2025-06-16 08:39 م

روسيا و سوريا بصوت عال: كفى لعبا بمصائر البشرية !

2015-10-14
بقلم: حاتم الشلغمي
"العالم يتغيّر" .. هكذا كان عنوان مقدمة كلمة الرئيس فلاديمير بوتين ضمن أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة منتقدا تقصيرها في التعامل مع ملفات العالم منذ انتهاء الحرب الباردة مقرّرا شنّ هجوم دفاعي مؤكّدا على ضرورة لجم الاندفاعة الأمريكية بعد انكشاف إستراتيجيتها في الشرق الأوسط بخاصة و العالم بعامة نحو فرض قرارها بأشكال التدخّل في شؤون البلدان السياسية , الاقتصادية و الاجتماعية عبر تحطيم مؤِسسات الدول و تهشيم مقدّراتها و تفتيت خرائطها و تذرير نسيجها المجتمعي خصوصا مع تصعيد وتيرة الحرب على الدولة الوطنية السورية و اتساع الرقعة الجغرافية لقوى الإرهاب الداعشي و النصروي المدعوم تركيا و سعوديا و فرنسيا وإسرائيليا, في كل من سوريا و العراق و أمام توافر أعداد هائلة من الصينيين و الروس في صفوف هذه التنظيمات علاوة على تطور الأحداث في أوكرانيا و التي تعامل الغرب في ملفها مع روسيا "بشكل مهين" كما وصف الأمين العام لحزب الله في لقائه على قناة المنار. مما يفتح المجال واسعا أما تساِؤل جدّي: هل باتت روسيا حقيقة ضمن قائمة الدول التي يراد كسرها ؟ انطلاقا من هذا السؤال و أمام تكاثر الحديث و الصخب حول الوجود الروسي في سورية و "الاندفاع" الحربي الروسي على الأرض السورية يمكننا تقسيم مقالنا إلى عدة وحدات عبر طرح عديد الأسئلة : ما هي رهانات روسيا في سوريا ؟ أي أفق للدخول الروسي على خط المواجهة السورية ؟ و ما هي أهداف روسيا في العالم ؟ أو بالأحرى كيف تنظر روسيا إلى السياسة الدولية ؟ روسيا بوتين و سوريا الأسد: غير مستغرب أن يوجد قائدان من طراز الرئيس فلاديمير بوتين نتاج تاريخ مجد المرحلة السوفييتية و من عمق المؤسسة الاستخباراتية الحربية الروسية و الرئيس الدكتور بشّار الأسد نتاج الجمهورية العربية السورية بتاريخها الحافل بمقومات الهوية عبر خطاب الحق التاريخي و ابن مؤسسة وطنية عقائدية أضحت رمزا للصمود و العطاء "الجيش العربي السوري" , أن يتقاسما النظرة ذاتها إلى سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة التي تنظر إلى "قريتنا الكونية الصغيرة" بعيون صهيونية و تخوض حروب الداخل و الخارج السياسية و العسكرية و الاقتصادية وفق حسابات الكيان الإسرائيلي و من منطلق مفهوم "أمن إسرائيل الاستراتيجي". قد مثّل اللقاء التاريخي الذي كان قد وقع بين القائدين في الكرملين منذ عقد من الزمن استدارة تاريخية إستراتيجية عبر إعلان موسكو , و الذي يرسم للخط الروسي السوري ملامح سياسية جديدة قوامها لجم الاندفاعة الأميركية و طموحاتها الصهيونية الإقليمية و الدولية التي استثمرت وقائع المنطقة فساعدت على تهيئة مناخ مساعد على نموّ و نشر الإرهاب في مناطق عدة من العالم تحيط استراتيجيا بـ"إسرائيل" المخوّل لها أن تكون "القوة الوحيدة المهيمنة على المنطقة و مقدّراتها الإستراتيجية". و تتجلّى مفاعيل إعلان موسكو طوال زمن أزمة "النظام العولمي" في سورية منذ قرابة خمس سنوات, حيث قامت الدولة الروسية بقيادتها البوتينية يدعم الحكومة و القيادة و الشعب السوري سياسيا عبر مجلس الأمن و عسكريا عبر تنفيذ العقود المبرمة بين البلدين و اقتصاديا عبر آليات عدّة لتعزيز صمود الدولة الوطنية في مواجهة حرب كونية وحشية استكلابية تستهدف سوريا الجغرافيا