بقلم: ميشيل كلاغاضي
أمريكا...تاريخ أسود لشعب " أبيض "
في عالم ٍ مجنون و مزيف .. تسيّدته الوحوش , فأفقدت الإنسان قيمته و قيمه بعدما أغواه المال و الشهوة و الشهرة , واكتفى بأن يحافظ على صورة الله فيه و رفض أن يكون على مثاله .
تصرخ الوحوش و تعوي الذئاب .. و تئن الخراف تحت سياط و سيوف جلاديها , فيحصد الشرّ كل محاصيل الزرع , و لايترك وراءه حتى حبة الزيوان .
هكذا فُرز العالم بين عبد ٍ و خادم و تابع وأداة , و بين " سيد ٍ " و قائد أنيق المظهر فواح العطر سوي الذهن و الفكر , محب ٌ للاّخرين مستعد ٌ للأخذ بيدهم أو لأرواحهم إن شذوا أو صرخوا ..!!
هو جالب ٌ للحظ و الحياة الرغيدة , عبر الحرية و الديمقراطية , و مستعد ٌ ليفكر عنهم .. و يقرر عنهم .. ومصيرهم و من يقودهم !؟.
افرحوا و ابتهجوا .. فأوروبا تقود العالم إلى أن حبلت و أنجبت مولودا ً و دعته أمريكا .. و من منكم لا يعرف أمريكا, و كيف أصبحت " أمريكا ".
تعالوا إلى لاس فيجاس لنلعب بالعالم .. و بمصير العالم , و ندحرج رؤوس البشر ... فسأدعوك هتلر و أنت نابليون و هذا و ذاك , كن ابن لادن و البغدادي و أبو سياف , كن صهيونيا ُ أو داعشيا ً لا فرق فالمهم أن نلعب بالبشر و نتحدى إلههم .. و لنجعلهم على صورتنا و مثالنا .
لنعد إلى البداية .. و لتبدأ الحكاية ...
أعتُبر اكتشاف كريستوف كولومبس للقارة الجديدة حدثاً هاما ً و مدهشاً آنذاك , حدث ٌ غيّر مجرى التاريخ و لعب دوراً كبيراً في رسم حياة البشر في الأرض قاطبة , لكن الأكثر إدهاشا ً هو نسيان العالم وجود و ما اّل إليه مصير هنود أمريكا الحمر و أن أحدا ً لم يعد يعرف عنهم شيئا ً .
فقد شهد القرن السادس عشر اقتراف أكبر إبادة ٍ جماعية عرفتها البشرية و التي قام بها الأوروبيون ضد السكان الأصليين هناك .. لقد كان من المفترض و بحسب المؤرخين أن يكون عدد سكان العالم في عام 1500 م حوالي 400 مليون نسمة منهم حوالي 80 مليون في الأمريكتين , في حين لم يتبق في أواسط القرن السادس من سكان الأمريكتين إلاّ عشرة ملايين .. كذلك في المكسيك ُأحصي عدد سكانها عشية الغزو الجديد 25 مليون و لم يبق منهم بعد قرن ٍ واحد إلاّ مليون فقط و وصلت نسبة الإفناء إلى حدود ال 90% أو أكثر .
إن مقترفوا هذه الإبادات الجماعية قاموا بتنفيذها عبر أشكال ثلاث :
1- بالقتل المباشر سواء في الحروب أو خارجها و الذي نتج عنه أعداد كبيرة من القتلى .
2- بالحصار و المعاملة السيئة و قساوة أعمال السخرة
3- بالأمراض و الصدمات الجرثومية و هذا يقف وراء هلاك القسم الاكبر من الهنود الحمر .
لقد كان الغزاة يرون في الامراض و الأوبئة واحدا ً من أسلحتهم حيث أبيد الهنود الحمر بالجرب و الطاعون و الحصبة و الإنفلونزا و السل و التيفوس و الكوليرا ....الخ.
نعم انها حرب جرثومية حقيقية رغم عدم امتلاك الأوروبيون آنذاك آلية منظمة للحرب الجرثومية , لكن تساقط الهنود الحمر كالذباب دليل على أن الله يقف الى جانب الغزاة ( بحسب قولهم ) .
يبدو أن كريستوف كولومبس لم يكتشف العالم الجديد بل غزاه و دمره , ان الدافع وراء هذه الرحلة كان حتما ً الرغبة في الثراء و هذا واضح حتى في صلاة كولومبس قبيل رحلته الأولى إذ كان يدعو فيها : " فليساعدني المولى برحمته على أن أحظى بالذهب " ..حيث كان الذهب بالنسبة له وسيلة لإقناع الملك و الملكة لأن يتخذا قرارا ً بإنفاق العائدات التي يمكن أن يجنيانها من الهند لاستعادة القدس لكن رفاقه لم يكن يعنيهم إلا الرغبة بالثراء العاجل .
لقد كان الإسبان على قدر من الوحشية يماثل وحشية المجتمع الأستيكي - مجتمع القرابين البشرية - فلم يتوانوا عن قطع أثداء النساء و أيادي الرجال لقد ناقضوا أنفسهم بين ما يدعون في بلادهم و بين ما ارتكبوه في البلاد المكتشفة الجديدة بحق سكانها الأصليين لذلك ارتكبوا المجازر بعيدا ً و حيث يصعب إحترام القانون .
