2025-06-17 07:11 ص

هكذا فَرَطت العصا السحرية الروسية سُبّحة أمريكا وحلفائها

2015-09-29
بقلم: الدكتور محمد بكر
تحولات ٌ في المواقف الغربية حيال الأزمة السورية أقل ما يمكن أن توصف بالاستراتيجية لم تكد تمضي فيها أيام على الجديد الأمريكي على لسان كيري حتى توالت التصريحات تباعاً , كل مفردات التصعيد والرحيل وفقدان الشرعية وأنْ لا مستقبل للأسد في أي عملية سياسية باتت من الماضي الغربي الغابر , فابيوس عدّ الحديث عن رحيل الأسد حديثاً غير واقعي , كذلك فعل نظيره هاموند , ميركل بدورها دعت إلى مشاركة الأسد في أي حل سياسي للأزمة السورية , حتى أردوغان أكثر المتطرفين والمتعنتين من شخص الأسد بات يرى أن هناك إمكانية في أن يكون الأسد جزءاً من المرحلة الانتقالية في إطار الحل السياسي للحرب السورية , بدوره استشعر لافروف بتطورات الموقف الأمريكي لجهة أنه أصبح أكثر تقبلاً للموقف الروسي , بثينة شعبان هي الأخرى تكشف عن تفاهم ضمني بين واشنطن وموسكو فيما يخص الملف السوري , وأن هناك توجه لدى الإدارة الأمريكية الحالية لإيجاد حل للقضية السورية , يعود كيري ليتوج كل تلك التحولات بالإعلان عن مبادرة أمريكية جديدة , في حين أعلنت كبيرة المفاوضين الأمريكيين ويندي شيرمان عن قبول واشنطن محاورة طهران حول الأزمة السورية وكذلك ختمها أوباما في نيويورك " مسكاً" عندما أعرب عن استعداد بلاده للعمل مع إيران وسورية من أجل حل الأزمة فيها . أي عصا سحرية أشهرها سيد الكرملين لتستولد كل تلك الانعطافات والتحولات في سلوك غربي متحجر دام أكثر من أربع سنوات , وأي " فتل ٍ " صاغه الروسي لعقول زائريه الذين باتوا يحطوا في رحاله بالجملة والمفرق ؟ وهل بات المناخ الدولي اليوم هو مناخ تأسيسي للانفراجات وحلحلة السياسات المتصلبة ؟ يبدو بالفعل أن بوتين بدأ بالنهوض والتحرك السريع من استراحة محارب كان يرقب ويتلمس يقيناً مدى الالتفافات والمراوغات التي تصوغها الولايات المتحدة من خلال تحالفها في مواجهة الإرهاب , تحالفٌ لم يحد مطلقاً ولو بالحد الأدنى من الامتدادات والارتدادات التي لطالما حذرت منها مراراً وتكراراً الأطراف المشتبكة فعلاً مع هذا الإرهاب , مغتنماً الفرصة المناسبة ليمضي قدماً في تعزيز طروحاته وفرد إمكاناته , ليضع الإرادات الغربية على المحك ويختبر الترحيب الأوروبي لجديد الخطوة الروسية , خطوة ٌ لم يجد فيها الروسي أي حرج في تظهير الكذب في الرواية الأمريكية التي نفخت وهوّلت من بعبع داعش ليعلن أن ذلك الغول لن يصمد طويلاً أمام قدراته في استراتيجية يحيكها باقتدار ويشرع فيها بتعزيز مفاعيل جهده الدولي لجهة بناء تحالف صلب وباسمه وتحت سقفه يستقطب أطرافاً وازنة في المنطقة وذات حضور اقليمي فاعل بمنزلة بيضة القبان التي في امتلاكها واجتذابها قد يتغير الميزان الدولي كلياً وتصبح معادلة رابح رابح بعيداً عن متناول الأمريكي أو بالحد الأدنى خفض الكتلة الربحية الأمريكية إلى أدنى مستوى لها في هذه المعادلة, وتالياً التأسيس للتفرد الروسي في القرار الدولي , هذه البيضة التي شكلت مصر جوهر معالمها وملامحها من خلال زيارة السيسي الأخيرة إلى موسكو والإعلان المشترك بين الجانبين عن أهمية الجبهة الروسية الجديدة في مكافحة الإرهاب وهذا ما شكل في اعتقادنا الأساس في الانعطافة الأمريكية . جملة من الأسباب الأخرى والمتغيرات في المشهد السياسي والميداني شكلت في مدلولاتها حجر الأساس أيضاً لإدراك الأمريكي عقم محاولاته التصعيدية وعدم جدوى سياساته وتعويلاته على إحداث خرق أو أي إنجاز نوعي على الأرض السورية : - ما بدأ يتبدى من مفاعيل التنسيق الروسي – الإيراني عالي المستوى لتكريس الزخم والأثر الفاعل في ما يمضي الروسي إلى صياغته لمحاربة الإرهاب , هذا التنسيق الذي جاء تصريح الرئيس روحاني كترجمة عملية له عندما أعلن بكل لغات ومفردات الثقة أن القوة الوحيدة في المنطقة القادرة على سحق الإرهاب هي الجيش والحرس الثوري الإيراني . - سقوط جملة من الأوراق الأمريكية التي كانت تشكل من المنظور الأمريكي أوراقاً ضاغطة على الخصم في مقدمتها فشل غرفة موك في تحقيق الهدف الذي وجدت من أجله , وماخطه المتحدث باسم عاصفة الجنوب أدهم الكراد من نعية لتلك العاصفة التي لم تعد هائجة على الإطلاق وباتت بالمعنى الاستراتيجي " نُسيمات " تنتظر حتفها . - نفاذ الاتفاق النووي الإيراني وما استولده من توافقات في المشهد الدولي برمته يدرك فيه الأمريكي أن اليوم الأول من بعد المصادقة عليه وشرعنته سيكون وفق المنطق السياسي للأمور ميلاد مرحلة جديدة في سلوكه وتعاطيه ليس مع إيران فحسب بل مع حلفائها أيضاً . - إدراك الأمريكي أن أي انخراط وتعاون مع الجانب الروسي فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب على الأرض السورية إنما يستوجب بالضرورة العمل وفق المحددات والمعايير الروسية وتالياً التنسيق مع الجيش السوري الذي عدته موسكو الجهة الوحيدة القادرة على محاربة الإرهاب في سورية لذا كان لزاماً على الأمريكي وحلفائه تصدير صور المرونة في الخطاب السياسي بما يشكل عملياً المصادقة الضمنية على الانخراط في تحالف موسكو بقيادة بوتين . نعم الروسي ألقى ماعنده وقدم معروضه وخطته وطبيعة تحالفه الجديد , وهذا ما بدأ يظهر جلياً في السماء السورية , كذلك فرد الإيراني صفحات ٍ ملأى بسطور الثبات والثقة في الانتصار على الإرهاب, تدرك خلاله واشنطن وحلفاؤها أن الحراك الروسي ونشاطه العسكري لن يكون على الإطلاق على قاعدة استعراض العضلات و" نفش الريش " , لذا يبدو اللحاق ومشاركة العصا الروسية الفولاذية في ما هي ماضية إليه واقتسام " الغنائم السياسية " معها من المسلمات والبدهيات وإن كان ذلك سيفرط السبحة الأمريكية في تحالفها الدولي المزعوم ضد الإرهاب.
* كاتب فلسطيني مقيم في سورية
mbkr83@hotmail.com