2025-06-16 12:22 م

كيف هزمنا المستحيل؟

2015-10-21
بقلم: سمير الفزاع
إحتل تحالف واشنطن-تركيا-الرجعية العربية محافظة ادلب، وبات يُطل على سهل الغاب والساحل السوري، وجاهز لإعلان معركة عزل حلب بالمطلق. داعش احتلت تدمر وامتدت حتى بلدة القريتين، واصبحت على مقربة من طريق دمشق الساحل وسلسلة القلمون. موجات لا تتوقف من "عواصف الحزم" تضرب درعا، ومحاولات متكررة لعزل السويداء عسكريا تارة، وبإثارة الفتنة تارة أخرى. الكيان الصهيوني يمهد بالنار لجداره الطيب التمدد والقضم التدريجي حتى اصبح على مشارف مدينة البعث. امريكا، فرنسا، محميات الخليج... يتدللون ويتلونون بالتصريحات، لكن العنوان الاساسي لا بقاء للاسد ولا حل الا بهيئة انتقالية تتيح لمرتزقتهم الامساك بسورية. دعم متواصل وغير محدود لمعركة الجماعات الارهابية القادمة، تندلع شرارتها في الفوعه وكفريا بمجزرة مروعة -قد يستخدم فيها اسلحة كيمائية- لتنتج موجات نزوح كبرى هيأ لها اردوغان والغرب بتشريع الابواب... إنه "الإنهيار" الذي كان ينتظره أعداء سورية. تعتمد الجيوش في إنتشارها على قاعدة عسكرية تقول بإنتشار جزء من الجيش في ميادين المعارك، والجزء الثاني بين مستعد لدخول المعركة أو مستريح، إلا أن كثير من الجيوش تستخدم نظرية الأثلاث في الإنتشار العسكري، ثلث يقاتل وثلث مستعد والأخير في "راحة". في الحالة السورية، لم يكن متاحاً أبداً إستخدم كامل القوة العسكرية في المعركة، فإلى جانب خطر أدوات الغزو الإرهابي، هناك الخطر الصهيوني الذي حافظ على تذكير القيادة السورية بهذا الخطر من خلال غاراته المتكررة... والخطر التركي المنغمس حتى أذنيه في غزو سورية... إلى جانب خطر مناورات الأسد المتأهب في الأردن... . هذه العوامل وغيرها أدخلت جزء كبير من قدرة الجيش العربي السوري حالة من "العطالة" في حربه مع أعداء الداخل، وهو ما أنعكس خسائر وإنسحابات في عدد من المناطق بفعل طول الحرب من جهة، والتدفق المستمر للإرهابيين من جهة ثانية، وإلتزام الكثير من السوريين مواقف إنتهازية تارة وجبانة تارة ثانية... أصبحت القيادة السورية تواجه جملة من التحديات دفعة واحدة: وقف إستنزاف العنصر البشري، تعويض نقص العنصر البشري، حلّ معضلة العطالة لجزء حاسم من القدرات السورية،المظلة الجوية لإستعادة المبادرة على المستوى الكلي للميدان... . تدخل حزب الله –الحليف الصادق والوفي- منتصف العام 2013 للمساهمة في حلّ هذه التحديات، لكن حزب الله –مرحليّاً- يمكن أن يساهم في تعويض النقص البشري لا أكثر... في النهاية هو يتعرض لضغوط كبيرة جداً في لبنان: الإرهابيون، أمن جزء كبير الحدود السورية-اللبنانية، خطر العدو الصهيوني... ما العمل؟. عمدت القيادة السورية إلى تنفيذ جملة من الإجراءات لا يجرؤ على القيام بها إلا الرجال الكبار والقادة العظام بالرغم من عدم شعبيتها وتفهمها، صارح الرئيس بشار حافظ الأسد بخلفيات وأسباب إعادة التموضع والإنتشار التي نفذها الجيش العربي السوري في عدة مواقع، مصلحة الوطن هي العليا وسلامة جيشه على المحك: الدفاع عن المدن والبلدات بأقصى الإمكانيات لكن ممنوع الإنتحار، سورية ليست الإتحاد السوفيتي ولا جيشها الجيش الأحمر. تنفيذ إعادة إنتشار من المواقع التي بات الدفاع عنها مستحيلاً أو أصبحت قناة لإستنزاف الجيش. تأمين وتحصين مراكز إعادة التجميع لتكون الخطوط الأمامية، ونقطة الإرتكاز في أي هجوم قادم. توفير مستلزمات الهجوم المعاكس، بشرياً، تدريباً، إعادة هيكلة، تسليحاً... . بصمت وصبر، بدأ وأركان إدارته السياسية-العسكرية-الأمنية العمل لإحداث التحول الجذري في المشهد. طار "المعلم" نهاية العام 2014، وألتقى بوتين في سوتشي لمرتين، إحداهما ضمت الرجلين فقط، ومددت زيارة الوفد لأربع وعشرين ساعة إضافية. وضعت رؤية سورية للمسار المتدحرج والتصعيدي للحرب، وقائمة احتياجاتها على الطاولة. سورية كانت تفكر بطلب التعجيل بتنفيذ صفقة صواريخ S-300، كي توفر المظلة الجوية لعملياتها، وربما لحربها القادمة حتماً بحكم مجريات الأحداث مع الكيان الصهيوني وتركيا... لكن موسكو قدمت ما هو أكثر، نحن جاهزون للقتال إلى جانبكم. بدأ الوفد العسكري بوضع سيناريوهات التدخل، كيف وأين ومتى؟ حجم القوات، التسليح، التحديات المحتملة... . شرع الجيش العربي السوري بتنفيذ عمليات إعادة التموضع، وإعادة تأهيل وتدريب لعشرات ألآف المقاتلين في الجيش والتشكيلات السورية الرديفة في عدة مواقع. قلّة قليلة كانت تعرف الغاية من هذه التدريبات، وقبل شهر ونصف تقريباً من موعد بدء العمليات يطير وفد عسكري سوري رفيع المستوى مكون من ثلاثة ضباط، ويمكثون في موسكو عدة أيام لوضع اللمسات الأخيرة على ساعة الصفر. 1/9، تسيّر موسكو أكبر جسر جوي-بحري (حتى أيام قليلة مضت كونه ما زال مستمراً) منذ حرب تشرين 1973 خارج حدود الإتحاد السوفيتي السابق، مستخدماً أبسط طرق التمويه والتخفي وأعقدها في آن، ناقلاً أحدث الأسلحة والمعدات الروسية للسواحل والمطارات السورية... بالتزامن مع مشارفت تلك الوحدات المختارة على إنهاء تدريباتها على "هضم" الأسلحة الجديدة وتكتيكات الحرب اللامتماثلة، وإدارة الحروب العالية التقنية التي توائم بين الدبابة والطائرة والمقاتل بإستخدام المعلومات اللحظية التي تقدمها الأقمار الإصطناعية والطائرات بدون طيار... . إكتملت متطلبات الهجوم المعاكس الشامل والكاسح، معلومات إستخبارية تفصيلية عن مواقع العدو وخطوط إمداده ومخازن الذخيرة وغرف القيادة والسيطرة... قوة جوية ضاربة، غطاء سياسي معتبر من عدد من الدول وفي مقدمتها دولة نووية مقتدرة، القرار السياسي... لكن أين القوة الضاربة التي ستقوم بهذا الهجوم الشامل، دون الإضرار بالتوازن القائم على الجبهات؟. بعد توفر الغطاء السياسي-العسكري الروسي الذي كبت أي مغامرة عدوانية، صار "ممكناً" تطبيق نظرية الأثلاث في الحشد العسكري.هنا بُدء بتجميع ونشر القوات التي تمّ تدريبها على مواقعها الجديدة، وأعلن عن تشكيل الفوج الرابع-إقتحام بالتزامن مع إنطلاق الغارات الجوية الروسية. بدأ الهجوم على عدة محاور في ريف حماه، ليتطور بشكل سريع جداً حتى بات شاملاً، حيث أعلن مصدر عسكري: أن مساحة الجبهة التي كانت مسرحاً لعمليات الجيش العربي السوري يوم الجمعة 16/10، تعادل 20% من المساحة الإجمالية القابلة للحياة في البلاد. وهي سابقة ميدانية منذ اندلاع الحرب على سورية، أن يشن الجيش هجوماً موحداً بذات اللحظة وبذات التأثير الناري على مساحة بهذا الحجم مدعوماً بغطاء جوي من المقاتلات الروسية... شملت ساحة العمليات: ريف درعا، ريف القنيطرة، ريف دمشق، ريف حمص، ريف حماه، ريف اللاذقية، وريف حلب الجنوبي الشرقي... إنه الهجوم الشامل الذي ينتج إنهيار كامل لعالم قديم، عنوانه إعادة إخضاع المنطقة عبر الفوضى الخلاقة لبناء شرق أوسط جديد. * تسويات أم نصر؟: يرتبط هذا السؤال بسؤال آخر أكثر عمقاً وخطورة: هل سنكون أمام تسويات يحدد ملامحها توازن القوى في العالم قديم، أم نحن أما نصر أفرزته توازنات وموازين القوى في عالم جديد؟. كما كانت هزيمت النازية في معركتي العلمين وستالينغراد المقدمة الحقيقية لسقوطها وبزوغ النظام الثنائي القطبية، الإتحاد السوفيتي-أمريكا... كانت هزيمة موسكو في أفغانستان صافرة البداية لإنهيار الإتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، وبزوغ النظام أحادي القطبية. صار مؤكداً بأن هزيمة واشنطن في سورية ستكون سبباً في بزوغ نظام عالمي جديد، تُخلي فيه الأحادية القطبية موقعها لصالح نموذج جديد من العلاقات والتوازنات الدولية. إنها معركة القرن والتحول الدولي، لهذا قال الرئيس بشار حافظ الأسد لقناة "خبر" الإيرانية 4/10/2015: "إن الجهود السورية الروسية الإيرانية العراقية المشتركة، يجب أن يكتب لها النجاح في مكافحة الإرهاب وإلا فنحن أمام تدمير منطقة بأكملها". ولهذا نعى بمرارة بالغة وظاهرة هنري كيسنجر بمقالته في وول ستريت جورنال/16/10/2015، "الشرق الأوسط" الذي حاول "إرسائه" منذ حرب تشرين 1973، على قاعدة: لا حرب بدون مصر ولا سلام دون سورية. عندما قال: "التدخل الروسي الاحادي في سورية هو المظهر الاخير في تفكك الدور الاميركي في استقرار النظام الشرق اوسطي الذي انبثق بعد الحرب العربية "الاسرائيلية" العام 1973".

الملفات