2025-06-15 11:04 م

واشنطن وموسكو .. مرحلة فلّ الحديد في سورية ؟!

2015-11-01
بقلم: الدكتور محمد بكر*
وصلت جيداً لواشنطن فحوى ومدلولات ورسائل زيارة الأسد إلى موسكو, إذ بات يشرع الروسي قدماً في صياغة الحل السياسي للأزمة السورية بحبر ٍ من حديد , وعلى هدير طائرات السوخوي تتكاثر الخطوات العملية يوماً بعد يوم لعبارة بوتين " الحمامة التي تمتلك جناحين من حديد " , أدلى سيد الكرملين بدلوه على الملأ وضمن مقام الرئاسة للأسد حتى موعد الانتخابات الجديدة , مطالباً بتأليف حكومة تضم أطراف الحوار تعين لجاناً تحضر بدورها لانتخابات برلمانية ورئاسية تمنح الحق " لمن يريد " للترشح لها , بل أكثر من ذلك سأل بوتين الأسد عما يمكن القبول به للوقوف بدقة على التفاصيل التي ستحكم العملية السياسية , في إشارة إلى أن أي صياغة روسية للحل السياسي لن تكون نافذة إلا بعد مصادقة الأسد , وهو ما سمي إسرائيلياً بالحصانة , تدرك واشنطن الأبعاد المتقدمة للحراك الروسي وطروحاته المرسومة وفق كيفيته ومعاييره ومحدداته , تتنامى الردود الأمريكية تباعاً فيحط بن علوي في دمشق ليسمع تفاصيل ودقائق وحيثيات وماهية ما كان قد شدد عليه بوتين أثناء لقائه الأسد لجهة استعداد الأخير للمساعدة في العمليتين العسكرية والسياسية , باريس تدعو إلى لقاء يبحث الأزمة السورية بغياب موسكو , تركيا بدورها تعلن عن نيتها تجميع " المعارضة " السورية في جبهة واحدة , فيما تستمر السعودية في تصدير سقفها العالي حول مصير الأسد , وتؤكد حضورها السياسي الفاعل في المشهد الحاصل , ومن القاهرة يتقاسم الجبير وشكري ذات الموقف من الأزمة السورية بحسب ما أعلن الوزيران , وكل ذلك بالطبع تكريساً وتطبيقاً لرؤية أوباما لتطورات المشهد السوري لجهة أن ما يحدث حرب استنزاف , وما كان قد أعلنه سابقاً منذ بداية التدخل العسكري الروسي بأن استراتيجية روسيا في سورية ستفشل , ربما يريد أوباما أن يقول هو الآخر أن واشنطن وحلفائها تمتلك شباكاًَ " حديدياً " لن تمر من خلاله " الحمامة " الروسية ذات الجناحين الحديديين . فما الذي يحدث دولياً بين رأسي اللعبة في الساحة السورية ؟ وهل يبقى الكباش الحاصل , فقط على مستوى الرسائل السياسية ؟ في ستينيات القرن المنصرم وتحديداً في العام 1962 خلال الحرب الباردة وفي أعقاب عدة محاولات فاشلة للولايات المتحدة ( عملية خليج الخنازير وعملية النمس ) لإسقاط النظام الثوري الكوبي الجديد الذي أطاح بباتيستا, بدأت حكومتا كوبا والاتحاد السوفييتي في بناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية في كوبا التي تتيح للأخيرة إمكانية ضرب أميركا , هذا العمل الذي جاء عقب نشر الولايات المتحدة لصواريخ جوبيتر في إيطاليا وتركيا بشكل يتيح لأميركا ضرب موسكو بعدة صواريخ نووية , واحتدمت المواجهة بين الطرفين فكرت على إثرها أميركا بغزو كوبا ومن ثم عملت على فرض حظر عليها , وانتهت الأزمة بتوقيع معاهدة ( كنيدي – خروتشوف ) التي تنص على سحب روسيا للصواريخ النووية من كوبا وسحب أميركا صواريخها من تركيا وعدم غزو كوبا , هذه المعاهدة التي كانت أحد أسباب الإطاحة بخروتشوف بعد سنتين, إذ اعتبرها الروس هزيمة سياسية لهم لأن عملية سحب الأميركان لصواريخهم من تركيا تمت بسرية, ولم يسلط عليها الضوء إعلامياً , لكن بالمقابل عدّ الجنرال الأميركي ليماي أحد أبرز القادة الميدانيين آنذاك المعاهدة بأنها أكبر هزيمة في التاريخ الأميركي وأبلغ الرئيس بذلك , بمعنى آخر وما نريد أن نقوله أنه خلال تلك الأزمة كان يدرك الطرفان الأميركي والروسي أبعاد المواجهة النووية بينهما وكارثيتها فيما لوحدثت , وكل ما حدث هو تصدير جملة من الرسائل النووية بين الطرفين على قاعدة " لا يفل الحديد إلا الحديد " أي ( لا يفل النووي إلا النووي ), من دون الصدام المادي بالطبع بينهما وذلك وصولاً للحلول التوافقية , بدليل أن تفويض الكرملين حينها لعيسى بلييف أحد الجنرالات القادة في تلك الفترة لجهة استخدام رؤوس حربية نووية تكتيكية لراجمات الصواريخ في حال شنت أميركا هجوماً على كوبا لم يُوقع عليه ولم يتم إرساله , هذا التفويض الذي تم إلغاؤه كلياً من قبل خروتشوف بعد خطاب كينيدي التلفزيوني , وهذا ما يحدث اليوم تماماً بين الجانبين في الساحة السورية اللذان أبرما اتفاقاً وتنسيقاً لعدم الصدام في الأجواء السورية , وكل الرسائل " الحديدية " الحاصلة هو للوصول لحل سياسي توافقي على قاعدة ( رابح – رابح ) ولاسيما بعد ما أسسه الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية من أرضية صلبة للتوافقات لا يمكن نسفها بهذه السهولة , هذا الاتفاق الذي تحدث عنه المسؤولون الإيرانيون غير مرة بأنه أوقف كرة النار في المنطقة, وأنهى العناوين الخطيرة, ومن هنا نقرأ ونفهم توقيت ومدلولات تصريح الخارجية الأميركية لجهة أنه في مرحلة ما ستكون إيران جزء من الحل والحوار في سورية . المؤكد والطبيعي أن الكباش السياسي الأميركي - الروسي في ذروته هذه الأيام , ومايعيشه الطرفان هو زمن تصدير الرسائل السياسية " الحديدية " واستعراض العضلات بلا منازع , في محاولة لحجز المطارح الوازنة والمواقع المؤثرة في صياغة البنود النهائية لوثيقة الحل السياسي في سورية ولسان حال المشتبكين يردد بالمعنى السياسي : لايفل الحديد إلا الحديد . 
* كاتب فلسطيني