عندما اجتمع الرئيس محمود عباس مع السيد كيري وزير الخارجية الأمريكي في عمان قبل فترة بسيطة على أثر ما سمي "بتدهور الأوضاع الأمنية" في الضفة الغربية والتي على أثرها تمت زيارة كيري الى المنطقة في محاولة "لتهدئة" الأوضاع وعودتها الى ما سبق أي قبل اندلاع التحركات الشعبية العارمة التي اشعلتها الاعتداءات المتكررة والاقتحامات اليومية للأقصى المبارك بهف التقسيم المكاني والزماني لهذا الصرح الديني على غرار الحرم الابراهيمي في القدس، قال كيري انه سينقل وجهة النظر الفلسطينية الى الرئيس أوباما حيث ان السلطة قد هددت بالذهاب الى المحافل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية والتخلي عن كل اتفاقيات وتفاهمات اوسلو المشؤومة اذا لم تمارس الإدارة الامريكية الضغط على إسرائيل.
وربما كان اول رد فعلي للإدارة الامريكية والرسالة التي ارادت ان توجهها للسلطة الفلسطينية كما للعربان الذين اوكلوا كالعادة للضغط على الجانب الفلسطيني، هو ما جاء في صحيفة الواشنطن بوست الامريكية ( 5 نوفمبر 2015) حيث أوردت الصحيفة وقبل أيام من الزيارة التي قام بها رئيس وزراء الكيان الصهيوني، "ان إدارة أوباما قد توصلت الى الاستنتاج بأنه لا يمكن التوصل الى اتفاقية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين في الفترة المتبقية من رئاسة أوباما". كما أشار المقال الى ان الإدارة أصبحت أكثر "واقعية" وعلى ان هنالك احتمال حتى من عدم وجود اية مفاوضات بين المسؤولين الاسرائيليين والفلسطينيين قبل ان يترك أوباما البيت الأبيض. ولقد أوضح كبير المستشارين في مجلس الامن القومي لمنطقة الشرق الأوسط بأنه ولأول مرة منذ عقدين من الزمن هنالك إدارة أمريكية "تجابه حقيقة" عدم وجود حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني على الطاولة لما تبقى من الفترة الرئاسية. وان ما تأمل منه الإدارة هو "ان تستمع من رئيس الوزراء الإسرائيلي عن الخطوات التي يمكن للحكومة الإسرائيلية اتخاذها" لبناء الثقة " التي توضح انه يوجد آمل" الى حل الدولتينن" كما صرح نائب مستشار الامن القومي بن رودوس.
أما الرد الذي أعقب زيارة قاتل الأطفال ومجرم الحرب نتنياهو الى الولايات المتحدة واجتماعه بالرئيس أوباما فقد جاء أيضا ردا ليؤكد مرة أخرى على العلاقة العضوية الاستراتيجية والتي لا تنفصم بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الامريكية وبغض النظر عن ساكن البيت الأبيض ديمقراطيا كان أم جمهوريا ويعمق خيبة الامل للبعض في السلطة الذين راهنوا على "الخلافات" الشخصية بين أوباما ونتنياهو وذلك لوقاحة الأخير المتناهية في التعامل مع الإدارة وتجاوزها بالذهاب الى التحدث الى الكونغرس دون حتى القيام بإبلاغ الخارجية الامريكية بالدعوة وبرنامجها، عندما كان يعمل جاهدا لعرقلة التوقيع على الاتفاق النووي مع ايران.
