2025-06-17 12:50 م

دمشق وموسكو تقرران المواجهة

2015-09-19
بقلم: سمير الفزاع
يستند تحالف واشنطن "لمحاربة الإرهاب" في مقاربته "المعلنة" إلى المقولة التالية: واشنطن لن ترسل قوات برية إلى سورية والعراق لمحاربة داعش والإرهاب؛ بل ستعمد إلى تشكيل قوى محليّة تقوم بهذه المهمة، سميت "المعارضة المعتدلة المسلحة" في سورية و"الحرس الوطني" في العراق. والغريب في الأمر أن واشنطن رفضت في كلا الحالتين السورية والعراقية، التعامل مع مؤسسات الدولة القائمة، ومنها المؤسسة العسكرية في البلدين. لقد إشترطت رحيل حكومة المالكي في العراق، وها هي مستمرة في إشتراط رحيل الرئيس بشار حافظ الأسد... بالرغم من التعثر الهائل لمشروع الحرس الوطني في العراق، والفشل الذريع لبدع وبهلوانيات مشروع "المعارضة المعتدلة المسلحة" في سورية. أواخر حزيران 2014، أوباما ذاته قال في مقابلة تلفزيونية مع شبكة "CBS" الأميركية: إن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) استغل حدوث فراغ في السلطة في سورية لجمع الأسلحة والموارد وتوسيع سلطته وقوته على الأرض". ورداً على سؤال فيما إذا قررت واشنطن دعم قوات المعارضة المعتدلة في سورية، فهل سيكون هذا الفراغ موجوداً؟ أجاب أوباما:"فكرة وجود قوة سورية معتدلة جاهزة لهزيمة الأسد ليست صحيحة وبالتالي، فإنه بكل الأحوال الفراغ سيكون موجوداً". وأوضح أوباما أن إدارته "استهلكت وقتاً كبيراً في العمل مع المعارضة السورية المعتدلة"، ولكن وجود معارضة مثل هذه قادرة على الإطاحة "ببشار" يبدو الأمر غير واقعي و"فانتازيا". إذا، من خلق هذا الفراغ الذي إستغلته داعش؟ ألم تكن "المعارضة المعتدلة" التي دعمتها واشنطن وحلفائها لأعوام هي من خلق هذا الفراغ؟ وكيف إنتقلت داعش إلى تلك المناطق التي تسيطر عليها "المعارضة المعتدلة"؟ ومن دعمها لتكون بهذه القوة؟ وكيف يمكن لمعارضة بهذه الهشاشة أن تواجه داعش؛ بل كيف يمكن تفسير إنتقال "مجموعات مسلحة معتدلة" بكامل عديدها وعتادها إلى صفوف داعش؟... أسئلة كثيرة تظهر حجم التناقض المفضوح بين الأهداف المعلنة لتحالف واشنطن، وآليات تنفيذ هذه الأهداف، ومدى الجدية في محاربة الإرهاب... لكن جواباً حاسماً على كل هذه الأسئلة يأتي من الإدارة الأمريكية نفسها ومن نائب أوباما شخصيّاً. في كلمة ألقاها بجامعة هارفارد 2/10/2014، قال بإيدن نائب الرئيس الأمريكي:"مشكلتنا الأكبر كانت في حلفائنا بالمنطقة، الأتراك كانوا أصدقاء رائعين وكذلك السعوديون وسكان الإمارات وغيرهم. ولكن ماذا فعلوا؟ كان همهم الوحيد هو إسقاط الأسد، وخاضوا حربا بالوكالة بين السنة والشيعة، وقدموا مئات ملايين الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من السلاح لكل من وافق على القتال ضد الأسد... لكن الناس الذين حصلوا على المساعدة كانوا مقاتلي "جبهة النصرة" و"القاعدة" وعناصر متطرفة قادمة من مناطق أخرى في العالم. أتعتقدون أنني أبالغ؟ أنظروا بأنفسكم إلى النتيجة... . لأسباب متعددة أعيد الحديث عن العمل بمشروع "المعارضة المعتدلة المسلحة"، وأعلن عن فتح معسكرات في تركيا والأردن والسعودية وقطر... تحت إشراف الـCIA، لتدريب ألآف المقاتلين ليكونوا "القوة البرية" التي "ستحرر" المناطق التي سيطرت عليها داعش، وليكونوا "القاعدة الصلبة" على الأرض التي تمكن أدوات واشنطن –الإئتلاف، مجلس اسطنبول والدوحة...