إن ما تعرضت له شعوب الأستيك و المايا من ظلم و قهر و قتل و إبادة أفقدهم القدرة على الفهم و الاتصال و الحكمة و الدفاع المحكم عن الوجود و حقهم في الحياة .
لم يكتف الإسبان بما فعلوه بداية ً بل راحوا يبحثون عن الذهب و النساء و العبيد و جمع الغنائم و كل ما يقع تحت أيديهم . و في عام 1830 سن الكونغرس الأمريكي قانون ترحيل الهنود قسرا ً و بذلك تم تشريع تهجيرهم و حتى قتلهم و من خلال ذلك تم تهجير الشعوب الهندية إلى مناطق موبوءة بالكوليرا .و بحملات منظمة تم إحراق مدنهم و إتلاف محاصيلهم الزراعية و أحالوا مساكنهم الى خراب و محوها عن وجه الأرض بقرار من " هدام المدن " جورج واشنطن الذي أمر بتدمير 28 مدينة , و استمر العمل وفق الأشكال الثلاثة السابقة على قتل و تهجير و التسبب بالأمراض القاتلة بالإضافة لأعمال السخرة الشاقة .
هذا ما تعرضت له شعوب القبائل من الشيروكي و الشوكتر و الأستيك و المايا و الكريك و التارغنستس و الأوتاوا .....الخ.
لقد أفتى الأمريكان لأنفسهم و اعتبروا أن إبادة الهنود الحمر ضرورة للحيلولة دون تلوث العرق الأبيض و هي مهمة " أخلاقية " بنظرهم .. لكي يبقى الإنسان الأبيض فعلاً على صورة الله ,كما اعتبروا أن الهندي الأحمر هو المسؤول عما لحق به لأنه لم يتعلم الحضارة و لا بد له من الزوال و الموت .
لقد قاموا بقتلهم بدم بارد و حتى رؤوسهم لم تسلم منهم فقد سلخوا فروة رؤوسهم و دفعوا لقاتليهم الأموال و المكافئات . و مع تأسيس الجيش الأمريكي أصبح السلخ و التمثيل بالجثث تقليداً رسمياً فيه , و كما رؤوسهم فلم تسلم أعضاء أجسادهم من التقطيع و التمثيل ......يالهؤلاء المساكين .
و بالمحصلة و خلال 150 سنة أبيد أكثر من 80 مليون نسمة و ما تبقى منهم استسلم ووقع على ورقة إبعاد قبيلته إلى الأراضي الفقيرة المقفرة غير المرغوب بها من قبل الرجل الأبيض و التي دعيت فيما بعد بالمحميات.
و حالياً يبلغ عدد الهنود الحمر حوالي 4 مليون يعيشون في المحميات عاطلين عن العمل يدمنون الكحول و يصابون بالأمراض و البعض منهم يضع حدا ً لحياته بالإنتحار .. القلة منهم من تعلم و حصل على شهادات جامعية لكنهم لا يجدون عملا ً على الإطلاق , و يعاملون بأسوأ معاملة و يحظر عليهم التكلم بلغتهم الأصلية أو ارتداء زيهم القومي و كذلك تحظر احتفالاتهم و طقوسهم القبلية .
هذه هي حقيقتهم مجرمون قتلة غزاة محتلون سارقون, فكيف بالله عليكم نرى البعض منا و الكثير من الحكام العرب يرون الدنيا بعيونهم و يفهمونها بعقولهم, و نراهم يرقصون معهم و يشربون نخبهم.
ألسنا نحن العرب معنيون أكثر من أية أمة أخرى بمعرفة تاريخهم الأسود و أن نحذر منهم خاصة في أرض فلسطين الطاهرة و التي اتبعوا فيها مع أهلنا و شعبنا الفلسطيني الأسلوب ذاته و الإبادة عينها , أليس ما فعلوه في ليبيا و اليمن و سورية الشيء نفسه ؟ أليسوا ذوو العقيدة الإجرامية ذاتها , أليس الإسرائيليون أخطر و أشد فتكا ً و قسوة منهم , خاصة أنهم يدعون بأنهم شعب الله المختار و أن لهم دور خلاصي للعالم أجمع , أليسوا هم من أعطى لأمريكا معناها الإسرائيلي التوراتي ؟ .
و مع كل غيهم لن تنجح خططهم في أرضنا و مع شعوبنا , كما نجحوا مع ذاك المسكين الهندي الأحمر و لن يستطيعوا أن يجعلونا نفقد القدرة على الفهم و الاتصال و الحكمة مثله , حيث لم تسعفه آلهته و بقيت صامتة متفرجة على إبادته , أما نحن فإلهنا قادر و قدير و جبار و بقوة الحق سينصرنا .. و سنبقى على صورته و مثاله .. " لئن ينصركم الله فلا غالب لكم ".أمريكا...تاريخ أسود لشعب " أبيض "!!
2015-09-26