بقلم: بطرس الشيني*
أثارت الولايات المتحدة ضجة إعلامية كبيرة حول ماسمته فشل خطتها لتدريب المعارضة السورية المسلحة " التي بقي منها خمسة عناصر فقط تم تدريبهم لمحاربة " داعش " !!!؟ وهو شيء يدعو للسخرية وفق رأي نائبة أمريكية " , في وقت سلم بقية أفراد المجموعة أسلحتهم وتجهيزاتهم لجبهة النصرة .
مسألة فشل تدريب مجموعات مسلحة لمحاربة داعش واحدة من سلسلة الأكاذيب التي تستهدف المجتمع الأمريكي قبل أي أحد آخر , فمع تطور الأحداث وزيادة الاستقطاب الدولي هناك احتمال متزايد لصدام أكبر في المنطقة يتجاوز سورية وعندما تقول الولايات المتحدة على مدار الساعة أنها فشلت في إيجاد مجموعة موثوقة على الأرض لمحاربة داعش فإنها تحضر المجتمع الأمريكي لاحتمالات تعرفها استخباراتها وأصحاب القرار فيها أكثر من أي أحد آخر .
خاصة وأنها هي من أوجد ودعم وسلح المجموعات الإرهابية وهي من أنشأ داعش والنصرة باعتراف أكثر من سياسي وباحث أمريكي وأوروبي .
ثمة سؤال يتجاهله جميع السياسيين الغربيين وهو من درب وسلح جبهة النصرة فرع القاعدة في بلاد الشام بصواريخ تاو وأجهزة الرؤية الليلية ومن أوصل للنصرة وداعش وعشرات المنظمات الإرهابية المماثلة الأسلحة النوعية التي تم بواسطتها تدمير عشرات الدبابات والطائرات للجيش السوري ومن أمن المعلومات الاستخبارية وصور الأقمار الصناعية وأجهزة القيادة والتحكم ...الخ .
عندما تقول أمريكا ومن خلفها أوروبا أن عملية التدريب فشلت فهي تقول أن لاعلاقة لها بتدريب عشرات آلاف الإرهابيين في المعسكرات المخصصة لذلك في الأردن وتركيا والسعودية وقطر في وقت سابق وهؤلاء معظمهم صاروا مقاتلين ذوو خبرة كبيرة في صفوف داعش وجبهة النصرة التابعين للقاعدة أي في منظمتين مصنفتين في لائحة الإرهاب على المستوى الدولي ومن المفروض محاسبة أية جهة تقدم لها الدعم والمساعدة وفق قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ولكن بما أن هؤلاء بينهم ثلاثة أعضاء في مجلس الأمن يحمون من يدعم الإرهاب بعض دول الخليج العربي والأردن وتركيا فإن أية محاسبة حقيقية لن تجد طريقاً لها عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن فكلهم شركاء في سفك الدم السوري لدوافع سياسية وأطماع اقتصادية وأحقاد قبلية ..
الولايات المتحدة وأوروبا وقفت حتى الآن في وجه أي قرار لوضع قادة داعش والنصرة وبقية المنظمات الإرهابية على لائحة العقوبات الدولية لابل تم السكوت عن صفقات النفط وبيع الآثار السورية والعراقية عبر تركيا والأردن مما يعطي صورة واضحة عن نفاق السياسة الأمريكية والغربية تجاه الإرهاب الدولي الذي يجتاح منطقة الشرق الأوسط وشمال ووسط إفريقيا .
عندما سيطرت داعش على الموصل وأجزاء من الأنبار في العراق هللت وسائل الإعلام الخليجية ومعها الفضائيات الأوروبية الناطقة بالعربية لما سمته انتصارات "ثوار القبائل " في الموصل والأنبار وظلت تردد اسطوانة " الانتصار " رغم المذابح الكارثية التي حلت بالمدنيين العراقيين في عشرات القرى والمدن ولكن كل شيء تغير عندما اقتربت داعش من كركوك حيث تتواجد شركات أمريكية وأوروبية عندها صار يدور الحديث عن الأزمة الانسانية التي حدثت وضرورة محاربة داعش ولكن متى !!؟ بعد أن حصلت داعش على أسلحة الجيش العراقي من دبابات ومدافع أمريكية حديثة تصل قيمتها الى مايزيد عن مليار دولار وتحدثت بعض التقارير عن حوالي ثلاثة آلاف عربة مدرعة خفيفة وثقيلة وقطع مدفعية ورشاشات ثقيلة اي أن الخطة سارت كما وضعتها الولايات المتحدة لتقسيم العراق وسورية حتى إن تصريحات كبار السياسيين الأمريكيين حول تقسيم العراق ازدادت بصورة كبيرة بعد سيطرة داعش على أجزاء واسعة من سورية و العراق و ليس قبلها و هذا يأتي تحقيقا لخطة وضعت مع بداية احتلال أمريكا للعراق بتقسيمها لعدة دول .
