2025-06-17 07:13 ص

السرّ الدفين!!

2015-09-28
بقلم: سمير الفزاع
السعودية، قوة إقليمية بفعل غطاء دولي أُرسيت قواعده منذ اربعينيات القرن الماضي لا بقواها الذاتية، وحرب اليمن أظهرت هذه الحقيقة بلا رتوش. والأمر ذاته ينطبق جزئياً على الكيان الصهيوني، غير أن "ثكنة المرتزقة" المصنوعة من شتات يهود العالم لحماية مصالح الغرب، والبديل عن الجندي الغربي "المتحضر" الذي "تعب" من محاولات "أنسنة" وتحديث مجتمعات من "البدو القساة"... أوجب أن يمتلك هذا الكيان "قوة ذاتية" كافية لحماية الثكنة إلى حين تدخل "المُشغل والمُستثمر" من خلف البحار، الذي يشكل شق المعادلة الآخر، الغطاء الدولي. وأما تركيا، التي قزمها الغرب حتى باتت "رجلاً مريضاً" فيجب أن تبقى دائما تحت "رعاية" غطاء دولي يمنع "وفاتها" من ناحية، ويمنعها من "الشفاء" من جهة ثانية... فلا هي تملك عناصر القوة الذاتية الكافية لأن "تتمرد" ولا يرفع عنها الغطاء الدولي لتمرض أكثر فتتمزق. مصر، التي "تلمست" خلال الحقبة الناصرية عناصر قوتها الذاتية، ونجحت في حياكة غطاء دولي واسع، عادت لتكون رهينة لمعادلة دولية-داخلية نسفت تلك الإنجازات الضخمة... عبر إمساك واشنطن بمفاصل حياتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية... في مظلة دولية سمحت بإنتاج آلية "تعطيل" لقواها الذاتية، إتفاقية كامب ديفيد، ليكتمل حول معصمها القيد. ايران، تمكنت من رفع الغطاء الدولي الذي جعل منها شرطي الخليج، والضلع الثالث من أدوات الغرب مع الكيان الصهيوني وتركيا في تشكيل سياسات وتحالفات المنطقة... تمكنت من رفع هذا الغطاء عبر ثورة كان للدعم السوري مكان بارز في نجاحها وإستمرارها وصولاً لإيقاظ قواها الذاتية. وأما العراق، فيكفي أن نلقي نظرة شاملة تحترم التسلسل المنطقي للتاريخ لنكتشف كم كانت حسابات قيادته كارثية في الحد الأدنى من التحليل والتوصيف... حيث حاربت ايران بأموال محميات الخليج عندما تحررت من القيود الغربية، وحاربت سورية عندما لم يبق غيرها في معادلة الصراع مع العدو الصهيوني بعد إخراج مصر منها بإتفاقية كارثية، وغزت الكويت في لحظة إنهيار النظام الدولي وتفرد واشنطن بقيادة العالم... . وأما سورية، فهي القوة الإقليمية الوحيدة المنتمية للإمة العربية، التي تملك قوة ذاتية إستطاعت الحفاظ عليها، وسخرتها للحفاظ على هويتها وخطها السياسي، ومكنتها من المساهمة في إقامة خطوط دفاع "مقاومة" تمنع الغرب من حسم الصراع العربي-الصهيوني حتى بعد خسارتها للغطاء الدولي بإنهيار الإتحاد السوفيتي العام 1991... واليوم، هي من يمنع الأصوليات الإرهابية الثلاث -الوهابية،الصهيونية،العثمانية- من تفجير المنطقة بالكامل. كما يحلو للبعض، يمكن الحديث حتى الصباح عن الأخطاء والفساد... في سورية، لكن هذه الهندسة البديعة والمذهلة في إدارة الصراع، وإجتراح سياسة خارجية حفظت سورية في ظروف جيوسياسية "شاذة" يصعب تخيلها، وتمكنها من خلق توازن في لحظات إختلال التوازن... لا يمكن أن تكون أمراً عادياً يسهل المرور به دون أن تجتاحك الدهشة الكاملة. إن هذا النسق يؤكد بالمطلق أن هناك "عقلاً" جباراً يعتمد على إرث إنساني هائل ضارب في أعماق التاريخ، إنصرف في كُليته على إدارة وإستشراف صراع تاريخي مخيف في واحدة من أدق لحظاته وأقساها. بكل تأكيد، هذا النجاح سيخلق صنوف شتى من الحقد والرغبة الجارفة بالإنتقام من هذا "العقل"، من العقل بحد ذاته، وبيئته، وتاريخه، ومصادر تكوينه، وعناصر قوته، ومكونات ثرائه وعبقريته... تخريب بيئة هذا "العقل" بتمزيقها ونشر التخلف وثقافة القرون الوسطى... وتاريخه، بحرمانه من "أمسه" بتدمير أوابده ومحطات تاريخه... ومصادر تكوينه، بشيطنة هذه المصادر وطلائها بالتوحش والهمجية... وعناصر قوته، بتشويهها وإختلاق قراءات