في التصريح للصحافة أكد الرئيس أوباما على ان ضمان "أمن إسرائيل" يأتي في سلم أولويات الإدارة الامريكية. وصرح وبوقاحة متناهية انه يدين ما اسماه بالعنف الفلسطيني تجاه إسرائيل وأكد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. هذه المواقف نسمعها مرارا وتكرارا وعلى مدى سنوات وعقود خلت، ولكن ان تأتي في هذه الفترة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني لعملية بأطفاله الى اعدامات ميدانية يوميا على ايدي المستوطنين القدامى والجدد وفي الوقت الذي يتم فيه مزيد من عمليات التهويد للأراضي الفلسطينية وعزل مناطق السكن للفلسطينيين بالدشم الاسمنتية على غرار الغيتو في المانيا النازية والتهديد بسحب هويات المقدسيين من الفلسطينيين الذين يخضعون للقوانين الإسرائيلية والذين يعتبرون "مواطنين" في إسرائيل ...الخ من الممارسات الوحشية من حرق العائلات الفلسطينية والأطفال وهم أحياء، نقول ان تأتي هذه المواقف دون الإشارة الى ما يتعرض له الشعب الفلسطيني ولو بكلمة عابرة تدلل على مدى عدم اعتبار للشعب الفلسطيني ولا حتى للطرف القيادي الفلسطيني المتناغم مع الإدارات الامريكية. الولايات المتحدة كانت وما زالت المتحدث الرسمي بلسان الحكومات الإسرائيلية لان إسرائيل ببساطة هي ثكنة عسكرية متقدمة للإمبريالية العالمية في المنطقة وعلى رأسها الامريكية.
المجرم نتنياهو لم يذهب الى الولايات المتحدة لمناقشة الإدارة الامريكية بقضايا تتعلق بالشأن الفلسطيني بل ليرى ماذا يمكن الحصول عليه كترضية وتعويضات عسكرية واقتصادية وسياسية في مقابل توقيع الاتفاق النووي بين الدول الستة الكبرى مع إيران والبدء برفع العقوبات عنها. السفاح نتنياهو ذهب الى واشنطن وقبله وزير حربه وهم يحملون لائحة بالأسلحة النوعية من طائرات وصواريخ وتقنيات عسكرية أمريكية ورفع المعونات أو بالأحرى الهبة التي تقدمها الولايات المتحدة سنويا من 3 مليارات دولار الى 5 مليارات دولار. ذهب وهو يدري كما صرح أوباما كغيره من الرؤساء في البيت الأبيض التزام الولايات المتحدة بضمان التفوق النوعي العسكري لدولة الكيان الصهيوني على دول المنطقة مجتمعة. ولقد سبق زيارة نتنياهو حملة إعلامية واسعة في الاعلام الصهيوني عن المخاوف الأمنية لدولة الكيان الغاصب من القدرات والامكانيات العسكرية والتقنيات المتطورة التي تمتلكها إيران في المجلات العلمية المتعددة من نووية واليكترونيات وطبية والعلوم الطبيعية التي أحدثت نقلة نوعية في جميع المجالات كان من شأنها تضيق الهوة بينها وبين الكيان الصهيوني في العديد من المجالات الاستراتيجية. ولقد عبرت وسائل الاعلام وعن طريق تصريحات لرجال استخبارات وأمن وقيادات عسكرية عن القلق الذي يسود هذه الأوساط من القدرات الإيرانية التي اكتسبتها إيران بالرغم من الاعتداء عليها بمنظومة عقوبات صارمة الذي خلف أيضا وضعا اقتصاديا صعبا للغاية في البلاد. الكثيرون في داخل الكيان الصهيوني يتساءلون إذا تمكنت إيران من اكتساب كل هذه المهارات والقدرات والتقنيات العلمية الرفيعة المستوى في ظل العقوبات ماذا سيكون عليه الحال عندما ترفع العقوبات عنها؟
أكثر ما طمحت اليه الإدارة الامريكية من سماعه من نتنياهو هو على انه يوافق الإدارة ان الحل يجب ان يكون عبر "حل الدولتين" هذه العبارة التي ميكانيكي وكأن من ينطقها هو روبوت أو ببغاء لأنها لا تعني الكثير على ارض الواقع الذي عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تغيره جغرافيا وديمغرافيا الى الحد الذي يصعب عليه إقامة حتى كانتونات على اقل من 12% من مساحة فلسطين التاريخية بأفضل الأحوال. نتنياهو نطق بجملة مقتضبة ليرضي مضيفه في البيت الأبيض مفادها انه " يبقي ملتزما بحل الدولتين لشعبين، دولة فلسطينية منزوعة السلاح وتعترف بدولة إسرائيل اليهودية" (نيو يورك تايمز 10 نوفمبر 2015). وهو نفس نتنياهو الذي صرح قبل عدة أيام من ذهابه الى واشنطن بانه سيبقى في المناطق المحتلة للأبد ويحكمها بحد السيف. ولقد أعلنت حكومته يوما قبل ذهابه انها تنوي بناء 1000 وحدة سكنية في الضفة الغربية المحتلة. بمعنى ان ما يهم ليس ما يقوله نتنياهو لمضيفه في البيت الأبيض بل ماذا تفعل حكومته على أرض الواقع.
