2025-06-17 07:58 ص

كيف هُزمت واشنطن؟

2015-09-23
بقلم: سمير الفزاع
إنها الدهشة؛ بل وما يفوقها بأشواط لتصل الى حدود الصدمة، تلك هي حالة واشنطن منذ أيام قليلة خلت وحتى اللحظة، ويبدو أن جعبة التحالف السوري-الروسي وشركائهم ما زالت حبلى بالمزيد من بواعث الدهشة والصدمة. إعتقدت واشنطن أن موسكو سوف تستمر ببذل الجهود الدبلوماسية لإقناع الرياض وأنقرة وعمان بجدوى الإنضمام إلى دمشق في حلف يحارب الإرهاب على نحو جدي وحقيقي... بينما تراقب واشنطن المشهد الدامي في المنطقة، وتعمل على تحقيق مصالحها التي تتناقض جذريا حتى مع مصالح هذه العواصم، عبر الإستثمار بالإرهاب، وسرقة الزمن من الخصوم لإدامة تفردها بصنع الأزمات وإجتراح الحلول، ولإستنزاف القوى المقاومة لنفوذها ومشاريعها في المنطقة... دون أي إنخراط فعلي في الميدان. لماذا صدمت واشنطن من التحرك الروسي؟ ولماذا تخاف واشنطن من هذا التحرك؟ وأي أثر سيتركه على الحرب التي تواجهها سورية؟ أسئلة ملحة سأحاول تقديم بعض الإجابات عنها. * أسباب الصدمة: يمكن تلخيص بعض منها على النحو التالي: 1- إكتشفت واشنطن أن مقولات مثل إنقلاب موازين القوى الدولية لغير صالحها، وتبدل في موقعها من قوة صاعدة إلى قوة نازلة... لم تعد مجرد فرضيات؛ بل صارت وقائع سياسية وإقتصادية وحقائق ميدانية ملموسة. 2- أظهرت الجهوزية الروسية العالية، والقدرة على التحرك وتجاوز أية عراقيل تطرأ –كما حصل مع بلغاريا وجورجيا وتركيا- أن لدى موسكو خطوط حُمر وخطط معدة سلفاً لحمايتها، وأنها باتت جاهزة وقادرة للدفاع عنها مهما إرتفعت نسبة المخاطر. 3- جدية التحرك الروسي وصلابته بالرغم من المعارضة الأمريكية، والتلويح بإمكانية "وقوع حوادث عرضية" بين تحالفها والوجود العسكري الروسي في سورية، يحسم بتأكيد موقف روسيا من فرض قواعد إشتباك جديدة في المنطقة تدلل على إنقلاب موازين القوى في العالم. 4- سقط رهان واشنطن بأن تجعل من التجربة السوفيتية في أفغانستان، عقدة تمزق الوجدان الروسي لأطول وقت ممكن مثلما فعلت فيها التجربة الفيتنامية... بحيث تحشرها خلف جبال الأورال، وضمن فضاء الجمهوريات السوفيتية السابقة؛ بل وتقاسم هذه الجمهوريات معها. * أسباب الخوف: هذه بعض أسباب الخوف الأمريكي: 1- للمرة الأولى في تاريخه –كان للجيش السوفيتي تجارب مماثلة- يقوم الجيش الروسي بنقل قوات وأسلحة ومعدات... ويقيم مطارات وشواطيء إنزال وغرف عمليات... خارج الأراضي الروسية وخارج قوس جمهوريات الإتحاد السوفيتي، ليقوم بعمليات حربية حقيقية لا مجرد مناورات عسكرية. 2- هي المرة الأولى التي تشارك فيها تشكيلات وزارة الدفاع الروسية بضرب "حلفاء" لواشنطن ميدانيا في منطقتنا، وإن كان ذلك تحت مسمى مكافحة الإرهاب. 3- ستكون المرة الثالثة التي تجبر فيها موسكو واشنطن على تغيير سياساتها والإعتراف "بثقل" الأمر الواقع الذي تفرضه موسكو بعد تجربتي أوستيا وأبخازيا 2008، والقرم 2014، حيث حسم التدخل العسكري-السياسي الروسي كلا الأزمتين بعكس ما تشتهي واشنطن. 4- فشل واشنطن في تغيير (وحتى إستطلاع-ولهذا هرع نتنياهو إلى موسكو) توجهات القيادة السورية السياسية-العسكرية-الإقتصادية، بما يناسب مصالحها ورؤيتها للإقليم والعالم لما بعد حرب السنوات الخمس، التي كانت فيها المحرض والمدبر ورأس الحربة لبقية شركائها على إمتداد العالم... خصوصاً وأن المشاريع الأمريكية "المربوطة" بنتائج الحرب على سورية ستسقط بالقوة لا بتسوية. 