2025-06-17 07:47 ص

المحافظة على السلامة

2015-09-28
بقلم :عبد الحكيم مرزوق*
ظهرت في الآونة الأخيرة بعض المصطلحات التي ينبغي التوقف عندها والتأمل بمدى بلاغتها وفاعليتها في آن معا ، ومنها عبارة النأي عن النفس ، فإلى أي حد يمكن استخدامها ، وهل تعبر بالفعل عن الرقي بالتعامل بين الناس وبين المؤسسات وبين الدول فيما إذا عممنا هذا المصطلح . في البداية يمكن الحديث عن المعنى الذي يحتويه ومن ثم ننطلق لبحث الموضوع من عدة أوجه ، فكلمة النأي هي تعني الابتعاد ، والنفس تعني ذات الإنسان أو الهيئة أو المؤسسة التي تنبع لها ، أي إبعادها عن المشكلات والمخاطر وهي لا تختلف أبداً عن المثل الشعبي الذي يقوا : (امش الحيط الحيط وقول يا رب السترة ). في المعنى العام قد تبدو هذه المقولة متبعة عند بعض الأشخاص الانتهازيين الذين يبحثون دائماً عن السلامة وحتى لو أهينت كرامتهم ومرغت أنوفهم بالأرض ، ولكننا نجد أن الغالبية العظمى من الناس الذين تربوا على أن تكون لهم كرامتهم وعزتهم بأنفسهم لا يرضون أن يهانوا ولا أن تتعرض كراماتهم للإساءة ولذلك فهم لا يسمحون لأحد أن يمسهم بسوء وتراهم يدافعون عن الضعفاء وعن جيرانهم فيما إذا تعرضوا لأية إساءة، وهذه من الطباع العربية التي تربى عليها العرب منذ زمن بعيد هى جزء من النخوة العربية التي نتفاخر بها على الدوام . والمسألة حسبما أعتقد لا تختلف كثيراً في المعنى عن التطبيق فيما إذا وسعنا الدائرة لتشمل المؤسسات والدول ، فالمعنى ذاته يمكن أن يكون في كافة الحالات مع الإشارة إلى أن التطّور الحضاري أضاف معاني ومفاهيم جديدة ليس لها علاقة بالتربية التي نشأنا عليها حيث نرى أن لغة المصالح هي التي تسود على مستوى المؤسسات الكبيرة وعلاقة الدول ببعضها ، فهذا المصطلح يبدو أنه تطبيق عملي للغة المصالح ولغة البزنس مان حيث لا نخوة عربية ولا تربية ولا أخلاق والرجل فيها لا يمكن أن يلتزم بكلمته حسب ما هو متعارف عليه. وحيث يبتلع الكبير الصغير ، ولا وجود لأي شيء له علاقة بالأخلاق والتربية وهذه الحالة تشبه مجتمع الغابات التي تفرض فيه لغة القوة والولاءات ولذلك لا نستغرب أن تتآمر بعض الدول الصغيرة ، وتتبرع بالمليارات الكثيرة وتقدم السلاح وتشتري الإرهابيين من تنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية لتقتل أبناء شعبنا وتدمر البنية التحتية إرضاءً لدولة مازالت تظن أنها تسيطر على العالم ، وأن بمقدورها تغيير الأنظمة وحركة التاريخ ، ولا نستغرب أيضاً من ينأى بنفسه وبحكومته عن اتخاذ قرار بسيط لا يكلفه أي مال أو أية خسارة معنوية بأن يحفظ ماء وجهه ويعبر بكل علانية أنه ضد ما يجري في سورية من أعمال قتل وإرهاب تستهدف الأبرياء ويدين الدول الداعمة للإرهاب والقتل اليومي الذي يحصل ، مع أن سورية لم تتوان يوماً عن تقديم الدعم المادي والمعنوي واللوجستي والسلاح كي يبقى ذلك البلد حراً كريماً وقوياً أمام العدو الإسرائيلي الغاصب الذي استباح الأرض وعاث بها فساداً ، لأن كرامة الشقيقة من كرامتنا ولا يمكن أن نرضى أن نراها مهيضة الجناح وهناك من يعمل على إذلالها وإذلال شعبها المقاوم الذي دحر الأعداء من أرضه وأذاقه طعم الهزيمة أكثر من مرة . مع كل ذلك نجد في تلك الدولة الشقيقة من يحمل شعار النأي بالنفس ، فهل يعد ذلك إجحافاً ونكراناً للجميل بحق من قدم كل ما يتصوره الإنسان من دعم أم أنها هي لغة المصالح التي تجعل البعض يدوس على كل القيم الأخلاقية في سبيل المحافظة على السلامة ؟ 
 * كاتب وصحفي سوري 
 marzok.ab@gmail.com

الملفات