في النهاية نود القول بان من ينتظر الرحمة من البيت الأبيض يستطيع ان ينتظر الى الابد فهذه مشكلته وليس مشكلة الشعب الفلسطيني الذي ضاق ذرعا بكل المسيرة الإستسلامية التي بدأت من أوسلو سيء الصيت لغاية الان، كما ضاق ذرعا بكل التبريرات لهذه المسيرة التي لم تأتي الا بالمصائب على الشعب الفلسطيني على كافة الأصعدة وخاصة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وجاءت التحركات الشبابية التي ما زال البعض يجادل حولها جدلا بيزنطيا أكاديميا هل هي هبة أم انتفاضة بدلا من الانضمام الى هذه الظاهرة التي ابتدعها شعبنا في مقاومة الاحتلال والتي يعمل على تطويرها كما يعمل البعض على لجمها وتفريغها من محتواها حتى نضع النقاط على الحروف. نعم نحن لا نشكك في ان هذه الحالة الثورية في مقاومة الاحتلال لم تأتي من فراغ بل أتت عبر تراكمات نضالية ممتدة عبر السنوات الماضية. ولكن يجب ان لا نغفل أيضا انها تأتي ضمن هجمة صهيو-أمريكية بأدوات إقليمية عربية وغير عربية على كل ما هو وطني وقومي وعروبي وفي ظل صمود لمحور المقاومة وكل هذا لا بد ان يؤثر على الداخل الفلسطيني.
نحن ندرك ان هنالك ضغوطا تمارس على الداخل الفلسطيني وربما هذا ينعكس بعدم المشاركة والدعم لهذه التحركات الواسعة الشبابية المقاومة للاحتلال من قبل بعض الفصائل الفلسطينية لسبب أو لآخر على الرغم من التضحيات الجمة اليومية الذي يقدمها الشبان والشابات في التصدي لجيش الاحتلال وقطعان المستوطنين على مساحة فلسطين التاريخية، وهناك من يضع العراقيل من إيجاد قيادة ميدانية لهذه التحركات حتى يتم تمددها بشكل مبرمج وخاصة في المناطق الشمالية من الضفة الغربية، على امل ان تخبت الروح النضالية في الشارع الفلسطيني. ما هو الملاحظ هو ان التحركات الشبابية قد سبقت كافة الفصائل الفلسطينية دون استثناء وهذه التحركات الشبابية النضالية لا بد لها ان تخلق قيادتها الميدانية الخاصة بها ان لم تبادر وتسرع القوى الوطنية من فصائل ومنظمات ونقابات ومؤسسات فلسطينية في تبني هذه التحركات، فشعبنا لم يعد يقوى على الانتظار.
ويبقى السؤال الذي يجب ان يطرح في النهاية لكل الذين انتظروا على أبواب البيت الابيض ألم يأتكم بعد النبأ اليقين...وهل ما زلتم تنتظرون مع المنتظرين؟؟
bahij.sakakini@gmail.com