2025-06-15 05:39 ص

اليمن وآل سعود والنهاية....القضية متى؟؟؟؟

2015-11-14
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
عندما بدا العدوان السعودي الصهيو-أمريكي الاثم على اليمن السعيد وطنا وشعبا كانت تقديرات المخابرات السعودية وزبانيتها ان اليمن لن يتحمل "غلوة" كما يقال، وأن احتلال اليمن والسيطرة عليه من جنوبه الى شماله لن يستغرق أكثر من أسبوعين على أسوء الأحوال. كانت هذه هي تقديراتهم التي بنيت بالأساس على الحشد التي قامت بها قوى البغي والعدوان من طائرات حديثة وبوارج حربية وصواريخ موجهة "وذكية" ذات القدرة التدميرية الهائلة والقنابل العنقودية والفسفورية الحارقة لإحداث أكبر قدر ممكن من قتل المدنيين. وكانت الاستراتيجية التي اتبعت تعتمد على تدمير كافة البنى التحتية لليمن وهي نفس الاستراتيجية التي اتبعتها القوات الامريكية عندما غزت العراق عام 2003 معتمدة الأسلوب الذي أطلق عليه في حينها "الصدمة والرعب". أما الشق الاخر من هذه الاستراتيجية فقد بني على قتل وجرح أكبر عدد ممكن من المدنيين وتدمير اية مقومات للحياة اليومية للشعب اليمني بكافة مكوناته الاجتماعية، وذلك بهدف تأليب الرأي العام اليمني ضد الجيش اليمني والمقاومة الشعبية. ومن هنا كان تدمير محطات المياه والكهرباء وشبكات الامداد وكذلك مصانع الادوية وتدمير المزارع وقصف صوامع الحبوب ومصانع الأغذية ..الخ وتجويع ملايين من الشعب اليمني. وترافقت هذه الاستراتيجية مع محاولة التعتيم الإعلامي عما يدور وذلك من خلال قصف أبراج البث وشبكات الاتصالات وحرمان البث التلفزيوني لقناة المسيرة على الأقمار الصناعية وذلك في محاولة لعزل اليمن عن العالم الخارجي لإخفاء المجازر التي ارتكبت وما زالت ترتكب يوميا بحق المدنيين الأبرياء وتدمير المستشفيات والمدارس والجامعات وغيرها من الأماكن والتي بمجملها تشكل جرائم حرب يحاسب عليها مرتكبيها. وفي المقابل تم تجنيد وسائل اعلام جمة وجيش من الكتبة المأجورين والإعلاميين ومراكز "الدراسات والأبحاث الاستراتيجية" الخليجية وغيرها ورجالات دين ومشايخ لتصعيد الفتنة المذهبية والطائفية وشيطنة الحوثيين وإعطاء الانطباع على انهم دخلاء على النسيج الاجتماعي اليمني على الرغم من وجودهم على امتداد تاريخي يعود لآلاف السنوات في اليمن. ووصفوا الحوثيون على انهم عملاء لإيران وكفروا وكفر كل من يدافع عن اليمن وشعبه وينادي بوقف الحرب المجرمة سنيا كان ام شيعيا ام مسيحيا ام انسان غير مؤمن (نعتذر للألفاظ المذهبية الممجوجة والمرفوضة لدينا). وهوجمت كل وسيلة اعلام تتحدث بموضوعية ورصانة لمجرد أنها تنقل الصورة الحقيقية لما يدور في اليمن من قتل وتدمير يومي، على الرغم من اعطاءها فرصة (غير مستحقة) لمرتزقة "المفكرين" ورؤساء "مراكز وابحاث استراتيجية" خليجية وامريكية ليبثوا سمومهم الفكرية والسياسية والتحريض المذهبي من على شاشاتها. وهذا ما حصل مع قناة الميادين التي لم ترتضي ان تباع في سوق النخاسة الإعلامي بالرغم من جميع الاغراءات والتهديدات التي ربما وصلت الى حد التهديد بالتصفية الجسدية ولن