و الدولة و الموقع الجيوسياسي الرافض للسياسات الأميركية و الواقف عقبة كأداء في وجه المشاريع الاخضاعية الصهيونية. بل تطوّر هذا الدعم حين حاولت الإدارة الأميركية إشعال حرب إقليمية , عبر التهديد بشنّ عدوان عسكري على سورية في شهر أوت 2013, فأجهضته روسيا بحنكتها السياسية و الديبلوماسية من جهة و حسمها العسكري عبر حادثة إسقاط الصاروخين البالستيين الأمريكيين و تشغيل أجهزة الاستعلامات المركزية و وضعها في خدمة الدفاعات السورية و وضع سوريا تحت المظلة النووية الإستراتيجية الروسية ., وصولا الى التصعيد الأخير في وتيرة المواجهة و الذي استدعى لأن تقوم روسيا بدورها الشرعي في مساعدة الدولة الوطنية السورية و الحكومة العراقية في مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية المختلفة المتعاظم أمام تزايد أعداد العناصر الإرهابية المتوافدة على الجغرافيا السورية و العراقية. رهان روسيا في سوريا : هل هي حرب استباقية أم تنفيذ لقاعدة الدفاع المشترك ؟ تصاعدت وتيرة التصريحات الروسية منذ فترة سواء على مستوى الخارجية الروسية أو الدفاع أو مستوى الرئاسة حول التحذير من خطورة الوضع في الشرق الأوسط أمام تزايد أعداد الإرهابيين و تعاظم قدراتهم التسليحية من جهة و حول عدم جدية التحالف الذي شكّلته الولايات المتحدة و الذي لا يمتلك شرعية سياسية و لا قانونية على الأقل على مستوى الدولة السورية.. بدليل توسّع الرقعة الجغرافية لتنظيم "داعش" أمام ناظري قيادة هذا التحالف الذي "نسمع عن عدد غاراته و لا نصل إلى نتائجها" كما عبّر السيد وليد المعلّم في كلمته بالأمم المتحدة ممّا يؤكّد التطابق في النظرة و القراءة بين القيادتين الروسية و السورية. ثم أمام التطورات الراهنة التي وقعت بالجغرافيا السورية و أمام ما تمتلكه الإدارة الروسية من معلومات حول مخطّط تدريب و إرسال دفعات من المقالتلين كانت مهيأة لبدء تحرّك يستهدف العاصمة دمشق , قلب العروبة النابض , وبدء هجوم تحت غطاء ناري ضمن عناوين أخرى. و هذا ما يفسّر ما وقع في جسر الشغور و ادلب كتمهيد لما كان مخطّطا أن يحصل في السويداء كمقدمة تستهدف دمشق. و هذا ما يفسّر أيضا تراجع القوات السورية عن نقاط محدّدة بهدف إعادة التجمّع و المحافظة على نقاط اشتباك محدّة تزامنا مع حرب تأمين محيط دمشق غربا و جنوبا و شمالا. هكذا أيقنت الإدارة الروسية , التي انتهجت الحنكة نهجا و الصبر الاستراتيجي آلية في تعاطيها مع حمق و وحشية الغرب المتطاوس بحضارة و ديمقراطية و شرف مزعوم , أن الوضع في المنطقة السورية و العراقية لم يعد يحتاج إلى نسق عادي من خلال مجرّد الدعم اللوجستي. فالمستثمرون لإرهاب داعش على حساب الخرائط هم أنفسهم المستهدفون لكلّ نقطة للمجال الاستراتيجي الروسي و هم أنفسهم المتفرّدون بالإدارة السياسية في العالم و العابثون بالقوانين و المواثيق الدولية التي جعلت من مؤسسة الأمم المتحدة و مجلس الأمن مجرّد أدوات لتحقيق أهداف هؤلاء. لذلك يمكننا القول أن الدخول الروسي على خط المواجهة السورية حرب استباقية لسببين هما: غلق أي باب في وجه أي نيّة تطال الدولة السورية , عاصمتها و مؤسّساتها السياسية و العسكرية و دحر التمدّد الداعشي و بقية التنظيمات الإرهابية الأخرى التي تتضمّن مواطنين روس أو من المنتمين الى بلدان ضمن مجال الاتحاد الروسي الذين اذا اكتسبوا خبرات قتالية و فائض عنف قد يشكّلون تهديدا جدّيا على الأمن