متباينة لها تفقده قيمتها الإنسانية والحضارية... ومكونات ثرائه وتنوعه، بتكفيرها وتهجيرها وإفنائها... وصولاً لتغييب هذا "العقل" الخلاق المبدع وإغتياله. وإلى المخدوعين بمقولة الغرب المتمدن، وأن مشاعر الإنتقام والحقد جزء من البداوة العربية، أود تذكيرهم بما فعله جنرال جاء من بلد الثورة والإخاء والمساواة... بعد ألف عام تقريباً من الحروب الصليبية وعقب إحتلاله لدمشق، وعند قبر صلاح الدين، صاح الجنرال "هنري غورو":"نحن قد عُدنا يا صلاح الدين"... أي بداوة سوداء بعد هذه البداوة، وأي حقد وإنتقام بعد هذا الحقد والإنتقام؟... لعل هناك من يعشق النسيان!. حتى اللحظة، لم تعلن الجهة أو الجهات المسؤلة عن الدعوة الأولى للتظاهر في حوران عن نفسها، ألا يبعث هذا على الشك؟ لكني مثلاً، أعرف بأن هناك ألآف الرسائل النصية –في الحد الأدنى- الموجهة إلى أهلنا في حوران وصلت إلى مواطنين شمال الأردن مصدرها الكيان الصهيوني. وللتذكير فقط، عندما شنّت هجوم واسع على دمشق شتاء العام 2013، دعت قنوات صهيونية ضمن بثها المباشر، ومن ضمنها القناة العاشرة، الجماعات الارهابية المهاجمة إلى الإمتناع عن إستخدام أجهزة إتصال بحوزتهم لأن الجيش العربي السوري تمكن من إختراقها!!! كيف عرفوا طبيعة هذه الأجهزة، وأن الجيش السوري تمكن من إختراقها؟ ألا يؤكد هذا أن من بعث الرسائل النصية هو ذاته من بعث أجهزة الإتصال؟. هذه الوقائع والمئات غيرها تثبت أن ما تتعرض له سورية منذ مطلع العام 2011، حرب منظمة بأسلحة حديثة لم يشهد العالم لها مثيلاً، حتى وإن تكررت بعض مفرداتها هنا وهناك. تحدثت سابقاً عن بعض خلفيات العلاقة السورية-الروسية التي ستجعل موسكو "مُجبرة" على التحالف مع دمشق بوجه هذه الحرب العالمية، لكن عنصراً حاسماً لم أذكره من ضمنها، إنه هذا "العقل" الذي ما زال يمنع حتى اللحظة، تحول المشرق العربي خصوصاً والإقليم ككل، إلى بركان جنون متفجر ودائم "الثورة" يلقي بحممه الطائفية والمذهبية والعرقية... و"عقده" وجروحه التاريخية والإنسانية والوجدانية في كل إتجاه... والقادر على تسيير "الغزوات" عبر قناتين، من تركيا إلى شوارع روما وأثينا وباريس وبرلين... أو من إيران إلى أسوار بكين وموسكو. بُدء بتهيأت القناة الأوراسية بإستقدام ألآف العائلات بكامل أفرادها من الإيغور والشيشان والأوزبك والتركستان والشيشان... وحتى الروس. أدركت موسكو أهمية الحفاظ على هذا "العقل"، فتحركت. وتلمست المانيا زعيمت أوروبا المستقبل والمنافس الطبيعي لأمريكا، هذا الخطر فكانت أول من أيد التحرك الروسي... وتبعتها بعض عواصم القارة العجوز. "بعض" واشنطن والكيان الصهيوني وأردوغان وأنظمة البترودولار... وضعت روسيا والصين و"اوروبا" أمام خيارين لا ثالث لهما: إما منع "الجنون" الذي لم يضرب أي هدف أمريكي في المنطقة، ويدير ظهره للكيان الصهيوني في الجولان... من الإنتصار في سورية أو محاربته في مدنها وداخل حدودها. بغير هذا المعنى لا يمكن تفسير تصريح الرئيس بوتين لقناة سي بي أس الأمريكية، عندما قال: "ليس هناك من حل للأزمة في سورية سوى دعم هيكليات مؤسسات الحكومة السورية وتقديم العون لها في مكافحة الإرهاب...". هذا يشبه إلى حدّ كبير ما وثقته وسائل الاعلام قبل أيام، عندما سحبت بذور من "قبو يوم القيامة" للمرة الأولى منذ إنشائه في كهف أسفل جبل ناء في الدائرة القطبية الشمالية، لتخزين تقاوي المحاصيل الزراعية العالمية تحسبا لوقوع كارثة كبرى... بطلب من باحثين في "الشرق الأوسط" لهذه البذور -عينات من القمح والشعير ومحاصيل أخرى صالحة للزراعة في المناطق القاحلة- لتعويض ما فقد من بنك للجينات قرب مدينة حلب... لكن، متى فقد المشرق "عقله" "الرابض" في سورية من يجرؤ في هذا العالم أن يقول بأنه قادر على "تعويضه"؟!.

الملفات