نستغرب إذا سمعنا هذا في المستقبل القريب ام البعيد. وعملت السعودية على استصدار قرار من عربسات لمنع بث قناة الميادين الفضائية على القمر الصناعي لعربسات. وبالإضافة الى كل ذلك استطاع آل سعود ان يوظفوا البترودولار في شراء الذمم والمرتزقة من دول إقليمية ودولية لتوفير حشد عسكري ودعم سياسي في المحافل الدولية حتى لا يطالهم المحاسبة على جرائمهم بالإضافة الى اعطائهم هامشا من الحرية لفعل ما يشاؤون في اليمن، وخاصة من سيدهم في البيت الأبيض. ولقد أظهرت الحرب على اليمن مدى الوحشية التي يمكن ان يذهب اليها آل سعود في سبيل محاولة بائسة ويائسة لتركيع الشعب اليمني الذي قرر ان ينتفض ليكسر قيود الذل ويتحرر من هيمنة واستئثار آل سعود على مستقبله ومقدرات بلاده التي دامت لعقود من الزمن. ما لم يستطع آل سعود فهمه او استيعابه هو انه مهما حشدوا من مرتزقة من جيوش دول أو أفراد وقتلة محترفين كهؤلاء الذين استقدموهم مؤخرا من كولمبيا عن طريق سفاحي شركة البلاك ووتر الامريكية أو وحدات من الجيش السوداني التي يمكن ان يصل تعدادها الى 5000 جندي، فانهم لن يكسبوا المعركة في النهاية مهما وصلت درجة التوحش لديهم او لدى مرتزقتهم ومهما كان نوعية أسلحة الدمار التي يمتلكوها او يستأجروها، وهي بالتأكيد احدث ما انتجت المجمعات العسكرية الصناعية العالمية والتي وصلت الى استخدام القنابل النيترونية من قبل حلفاؤهم القدامى والجدد في الكيان الصهيوني. فشل آل سعود بالرغم من كل ما ذكرناه هنا وبالرغم من صرف ربما ما يقرب من مئة مليار دولار على المجهودات الحربية التي لم نتقطع ولو لساعات معدودة طيلة ما يقرب من الثمانية أشهر بالإضافة الى شراء المرتزقة ودول كبرى مثل فرنسا ووسائل اعلام وغيرها. فشلت لان آل سعود "ووزير الحرب" السعودي البلاي بوي لم يدركوا ان السلاح والقوى النارية وزج عشرات الالف من المرتزقة لا يكفي لكسب الحرب حتى وان تهيأ لهم انهم كسبوا معركة هنا أو هناك. خسروا لأنهم لم يتعلموا دروسا في التاريخ الماضي أو الحاضر. فلقد انتصر الشعب الفيتنامي على الاستعمار الفرنسي وعلى الولايات المتحدة على الرغم من زج ما يقرب من نصف مليون جندي امريكي ومرتزق خدم تحت راية الاستكبار الامريكية. انتصر الشعب الفيتنامي بالرغم من سياسة الأرض المحروقة واستخدام الأسلحة الكيميائية والغاز الاورانجي . هذه السياسة التي اتبعتها الدولة التي تدعي انها حامية ل "الديمقراطية" وتعمل على نشرها في منطقتنا والعالم. وفشلت أمريكا في العراق وأفغانستان بالرغم من الدمار الذي خلفته تكنولوجيتها العسكرية المتطورة التي لا يضاهيها فيها أحد بعد. وخسرت في تطويع الدولة السورية وفشلت هي وعملاؤها وادواتها في المنطقة ومن ضمنهم آل سعود في القضاء على الدولة السورية والجيش السوري. كان الحري بآل سعود ان يتعظوا ولكنهم اوغلوا في غيهم وظنوا ان اليمن "الضعيف" "والفقير" سيكون لقمة سائغة ومن ثم صوبوا جام غضبهم وحقدهم الدفين على هذا الشعب بمكوناته جميعا. ما لم يدخل في حسابات آل سعود هو ما لم يدخل في حسابات سيدهم في البيت الأبيض أن المعركة بحاجة