بقلم: بطرس الشيني*
عنونت "سكاي نيوز عربية " في نشرة أخبارها ليل يوم السبت 18/10/2015 "مقتل خمسة فلسطينيين بعد محاولتهم طعن إسرائيليين وأفاد مراسلها في فلسطين بموجز إخباري عن "الأحداث" يشبه بيان وزارة الحرب الإسرائيلية أكثر من أي شيء آخر من فنون "الصحافة"
وتحدثت محطة "يورو نيوز " الأوروبية عن "مقتل الفلسطينيين" بالمفرد وليس الجميع وذكرت في كل مرة بتأكيد مبالغ فيه ان كل واحد من "القتلى" الفلسطينيين كان يحاول طعن يهودي أو جندي بما فيهم فتاة قتلت بسلاح جندية إسرائيلية ورغم أنها لم تذكر المصدر الحيادي" الذي يؤكد ما ذهبت إليه المحطة من تبرير إعلامي للقتل فإن خبرها تكرر على مدار ساعات اليوم ورددت عشرات المرات في أخبارها الصيغة التبريرية للقتل حتى تلك التي قام بها مستوطن متطرف بقتل شاب فلسطيني بحضور عدة جنود اسرائيليين وحتى يوم السبت كان جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل /40/ فلسطينيا ً وفلسطينية وجرح ما يزيد عن 1500 آخرين جميعهم من المدنيين ومعظمهم من الأطفال والفتيان تحت سن /17/ سنة ومع ذلك لن يستطيع المشاهد سماع تعبير "مدني فلسطيني" في أي نشرة أخبار ليورد نيوز وشقيقاتها الأوروبيات بل مجرد تعبير "فلسطيني" أو ناشط فلسطيني" والفلسطيني كما هو معروف في الإعلام الغربي الموالي لإسرائيل هو ذلك "الملثم" الذي يعتدي " دوما ًعلى"المدنيين الإسرائيليين"
فرانس 24 اختصرت عدد "القتلى" إلى ثلاثة ولكنها أكدت أنهم قتلوا فيما كانوا يحاولون طعن يهود.
الحرة كانت أكثر "نزاهة" إذ قالت " مقتل 4 فلسطينيين في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي وهي كما جميع المحطات الأوروبية لم تتحدث عن عشرات الجرحى المدنيين الفلسطينيين الذين سقطوا برصاص الجيش الإسرائيلي والمستوطنين
البي بي سي الأكثر خبرة واحترافية في دس السم في الدسم قالت:
"اشتباكات بين شبان فلسطين وقوات الأمن الإسرائيلية وقتلى في حوادث طعن وهنا على المشاهد "الذكي" أن يستنتج "من قتل من " ولماذا تتواجد مجموعات المستوطنين المتطرفين دوما ً إلى جانب الجيش الإسرائيلي أو ما تسميه المحطة "قوات الأمن" أثناء قتل الفلسطينيين المسلحين "بالحجارة " ..
الانحياز وطريقة تغطية الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين في الفضائيات الغربية والتعابير والمصطلحات "الإسرائيلية"المستخدمة في الأخبار ليست جديدة فتلك المحطات لم تكن نزيهة أو حيادية في يوم من الأيام تجاه الفلسطينيين أو السوريين أو اللبنانيين بل بقيت دوما ً منحازة للإحتلال الإسرائيلي وبالمقابل كانت منحازة مع العدوان العربي على اليمن وكان موقفها مخزيا ً فيما يتعلق بقتل وجرح عشرات آلاف المدنيين اليمنيين خلال ستة أشهر من الحرب السعودية على اليمن . وكانت منحازة بقوة لقمع ثورة البحرين ولكنها كانت منحازة بتضامن عضوي مع العصابات التي فتتت ليبيا والعنوان المثير للسخرية كان "بهدف تحقيق الديمقراطية في ذلك البلد الذي عانى من ديكتاتورية القذافي "
وهذه المحطات التي "تدعي" الحيادية والمصداقية شكلت خلال أربع سنوات المنبر المجاني الواسع الانتشار لعشرات المنظمات الإرهابية وتلك التابعة للقاعدة في سورية والعراق وعبر هذه المحطات تم تحريض وتجنيد آلاف الأوروبيين والعرب للانضمام لمنظمات مصنفة إرهابية على المستوى الدولي .