- من إقامة "إدارتها الذاتية" والجلوس من موقع الّند بوجه الحكومة السورية... لكن أشهر من العمل تمخضت عن تخريج أقل من (65) عنصر، سقط نصفهم بأيدي تنظيم النصرة الإرهابي لحظة دخولهم الأراضي السورية، وقتل البعض وأنقلب البعض الآخر على مشغله الأمريكي... وحتى يكتمل بهاء "الإنجاز" الأمريكي، أعلن الجنرال "لويد أوستن" قائد القيادة المركزية الأمريكية أمام الكونغرس الأربعاء 16/9/2015، أن 4 أو 5 فقط من المعارضين السوريين الذين دربتهم الولايات المتحدة لا يزالون يقاتلون في سورية!. هذه هي نتائج البرنامج الذي دافع عنه الرئيس الأمريكي أوباما قبل عام على منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة...!. نبهت سورية على لسان قائدها الدكتور بشار حافظ الأسد إلى وجود الإرهاب منذ اللحظات الأولى للحرب على سورية تحت غطاء "الربيع العربي"، وكرر هذه الحقيقة في محطات مختلفة، وخصوصاً بعد قيام تحالف واشنطن لمكافحة الإرهاب، وفي عدد من الإطلالات. لقد تجلّى واضحاً لكل العالم حجم التواطؤ الأمريكي وتحالفه عندما تحركات أرتال داعش بطوابير طويلة جداً في أراض صحراوية مكشوفة، وتحت مرأى ومسمع هذا التحالف، لتعبر الحدود العراقية السورية وتجتاح المدن والقرى الحدودية... حتى بلغت مشارف الرقة، أول مدينة تسيطر عليها "المعارضة المعتدلة" بالكامل، لتقوم هذه المعارضة بتسليم المدينة لداعش دون أي معارضة أو مقاومة تذكر... لتسقط دفعة واحدة كل مفردات المشروع الأمريكي المعلن: مكافحة الإرهاب، وتمكين المعارضة المعتدلة، وحماية الشعب السوري...!. وعندما تحدث الوفد السوري عن أولوية مكافحة الإرهاب في مؤتمر جنيف-2، رفض الطرف الآخر المدعوم غربياً هذه المقاربة المنطقية، وأستمر بالمشي على رأسه. كيف يمكن لأي عملية سياسية أن تنجح في بلد يقوم جيرانه بتشريع الحدود أمام عشرات ألآف الإرهابيين، وتوفر كل مستلزماتهم من أسلحة وذخائر ومؤن... وتسهل لهم تهريب النفط والآثار والبشر...؟ كيف يمكن الحديث عن عملية مماثلة في ظل وجود أكثر من 1200 فصيل إرهابي يعمل على الأراضي السورية، ويشترك في تكوينها إرهابيون جاءوا من مئة دولة تقريباً؟ كيف يمكن لعملية سياسية مفتوحة "للجميع" أن تشترط مسبقاً رحيل الرئيس السوري المنتخب شعبيّاً سواء بعملية سياسية تديرها أطراف إقليمية ودوليّة أو بعملية عسكرية؟... . قبل شهر تقريباً، تحدثت واشنطن والرياض... عن تغير في موقف موسكو من الرئيس الأسد، وأنها باتت مستعدة للبحث في مسألة رحيله، إلا أن موسكو وعلى لسان أكثر من مسؤول قالت:"التقارير الإعلامية التي تحدثت عن توصل موسكو إلى اتفاق مع واشنطن والرياض حول الإطاحة بالأسد، مجرد أوهام ومعلومات مزورة... لقد أدى التدخل الفظ في شؤون دول الشرق الأوسط إلى ظهور منطقة عدم استقرار تحد القارة الأوروبية مباشرة، مع تنامي خطر الإرهاب والتطرف أضعافا... إننا لا ننخرط في أية "هندسة اجتماعية"، ولا نعين رؤساء في دول أجنبية، ولا نقيل أحدا منها في إطار تأمر مع طرف ما... إن ذلك يشمل سورية والدول الأخرى في المنطقة، التي