصائل فلسطينية أخرى سوف تقف مع إيران حتى لو تمكنت مصر من تقييد يدي "حماس"، وهناك أيضاً حلفاء إيران في العراق، كما أن سورية ليست خط الإمداد الوحيد لإيران لتسليح حليفها حزب الله، الواضح أيضاً أن الحصار والحرب الكونية على سورية هي واجهة في الحرب السرية متعددة الأبعاد ضد إيران. ومن شأن هذا وحده أن يدفعَ الناس إلى إعادة التفكير، في تصريحات المسؤولين الأمريكيين وحلفائهم حول قلقهم على الشعب السوري على أساس من الإنسانية والديمقراطية. هناك مرحلة إستراتيجية في حرب البنتاغون السريّة ضد طهران وعليها، حتّى وقبل الانتهاء من الملف السوري ضمن الخيارات المحدودة والمحصورة عبر التسويات السياسية الراهنة، أو مآلات نتائج تشريع الاتفاق النووي في واشنطن وطهران، لتجاوز العتبة الزمنية، بعدها الإدارة الأمريكية بطّة عرجاء في اتخاذ أي قرار، حيث تستثمر الولايات المتحدة الأمريكية بإستراتيجية الوقت وانتظار تطورات الميدان واللعب في مكونات المحور الخصم لها في المنطقة والعالم، بما فيها مكونات ديمغرافية ومفاصل الدولة الفدرالية الروسية ومكونات ديمغرافية ومفاصل الدولة الصينية.
mohd_ahamd2003@yahoo.com