في الحروب والنزاعات والهجمات الإرهابية تبقى دماء البشر رخيصة ويتم تجاهل معاناة المدنيين تماما ً في حال تم تصنيف هؤلاء على أنهم من "المعسكر" المناوىء لأمريكا أو إسرائيل أو تركيا أو دول الخليج النفطية . دماء السوريين في دمشق وحمص وحلب ومئات القرى الواقعة تحت سلطة الدولة رخيصة في الإعلام الغربي والعربي على حد سواء ومن النادر الإشارة للتفجيرات الإرهابية والقصف اليومي والضحايا الذين سقطوا لأن هؤلاء يحسبون على "النظام" وفق أخلاقيات الغرب "الإنساني"
دماء الفلسطينيين رخيصة جدا ً وبشكل "مزمن" بما أن القاتل هو " الديمقراطية الإسرائيلية الوحيدة في الشرق "
دماء الأكراد في تركيا رخيصة هي الأخرى في دولة عضو في حلف الناتو تملك الكثير من السلاح والمبررات للقتل فهي الأخرى "ديمقراطية" وحليفه للغرب وأمريكا وشريكة في كل حروبهم .
ودماء العراقيين الذين تجاوز عدد ضحاياهم في ظل الحصار الغربي والاحتلال الأمريكي البريطاني مليونا ً ونصف المليون مدني كانت ومازالت رخيصة إلى أن تتحقق أمنية ساسة أمريكا بتفتيت هذا البلد النفطي خاصة بعد " نجاح"الجهود والخطط الأمريكية الفرنسية البريطانية في "إعادة" ليبيا إلى "الديمقراطية" بجهود عصابات صديقة للغرب قتلت من سكان ليبيا في ثلاث سنوات أكبر مما لحق بهذا البلد منذ الف عام"ربع مليون قتيل وجريح" ولكنهم حصلوا على تهنئة أوباما وساركوزي ب"الديمقراطية " .
- دماء فقراء اليمن تهدر بلا حساب من أجل "إعادة الشرعية" على يد حكام ودول لا تملك دساتير ولا شرعية ولكنها صديقة للعم سام .
- وسواء كان القاتل "ديمقراطيا " كما في حال إسرائيل وتركيا أو يحكم بأسلوب البدائية أو العصورالوسطى بأفضل الأحوال فيكفي أن يكون صديقا ً وفيا ً لأمريكا أو أداة لها ليقتل من يريد في أي وقت يختاره .
- تمثل وسائل الإعلام الغربية الناطقة بالعربية اخطر وسيلة للحرب الإعلامية وطمس الحقائق وخدمة سياسة دولها ومع ذلك تعتبر أفضل بما لا يقاس بالمقارنة مع معظم الإعلام العربي "المدجن" الذي تنحصر مهمته الرئيسية بالإشادة بهذا الملك أو ذاك الرئيس .
يوم السبت الذي سقط فيه خمس ضحايا من المدنيين الفلسطينيين شهدت العاصمة البريطانية مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ومنددة بجرائم الاحتلال وتم تجاهلها بشكل شبه تام من قبل
التحالف الإعلامي الغربي العربي ولولا محطة مثل /ار تي / الروسية لبقي الخبر مجهولا ً حاله حال الخبر المتعلق بالموقف الروسي بمجلس الأمن حول الأحداث في فلسطين والذي حملت فيه روسيا حكومة إسرائيل مسؤولية الأحداث والضحايا .
وقد تجاهلت معظم المحطات العربية وبدرجة أقل المحطات الغربية ذلك الموقف كونه يشكل نقطة إيجابية لصالح روسيا لدى المواطن العربي وهذا لا ينسجم مع توجهات ساسة معظم العرب ولاحربهم الإعلامية ضد روسيا غير أن ذلك لم يمنعهم بالمقابل من التركيز على التصريح الروسي الرسمي في نفس اليوم الذي قال إن روسيا تحارب في سورية من أجل مصالحها القومية وليس من أجل أحد وتحول هذا التصريح في المحطات العربية ومحطة فرانس 24 عبر التحوير وإعادة الصياغة إلى "أن روسيا تحارب من أجل مصالحها وليس من أجل الأسد " وهي طريقة في التحوير الإعلامي تلخص هدف ودور ذلك الإعلام ومدى عدم الصدقية وعدم التزام تلك المحطات بأخلاقيات الصحافة والأمانة في نقل الخبر.*صحفي سوري
butros3s@gmail.com