تمضي اللقاءات والمشاورات بين الأطراف الدولية والاقليمية المشتبكة في الملف السوري في تصدير صور البحث الذي لا يزال جارياً عن صيغة سياسية و( مساحة مشتركة) لبدء عملية سياسية لإيجاد حل للأزمة السورية بحسب تعبير فيديريكا موغيريني , بان كي مون يدعو المشاركين إلى إظهار الليونة , اجتماع ٌ تسابقت الأطراف المعنية به لإفراغ حمولتها السياسية وفرد أوراقها والتكهن المسبق بما سيرشح عن اللقاء , كيري يعلنها بالفم الملآن أن لقاءات فيينا لن توصل إلى حل سياسي نهائي مطالباً أن يشكل ذلك الاجتماع فرصة لما سماه إنقاذ سورية من " الجحيم " فعن أي جحيم يتحدث كيري ؟ هل هو جحيم ما اكتوى به الشعب السوري وكانت الولايات المتحدة جزءاً وعاملاً من بين عوامل تأجيجه واتقاده , أم عن حمم السوخوي التي ستصيغ بحسب بوتين ظروفاً تهيئ لحل سياسي يرى فيه كيري فيما لو نجحت الطائرات الروسية في مهمتها " جحيماً " سياسياً شديد الوطأة على النفس الأميركية , بدوره دي ميستورا أعرب عن أن منسوب التفاؤل من اجتماع فيينا لن يكون مرتفعاً على الإطلاق , حتى الخارجية النمساوية نفسها وقبل أن " تسخن" المقاعد من تحت المجتمعين أعلنت عن تحضيرات لجولة جديدة من المباحثات الأسبوع المقبل , الحبير هو الآخر يعلن وفي توقيت له مدلولاته السياسية عن قرب انتهاء العمليات العسكرية لبلاده على اليمن للبدء بالحل السياسي للأزمة , إيران بدورها وعلى لسان معاون وزير خارجيتها حسين عبد الله يان يعلن استمرار بلاده في سياستها الداعمة لسورية ويدعو الغرب للتسليم بالحقائق في سورية , فهل يستجيب الغرب ؟ وهل ثمة أفق يؤسس له لقاء فيينا لحل سياسي توافقي في سورية ؟
في اعتقادنا ما أعلنته هيئة الأركان الأميركية المشتركة في توصيفها للمشهد الميداني السوري لجهة أن الكفة فيه تميل لصالح الأسد لم يكن من باب الاعتراف بالهزيمة, والتسليم بحقيقة ٍلا يزال هناك أمام الأميركي متسع من الوقت فيها وهامش جيد من المناورات والالتفافات والخيارات البديلة تسعى خلالها الولايات المتحدة لتحقيق ثلاث نقاط أساسية :
- إبقاء الوضع الراهن للميدان السوري كما هو , إذ لن تمانع فيه الولايات المتحدة وحلفائها من تقديم الدعم للمجاميع المسلحة على الأرض , وذلك بهدف تكريس الاستنزاف الذي تحدث عنه أوباما وتالياً استمرار العمليات العسكرية المكلفة لطائرات السوخوي ومن هنا نفهم ما أعلنه الروس لجهة أن انتهاء عملياتهم العسكرية مرتبط بالوضع المتعلق بمكافحة الإرهاب في سورية الذي ستغيب فيه أي جدية أميركية في الوقت الراهن على أقل تقدير .
- تصدير رسالة سياسية ذات جزئية مهمة لجهة ما أعلنه الجبير عن قرب انتهاء العمليات العسكرية على اليمن يردد فيها اللسان الأميركي – السعودي : إذا أردتم أن نعطيكم تنازلاً في فيينا فلترفعوا أيديكم عن الملف اليمني وتقبلوا بحلنا السياسي فيه , ومن هذه الزاوية نفهم ما أعلنه رئيس المكتب السياسي لأنصار الله لجهة أن كل ما قُدم حول الحل السياسي في اليمن باء بالفشل وإن أمريكا هي صاحبة قرار وقف الحرب .
- السعي لتقاسم الحصاد الروسي في حال فشل الهدفين السابقين رمت فيه الولايات المتحدة كرة إرسال قوات برية إلى سورية في الملعب الروسي وأعلنت أنها ستكثف الضغط على داعش فيما أعرب البيت الأبيض أن أميركا لن تقبل بحل عسكري أحادي الجانب في سورية .
خلال مقابلته مع قناة الجزيرة القطرية قال وزير الخارجية البريطانية فيليب هاموند حرفياً : ( لقد تفاجأنا بسرعة قرار بوتين في التدخل العسكري بسورية وإن الأمريكيين يناقشون ويحللون ذلك وصولاً لاختيار الطريقة الأفضل ويريدون أن يعرفوا مستوى التوافق مع الروس ) , وهنا نقول : إنه إلى حين معرفة الأمريكيين مستوى التوافق مع الروس الذي سيحدد حجم وأبعاد المساحة المشتركة للعملية السياسية التي تحدثت عنها موغيريني فإن المؤكد أن الحراك السياسي المتواصل في فيينا وإن تبدى من حيثياته ومشاهده نشاطاً قد يستولد في الظاهر الليونة التي دعا إليها بان كي مون , لكنها ستولد ميتة وصولاً إلى التسوية النهائية التي لا يرغب أن يراها كيري أو يتحسسها على المدى المنظور.
* كاتب فلسطيني