5- خسارة واشنطن وحلفائها حربهم على سورية سيجعل من الرئيس السوري بشار حافظ الأسد، زعيماً عربياً وإقليميا وربما دوليّاً بالغ الخطورة، سوف يعيدها وبقية حلفائها في الوطن العربي والإقليم بكل تأكيد إلى أجواء خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عندما كان الراحل الكبير جمال عبد الناصر مركز الإلهام والجذب الأكبر لجماهير أمتنا العربية والمنطقة وعموم العالم الثالث... وجعل من مصر القاعدة الأبرز في محاربة نفوذ ومشاريع واشنطن وأدواتها في المنطقة... وأبرز الأدلة على هذه المخاوف ما قاله الرئيس بوتين لنتنياهو وطاقمه الأمني والعسكري المرافق خلال زيارتهم المفاجئة إلى موسكو محاولاً "طمأنتهم": دمشق لا تسعى إلى فتح جبهة ثانية في ‏الجولان بل تحاول الحفاظ على الدولة السورية. 6- إنتصار سورية سيشكل طوق النجاة للعراق من التفتيت المذهبي والطائفي والعرقي... ولمصر من مخاطر الإرهاب "المُسير" أمريكياً-صهيونياً-أعرابيّاً، ومحاولات تكبيلها وإبتزازها إقتصاديّا. 7- وجود روسيا في تحالف يحارب الإرهاب على سورية سيجذب إليه حتماً عدداً من الأطراف التي لا تخطر لنا على بال من الأصدقاء أو الخصوم والأعداء بفعل تقهقر واشنطن و"تراخي" قبضتها من جهة، ومن جهة ثانية سيسمح بكسر أجواء أزمات المنطقة المسمومة بالمذهبة والتطييف... ما يتيح لحلفاء سورية، وخصوصاً إيران الإشتراك بفعالية أكبر في هذه الحرب. * آثاره على سورية: 1- إسقاط مقولتي المنطقة العازلة، وتغيير النظام بكل أشكالهما من التداول نهائياً. 2- إنطلاق عملية دولية جادة تكافح الإرهاب، وتقف إلى جانب من يحاربه بالنيابة عن العالم أجمع، سورية والعراق. 3- صمود القيادة السورية وصناديد الجيش العربي السوري والمقاوم من شعبها الأبي... أدخل سورية في تحالف ستكون له الكلمة الفصل في مستقبل العالم، من موقع السيّد والمنتصر... بعكس ما أريد لها بأن تأتي من موقع المهزوم المحتاج. 4- رفع معنويات المواطن والمقاتل السوري، وتجديد إيمانه بأن حلفاء سورية أوفياء لها ولن يتخلوا عنها. 5- وضع حدّ لحرب قاسية كلفت سورية أثمان باهضة، حيث سيكون حلفاء سورية وفي مقدمتهم موسكو، معنيون بتقديم نموذج مغاير تماماً للنموذج الأمريكي الذي تحدث عن حاجته لعقود حتى ينتصر على الإرهاب. 6- سيساعد التحرك الواسع والحاسم لحلفاء سورية في إحداث تبدلات كبرى في المزاج الشعبي العربي عموما والسوري خصوصاً، وتحديداً تلك الفئة المترددة في الدفاع عن الدولة ومشروعها. كلمة أخيرة: 24 ايلول الجاري يكتمل الموعد الزمني "المُعلن" للجسر الجو-بحري الروسي لسورية، وفي اليوم التالي يعتلي الرئيس بوتين منصة الأمم المتحدة ليقول كلمته "المذخرة" بإستعدادات كافية لتذكير واشنطن وتل أبيب بآخر مواجهة عسكرية بين موسكو وواشنطن في الإقليم منذ 42 سنة خلت، أي منذ حرب تشرين التحريرية التي ستحل ذكراها بعد أيام. تستعيد موسكو ألقها، ويتغير وجه العالم بفعل صمود اسطوري لبلد تكالبت عليه كل قوى الشر والعدوان... ألم يقل لافروف بأن مستقبل العالم يتوقف على كيف تحل الأزمة السورية؟. سورية المهددة في العمق، والمستهدفة في الصميم، تمكنت من الإنتصار لمشروع حرب تشرين التحررية على أرضها وتحت سمائها. بإنتصارها أبقت على الأمل بخوض حرب جديدة تعيد أرضنا المحتلة، وبإنتصارها أعلنت بداية حقبة جديدة من التاريخ الإنساني... وسيذكر هذا التاريخ بأن مساره كان معلقاً بشكل حاسم بمدى عمق إيمان وصلابة موقف رجل، نعم رجل واحد إسمه بشار حافظ الأسد... مع هذا الرجل كانت صدمة واشنطن الأولى، وفاتحة خسائرها الكبرى... لو إرتجف قلبه، وأرتعشت يمينه، وقرر الرحيل... لرحلت معه سورية، ولخرجت معه من التاريخ... وسيخرج بخروجها أمم وشعوب ودول، ولأخذت واشنطن "التاريخ" رهينة لسنين طوال أمام أعتاب البيت الأبيض.

الملفات