الى إرادة قتالية والى عقيدة قتالية والى ايمان بالأرض التي ننتمي اليها والدفاع عنها كالدفاع عن العرض والشرف، والاستعداد النفسي والذهني للموت والاستشهاد من اجل الوطن وكل ذرة تراب من ارضه الغالية. ويستحضرني هنا منظر رأيته على احدى الشاشات التليفزيونية لهذا الرجل اليمني الذي يمشي مع رفاقه باستخدام عكازة لأنه برجل اصطناعية وعلى كتفه الكلاشينكوف وذاهب لمقارعة جيش الغزو والاحتلال على الحدود السعودية دفاعا عن الوطن. وهذا ما لا يمتلكه أي مرتزق في العالم بغض النظر من اين يؤتى به أو بهم ومهما دفع له أو لهم من أجر. ان المرتزق لم يأتي ليموت بل أتى لتحصيل المال وان كانت دولة فإنها تسعى للنفوذ والسيطرة، وإذا صعب تحقيق ذلك فان خير ما يفعلوه هو الهروب "بجلدهم" كما يقال. وهذه الأيام لا شك أن آل سعود يشعرون بخيبة ليس بعدها خيبة وهم يرون ان احلامهم تتبدد كل يوم بمجموعة من الخسائر على المستوى الاقتصادي والسياسي والإعلامي والعسكري. لا ينكر أحد ان حجم الدمار الذي احدثه العدوان الهمجي هو دمار هائل وسيحتاج اليمن الى سنوات عديدة لتعويض وبناء ما دمرته مملكة القهر، ولكن بالرغم من هذا لم يتمكن آل سعود ان يحققوا أي مكسب سياسي أو هدف ذو قيمة من الأهداف التي وضعت عند بدء العدوان. "فعودة الشرعية" التي رفع رايتها آل سعود لم تتحقق الى يومنا هذا اللهم الا لبضعة ساعات للرئيس الفار أو لأيام لم تتعدى أصابع اليد لبعض وزراء "الحكومة الشرعية" في عدن تحت الحراسة المشددة من قبل القوات الإماراتية قبل الهروب الى "جنة الرياض" والاستجمام في الفنادق الخمسة نجوم والمكيفات ومكارم ولي الامر. ومن المؤكد لو كان التحالف يسيطر ولو على متر مربع آمن على الأراضي اليمنية لبقي هؤلاء الخونة الذين ارتضوا بتدمير ما يدعون انها بلادهم وشعبهم. وحتى عدن الذي دخلوها وهللوا لاحتلالها أصبحت ومنذ الأيام الأولى مرتعا لداعش وللقاعدة وتنظيم الاخوان المسلمين من حزب الإصلاح ودارت المعارك بين التنظيمات الإرهابية مع بعضها البعض وكذلك مع القوات الإماراتية الغازية التي دخلت عدن بعملية إنزال برية صاحبتها ما يقرب من 400 طلعة لقصف جوي خلال 24 ساعة فقط بالإضافة الى قصف بحري وبري للتحالف الغير مقدس. وعدن الان يسيطر عليه تنظيم القاعدة وداعش الذين يطبقون احكام الشريعة ويقومون بضرب النسوة في المدارس وحتى الأماكن العامة. ولن نستغرب إذا ما انتشر "المطاوعة" في الشوارع كما هو الحال في السعودية لإجبار الناس على التوجه الى الجوامع للصلاة في أوقات الصلاة. وهذه المجموعات الإرهابية أصبحت تسيطر على مصفاة البترول في عدن مما يساعدها ماديا وبالتالي العمل بشكل منفصل نسبيا عن مشغليها وفرض اجندتها. وبالرغم من البيانات العسكرية التي كان يتلوها الخائب العسيري لم تسيطر القوات الغازية على مأرب ولا على تعز ولا على باب المندب ناهيك عن صنعاء. ليس هذا وفقط بل شهدت الأيام الأخيرة دحر للقوات الغازية في العديد من المناطق التي كانت قد سيطرت عليها سابقا. ولكن المصيبة الأكبر لآل سعود هو تمكن الجيش اليمني واللجان الشعبية من أنصار