في الحرب العالمية الثانية اشتهر وزير الدعاية الألماني غوبلز في توظيفه الكذب لخدمة النازية و الحرب و أكاذيبه لم تخدع يوماً سوى الشعب الألماني و ليس أي طرف آخر .. نظرية غوبلز في الكذب ما زالت أساسية في سياسة أمريكا و بريطانيا و فرنسا و قادة هذه الدول نجحوا أكثر من غوبلز بكثير في خداع مواطنيهم حول جهودهم في مكافحة الإرهاب و العمل من أجل الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان ودعمهم غير المحدود لانظمة الحكم الفرديةالاستبدادية لأن أسلحتهم الإعلامية أصبحت هائلة مقارنة بأدوات غوبلز البسيطة و المجتمعات الأوربية التي بدأت تعاني من تبعات الهجرة الواسعة التي تسببت بها سياسات دولها بدأت تتحدث عن أخطاء قادتها في السياسة رغم الضخ الإعلامي الذي مارسته تلك الدول حول " الإنسانية و ضرورة استيعاب المهاجرين ..
هل فشلت خطة أمريكا في تدريب المسلحين الذين يدمرون سوريا و قتلوا عشرات آلاف المدنيين في مذابح تجاهلها الغرب بإنسانيته " العجيبة " و إعلامه الحر "؟؟؟ .. لا لم تفشل خطة التدريب و معظم الذين يقاتلون اليوم في سورية هم من غير السوريين و رأ س الحربة في كل منظمة من المنظمات الإرهابية التي تعد بالمئات التي تقاتل في سورية و العراق هم من أعتى الإرهابيين العالميين الذين وصلوا إلى المنطقة و هم على درجة كبيرة من التدريب ووجود عشرات المنظمات الإرهابية من الشيشان و تركستان و دول آسيا الوسطى و المغرب العربي و تركيا و الخليج وخاصة السعودية جميعهم يحملون فكر القاعدة مع تعدد الأسماءو وجود هؤلاء يشير إلى أن خطة أمريكا و الغرب في الحرب الإرهابية ضد الإنسانية ما زالت في منتصف الطريق ووجود هذا العدد الكبير من الإرهابيين الدوليين الذين يتحركون بسهولة عبر شركات طيران دول محددة و بتسهيلات و دعم لوجستي دولي و غربي يشير إلى أن مسألة الشرق الأوسط الجديد ما زالت في رأس اهتمام السياسة الأمريكية و إن الفوضى " الخلاقة " ما زالت الأداة الناجحة التي يمكن أن تتمدد باتجاه الشرق و الشمال و صولاً إلى الصين و روسيا .
كل ما فعلته أمريكا و دول الغرب حتى الآن أنها نجحت بتغيير أسماء منظماتها الإرهابية العاملة في سورية فبعد أن كانت " الجيش الحر " الذي قطع الرؤوس و أكل الأكباد و اختطف المدنيين و عذبهم أصبح الاسم الجبهة الإسلامية ثم جند الإسلام و كتائب الفاروق و جند الشام و داعش و النصرة و جيش الفتح و عشرات التسميات التي توحي بإسلامية هذه المنظمات و هذا ما يخدم سياسة أمريكا في تعزيز الخوف من الإسلام " الاسلاموفوبيا " .
الإرهابي هو مجرد إرهابي سواء اعتبرته أمريكا " معارضة " أو " معارضة مسلحة" أو معارضة معتدلة" او "داعش "أو" النصرة" و لا فرق بين المعارضة" المعتدلة" التي تقصف حلب و دمشق و القرى السورية و بين داعش كلهم سفكو دماء الأبرياء بمعونة أمريكية أوربية و عربية و كلهم حصلوا على إحدى منتجات السلاح الأمريكي و الغربي و الإسرائيلي و إذا كانت داعش و النصرة قطعت الرؤوس و حرقت الضحايا أحياء فإن مشهد آكل الأكباد التابع للمعارضة المعتدلة ما زال في ذاكرة جميع السوريين والقتل والحرق والتمثيل بالجثث الذي مارسته جميع التنظيمات هو القاسم المشترك بينها و ليس أي شعار للحرية و الديمقراطية و من المؤكد القاسم المشترك هذا سيكون وسيلة من وسائل المجموعة المسلحة الأمريكية الجديدة التي يتم إعدادها للحرب في سورية . * صحفي سوري
butros3s@gmail.com