تستطيع شعوبها تقرير مصيرها بنفسها". هذا الموقف الأمريكي يظهر بوضوح رغبتهم العميقة في قلب نظام الحكم في سورية، وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة بأكملها من بوابة إسقاط سورية وتفتيتها. وأن تحالف واشنطن ما هو إلا إستمرار أمين لأهداف "تحالف بوش الصغير" لخلق شرق أوسط جديد على أنقاض سايكس-بيكو الذي "إستنفذ أغراضه وأنتهت صلاحيته"... بنشر "الفوضى الخلاقة" عبر "قوى محلية متطرفة" تسمح بإعادة رسم "حدود الدم" على أسس مذهبية وطائفية وعرقية... وتوفير البيئة المناسبة لتحريك جيوش من الإرهابيين من أبناء المنطقة المنهارة والمفتتة لغزو إيران والصين وروسيا... دون أن تخسر واشنطن جندي واحد أو بنس واحد. بدأ صبر موسكو بالنفاذ، وطرح الرئيس الروسي بوتين إقامة حلف من دول المنطقة يقوم بمحاربة الإرهاب بالتعاون مع سورية دون مواربة، رأت سورية أن الأمر يحتاج إلى معجزة، وفعلاً كان ردّ واشنطن وحلفائها بمزيد من التصعيد الميداني –قصف حلب، دمشق...- والسياسي –إعلان وزير خارجية آل سعود من موسكو حتمية رحيل الأسد بعملية سياسية أو بعمل عسكري- والإعلامي –سوق الشائعات بخصوص موقف موسكو وإيران تحديداً- والإنساني –بتفجير قضية اللاجئين السوريين فجأة وتحميل موسكو المسؤولية- وصولاً لضرب مشاريع إستراتيجية مثل تجميد انبوب "تركستريم" للغاز بسبب "انعدام الثقة المتبادلة"... كلّ ذلك جعل موسكو أقرب ما يكون من المقاربة السورية للمشهد برمته، حتى بتنا نرى تطابقاً يكاد يكون تاماً في تشخيص أسباب الحرب والمواقف والتصريحات الروسية-السورية. وصار الإنسجام السياسي-العسكري-الإعلامي يشبه إلى حدّ بعيد عمل إحترافي لإوركسترا راقية، تعمل بتناغم تام... الرئيس بشار حافظ الأسد في مقابلته مع وسائل اعلام روسية بثت في 15/6/2015: لا نستطيع أن ننفذ شيئاً ما لم نهزم الإرهاب في سورية. أدعو كل القوى لكي تتحد في مواجهة الإرهاب لأنه الطريق للوصول للأهداف السياسية التي نريدها نحن كسوريين عبر الحوار و عبر العمل السياسي. 15/6/2015، الرئيس بوتين يقول:الرئيس الأسد مستعد لإشراك القوى البناءة في صفوف المعارضة السورية في شؤون الإدارة بالدولة لكن الأولوية الآن لمحاربة الإرهاب... يجب وضع الخلافات الإيديولوجية جانباً، وحشد الجهود لمحاربة الإرهاب. 17/9/2015، السيد وليد المعلم: ليس هناك قتال مشترك على الأرض مع القوات الروسية، لكن إذا دعت الحاجة سندرس ونطلب، لن ندرس فقط؛ بل وسنطلب. ساعات فقط ويرد "دميتري بيسكوف" الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي:"إذا تسلمنا نداء بهذا الشأن، فسندرسه طبعا، وسنناقشه في إطار اتصالاتنا وحوارنا الثنائي. أما الآن، فمن الصعب الحديث عن هذا الموضوع بصورة إفتراضية"... إن هذا الإنسجام المذهل في الأداء على غرار ما يجري في العزف السمفوني المتصاعد وصولاً للذروة سيأخذنا إلى طريق وحيد، إتخاذ موسكو قرارها الإستراتيجي بإقامة تحالف جدي وفاعل لمحاربة الإرهاب، عاموده الفقري الجيشين السوري والعراقي، وتغطيه مظلة دبلوماسية-سياسية-عسكرية روسية قابلة وجاهزة لتطوير هذه المظلة إلى شراكة وتدخل ميداني حاسم في أي لحظة تستدعي التدخل... فأنتظروا ذروة العزف.

الملفات