2025-06-16 12:20 ص

حفل نفاق تاريخي

2015-11-03
بقلم: بطرس الشيني
اجتمع معظم قادة العالم مؤخراً في مقر الأمم المتحدة بنيويورك وتحدث الجميع بإسهاب حول الفقر والتنمية والارهاب .. في أكبر تجمع شهده التاريخ لقادة دول العالم .... وكان لهذا التجمع الدولي أن يفيد البشرية مستقبلاً لولا " النفاق" الذي كان الصفة السائدة في خطابات معظم القادة مما يعطي صورة قاتمة للمستقبل وخاصة في الدول الفقيرة والضعيفة عسكرياً . كان ملك النفاق بلامنازع السيد " أوباما " الذي تحدث عن الفقر والهجرة والارهاب بمشاعر " انسانية" فياضة لدرجة يظن المتابع أن الأم " تيريزا" عادت من موتها وتقمصت شخصية ذلك القائد العالمي الذي حاز على جائزة نوبل للسلام في وقت تسبب فيه بقتل وتشريد ملايين البشر في العراق وسورية وليبيا واليمن ... تحدث السيد " أوباما" عن /60/ مليون مهاجر في العديد من المناطق وعن الفقر الذي حاق بالملايين وضرورة مساعدتهم ولكنه تناسى وتجاهل بكل ما يملكه القائد " من قوة نفاق" بأن ثلث هذا الرقم من المهاجرين تحقق بخطط أمريكية وتدخل أمريكي مباشر أو غير مباشر وهذا مؤكد على الأقل في العراق وليبيا وسورية واليمن ، ولأنه كان ممثلاً مقنعاً في إبداء العواطف الانسانية ليس من الغريب أن تقوم مؤسسة " نوبل" بمنحه جائزة ثانية لدوره في " إحلال السلام " والواقع أن نظرته " المؤثرة " وهو يتحدث عن الفقر والهجرة والارهاب والانطباعات التي كست وجهه كافية لوحدها للاشارة إلى المدى العميق والاحترافي للنفاق في السياسة الأمريكية والذي يكاد يلامس المستوى الذي وصل إليه معظم القادة العرب . وهم الذين طالما احتفظوا ببطولة العالم في هذا " الفن في الحكم " . قادة أوروبا وخاصة فرنسا وبريطانيا حاولوا اللحاق بالسيد الأمريكي في نفاقهم " الإنساني وبرز بينهم السيد " هولاند" الرئيس الفرنسي الشريك الأساسي في دعم الإرهاب الدولي وتدمير ليبيا ودعم التنظيمات الارهابية في سورية والعراق واغداق المعدات العسكرية على دول الخليج التي تدمر اليمن ، تحدث السيد هولاند هو الآخر بعواطف انسانية " فياضة " غير أن " لغة الجسد" وتشنجاته أثناء الحديث بينت أن نفاقه غير احترافي ولكن لغته الفرنسية الناعمة بمخارجها الصوتية الموسيقية غطت ذلك الخلل في الاقناع حول ما يقول وما يفعل وبالتالي ربما يكون المرشح الثاني للحصول على جائزة نوبل للسلام التي منحت خلال أربعة عقود لقادة سياسيين سفكوا دماء الملايين من البشر منذ" مناحيم بيغن" الاسرائيلي وصولاًُ إلى السيد الأمريكي الكبير " أوباما". خطابات قادة الغرب " الديمقراطي " ونفاقهم " الانساني "وتوظيف الوكالات الاعلامية العملاقة لترديد الأكاذيب وتجاهل الحقائق وهيمنة السلطة العسكرية الهائلة كل ذلك" لن يلغي حقيقة أن هذا الغرب " الديمقراطي" هو وشركاؤه وأدواته سبب معظم الكوارث والحروب والفقر والهجرة والمرض التي تزهق أرواح ملايين البشر بحجة نشر الديمقراطية عبر العالم يتم تفكيك وتدمير دول وحضارات ودعم اعتى المنظمات الارهابية تحت عناوين " الحرية " وحقوق الانسان . القتل والتشريد هو قتل وتشريد سواء من قام به حكومة ديمقراطية منتخبة وفق الأسلوب الغربي أو قامت به داعش أو النصرة أو بوكو حرام أو غيرها من عشرات المنظمات الارهابية الدولية التي نبتت ونمت برعاية ديمقراطية الغرب وأموال دول الخليج التي مازالت تحت حكم قبلي شبيه بأنظمة الحكم في العصور الوسطى . في الحرب على ليبيا هلل أوباما وساركوزي ثم هولاند ومعظم قادة أوروبا لوصول ليبيا إلى الحكم الديمقراطي ومن تابع تصريحاتهم يظن أن ثمة " سويسرا" جديدة ولدت في شمال أفريقيا ومنذ " القضاء على نظام " القذافي " غير الديمقراطي فقدت ليبيا معظم ثروتها ونسبة كبيرة من شبابها فيما تم تهجير نصف سكانها ولكنها أصبحت " ديمقراطية " وفق الأسلوب الغربي . لاشك أن تصرفات قادة الغرب ونفاقهم أكسبت الديمقراطية أبشع وجه عبر التاريخ .. وبالمقارنة فإن ديمقراطية روما في العصور القديمة تعتبر متطورة إلى درجة كبيرة في تأثيرها على العالم والحضارة مقارنة مع الأسلوب الداعشي للحكومات الغربية الديمقراطية في قتل الشعوب التي ترى أنها محكومة بأسلوب غير ديمقراطي وربما يمثل " الجهاد " الأوروبي الأمريكي في سبيل الديمقراطية وحقوق الإنسان أحد أكثر أوجه النفاق فظاظة ووقاحة ، فحكام الغرب هم بالتحديد وراء بقاء أنظمة حكم استبدادية ملكية فردية داعمة للارهاب في السلطة وهي التي تساعدهم على قمع حريات شعوب مناطق واسعة مقابل الافادة من عقود النفط والسلاح .. وهم وراء بقاء وتمدد الفكر المتطرف ودعمه رغم أن هذا الفكر هو بالتحديد الذي أدى لسقوط آلاف الأبرياء في برج التجارة العالمي وميترو لندن .. الخ وما يثير التشاؤم والخشية من نفاق حكام الغرب أنهم تغاضوا عن معاقبة القاتل الحقيقي لمواطنيهم في برج التجارة العالمي وغيره في سبيل المصالح الاقتصادية والسياسية . لذلك من المرجح أن يضحوا بالمزيد من البشر في دول العالم الثالث مقابل مصالحهم وأنانيتهم فيما يقدمون النفاق بلا حساب .
* صحفي سوري
butros3s@gmail.com