القومي الاستراتيجي لروسيا. أفق الدخول الروسي على خط المواجهة : بعد أولى غاراتها على مواقع الإرهابيين في حمص و ادلب و غيرها , بعد استجابتها لمطلب رسمي سوري بالتنسيق العسكري لمواجهة الإرهاب, بدأ نوع من الهستيريا الإعلامية ( العربية خصوصا ) و نوع من إبداء "مخاوف" من بعض السياسيين الإقليميين و الدوليين من "خطورة التعامل الروسي" – بحسب زعمهم – و الذي لم يقتصر على داعش بل على "المعارضة المعتدلة" , التي ينفق عليها مليارات الدولارات. بعد ما أعلن هؤلاء عن "رضا مبدئي" لوجود شريك جدّي في محاربة داعش.. لكن سرعان ما تبدّلت المواقف بشكل سريع ليصف الرئيس الأمريكي العملية الروسية ب "الحماقة و السقوط في مستنقع سوريا" نتيجة تمسّك روسيا بدعم الرئيس الأسد علاوة على ما صرّح به كيري حول رفض "السنّة" في المنطقة للتدخل الروسي. طبعا كان قد أجاب الرئيس فلاديمير بوتين على كل ذلك الصخب الإعلامي مصنّفا كل التصريحات و الادعاءات على كونها "حربا إعلامية" مصرّا على أن روسيا ستستكمل نهجها بحسب الخطّة المرسومة و هذا ما يجعلنا نقسّم أفق هذا الدخول الروسي , بصفته مسارا جدّيا وحيدا ممكنا لخروج المنطقة , و خصوصا سورية من واقع المأساة , الى أربعة أقسام: - الأول و هو ما قامت به الطائرات الروسية , بحيث قامت بقصف أماكن تواجد قيادات أمنية و عسكرية تابعة لتنظيمات مصنّفة إرهابية بحسب الأمم المتحدة , علاوة على مراكز ذخيرة و سلاح , كانت قد أكدت الأركان الروسية تقويض بنيتها التقنية و المادية. - الثاني ما سيحصل , و في هذا القسم تحدّث الكثيرون بالإعلام عن أهداف روسية و إن بالغوا في لحظات ما , و لكننا نعتقد أن ما سيحصل بالعموم هو أن يتم التنسيق التام بين الجيش العربي السوري و الروسي على أن يشكّل الطيران الروسي غطاء ناريا أوسع للقوات البرية الروسية مما سيساعد على أن يكون التقدم الميداني أكثر مرونة و هذا لا يشمل تنظيم الدولة فقط بل كلّ هدف للجيش العربي السوري و خصوصا في المناطق الحدودية الشمالية و الجنوبية , و لذلك التقى الرئيس بوتين كل من اردوغان و ناتنياهو تباعا محذّرا من أي نية للاشتباك , على أن يكون شكل التنسيق شرعيا و قانونيا بأبعاده السورية و الروسية و على مستوى الأمم المتحدة. و من هنا يمكننا القول أن ما سيحصل هو دحر داعش كدور وظيفي يهدف الى تقسيم سورية و من ثم الاتفاق على دحر داعش كتنظيم - الثالث ما يمكن أن يحصل , تحسّبا لأي تطوّر مفاجئ قد يحصل سواء تنفيذ لخطة الهجوم على مركز الدولة السورية أو القيام بردّة فعل ما على التواجد الروسي تحت أسماء أخرى يمكن لروسيا أن تقيم منظومة دفاع جوّي متطوّر ( يقول مراقبون روس عبر مجلة غلوبال ريسرش أن منظومة اس-300 موجودة في مواقع سورية محدّدة منذ فترة ) و ذلك لحماية المنشآت الحيوية السورية و الروسية على حد السواء و هذا ما سيجعل حركة الطيران الإسرائيلي محدودة جدا ( أو كما وصفها ناتنياهو بالحذرة ) , و منعا لأي تغيير لقواعد الاشتباك قد يصل الروس الى مستوى التنسيق التام مع حزب الله إلى جانب الجيش العربي السوري و هذا ما تداوله الإعلام الصهيوني مؤخرا لأنه بحسب خبراء عسكريون روس : لا يمكن لغطاء جوي مهما كان نوع الطائرات أن يغيّر الموازين إلا إذا كانت وتيرة التنسيق مع القسم البرّي عالية. - الرابع ما لن يحصل , و نجيب في هذا القسم على كلّ ذلك الصخب في الإعلام حول استقدام الجيش الروسي لجنوده و آلياته إلى سورية, و هذا ما لن يكون ( الا اذا دعت الضرورة القصوى . فسيناريو أفغانستان لا يزال بالوجدان العسكري لورثة الجيش الأحمر ), لا وجود لآليات روسية بطواقمها على خطوط التماس , باستثناء ما يخص اتفاقيات التسليح السوري و ما يخص فرق الصيانة و الذخيرة التي تحتاجها الطائرات الروسية في عملياتها. لا حضر جوي على من ينسّق مع السوريين , و أي حديث عن غلق روسيا للمجال الجوي السوري لا صحّة و لا معنى له. اذا بشكل عام , أهداف التواجد الروسي هو حماية استمرارية الدولة الرسمية الشرعية السورية بقائدها بشار الأسد و جيشها العربي السوري , من أي خطط تنوي إسقاط المنطقة في أيدي الجماعات الإرهابية المتعدّدة و المختلفة الأسماء و الأشكال. تحديد حدود جغرافية معينة لـ"تنظيم الدولة" بهدف تشكيل مسار سياسي توافقي على ضرورة التنسيق الجماعي لتخليص المنطقة من هذا "المارد" ثم تأمين فعالية و دور التواجد الروسي في منطقة الشرق الأوسط كشكل من أشكال تحقيق التوازن. خلاصة القول روسيا تقود العالم إلى الابتعاد عن لغة التصابي و التسليم بمنطق التعقّل في التعاطي مع الملفات بشكل لا يسمح أبدا لإسقاط مفاهيم الدول و القانون و المؤسسات حتى و ان كانت القيادات "لا تروق للبعض" فما بالك بدول تنتهج نهجا مستقلا و هذا حقّ منطقي يجب استيعابه. خاتمة مؤقتة : تعدّدية قطبية تحتكم للقانون و المؤسسات واقع لا رجعة عنه. هكذا هي روسيا بقائد استثنائي من طراز فلاديمير بوتين حريص على استعادة مكانة روسيا و ترسيخ دورها كقطب حقيقي فاعل في ادارة السياسة الدولية لا يمكن تجاوزه أو الاستهانة به بأي حال من الأحوال. و هذه سورية بقائدها الصامد الواثق بشّار الأسد بنهجه السياسي الاستراتيجي الوطني الذي انتهجته الجمهورية العربية السورية منذ سنة 1970 القائم على السيادة و الكرامة و الاستقلال الحقيقي عبر تلاحم القيادة و الجيش و الشعب في مواجهة المشاريع الاستعمارية , التدميرية و التقسيمية. هذان القيادتان , مع من تحالف معهما , يعيدون صياغة المنطقة بعد أن أنهكتها ألاعيب المستخفّين بمصير كوكبنا انه حراك دولي تقوده موسكو تأسس على الصمود السوري الأسطوري الاعجازي في وجه المشروع الصهيو-أمريكي الاستعماري يضع حدّا للتلاعب بالمنطقة جراء جشع و وحشية الإدارات الصهيونية و شركاتها الاحتكارية. هكذا غيّرت الجمهورية العربية السورية وجه العالم , حيث فرضت بصمودها شجاعة لدى حلفائها الحقيقيّين لتكريس تعدّدية قطبية مفروضة على السياسة الدولية كواقع لا تراجع عنه , مهما كلّف الأمر و مهما اتسعت الخيارات. أن ما يجمع بين روسيا الأرثودوكسية و الصين بدينها الشعبي و إيران الإسلامية و سورية القومية العلمانية , ليست مجرّد "مصالح" , على أهميتها و وجوبيتها و مشروعية وجودها. بل هدف وحيد مشترك , انتهاء زمن اللعب بمصائر البشرية, و هذا لا يتحقّق إلا بدعم النهج المستقلّ للدول و دعم مؤسّساتها الشرعية و فتح آفاق للأمل أمام الشعوب للتقدّم المجتمعي و التقني بعد أن أغلقت السياسات الامبريالية الأبواب أمام مفهوم الحياة. و من هذا المنطلق يكون هدف روسيا و سوريا المشترك عبرالأمم المتحدة و مجلس الأمن كمؤسّستين شرعيّتين مرجعيّتين لتفعيل القانون الدولي الذي عبث به العابثون و تحقيق الأمن و السلام الدولي الذي قوّضته السياسات الصهيونية منذ تفرّد الولايات المتحدة بتشكيل القرار الدولي خدمة لمصالح ضيّقة. هكذا قد تغيّر العالم ...

الملفات