الله والمقاومة الشعبية من الدخول الى العمق السعودي والسيطرة على بعض المناطق ومدن رئيسية في مناطق نجران وجيزان وعسير وهي مناطق يمنية أصلا ضمت عنوة الى السعودية. وبالرغم من محاولات التعتيم الإعلامي الذي مورس داخل السعودية لإخفاء الحقائق فيما يخص الخسائر العسكرية والبشرية من الجنود وهروب عناصر من الجيش السعودي من المعارك، الا ان الاخبار بدأت تتوارد الى الشعب في داخل السعودية حول هذا. ولا نستبعد ان يكون هنالك تعاطف شعبي مع الجيش اليمني في المناطق الحدودية التي سيطر عليها لان هذه المناطق يمنية بالأصل كما ذكرنا. وتأتي هذه الهزائم العسكرية في مرحلة انسحاب اعداد كبيرة من الجيش الاماراتي الذي شكل القوة البرية الضاربة الأساسية من قوات الغزو والعدوان. ولهذا الانسحاب عدة أسباب كنا قد تعرضنا لبعضها سابقا. ولا شك ان هنالك خلافات بين الاجندات السعودية والامارات يعود بعضها الى الصراع حول النفوذ ودعم لقيادات يمنية مختلفة. فالإمارات على سبيل المثال تدعم رئيس الوزراء بحاح لمنصب الرئاسة، بينما السعودية لا تريده بديلا عن الفار هادي وان لم تكن ترى لهادي مستقبلا في البلاد ويقال انها قد قدمت وعدا لدعم تنظيم الاخوان المسلمين في اليمن المتمثل بحزب الإصلاح للرئاسة. والإمارات على خلاف شديد مع السعودية على موضوع تنظيم الاخوان المسلمين. ولكن كل هذا يبقى في الإطار النظري وخاصة مع عدم تحقيق أي هدف من اهداف العدوان وعدم القدرة على السيطرة على الأرض. الى جانب ذلك يبدو ان الامارات بدأت تتعلم شيء من العقلانية لان حكامها قد استخلصوا وبناء على التجربة عدم وجود اية فرصة لتحقيق أي نصر عسكري وهو ما كانوا يتأملون من تحقيقه في البداية وفي غضون أسابيع قلائل، وقبل استقدام وحدات من الجيش السعودي والمرتزقة الذين تمكن آل سعود من تجنيدهم للقتال في اليمن بالنيابة عنهم وهؤلاء لا يحملون اجندة حكام الامارات بالإضافة الى رفض بعضهم العمل تحت القيادة العسكرية الإماراتية. بالإضافة الى هذا فان حكام الامارات أصبحوا يعون رياح التغيير القادم على المنطقة وخاصة مع الإنجازات التي حققها ويحققها الجيش السوري ومحور المقاومة وكذلك الدخول الروسي على الساحة السورية والذي بحد ذاته قد قلب الطاولة وأسقط الكثير من المراهنات للدول الإقليمية الرجعية وعلى رأسها آل سعود وتركيا وقطر. والذي يبدو ان حكام الامارات يريدون اتباع "النأي بالنفس" ان أمكن قبل فوات الأوان لتأكدهم من ان الرياح لا تجري كما يشتهي آل سعود في المنطقة. وربما هذا ما يجعل حكام الامارات يعتقدون انهم من الممكن أن يلعبوا دورا في المستقبل إذا ما "احسنوا" التصرف وعدم الرهان على الطرف الخاسر. أما على الصعيد الإعلامي فان الكثيرون في الصحافة العالمية أصبحوا يتحدثون بشكل مفتوح عن ارتباط السعودية بالمجموعات الإرهابية وتمويلها وتجنيد الإرهابيين من العديد من المناطق في العالم، بالإضافة الى المناهج التعليمية وخاصة الدينية التي تدرس في المدارس السعودية والتي تزرع الفكر الوهابي الذي يقوم على تكفير الغير وتحليل دمه حتى لو كان مسلما. وعن الدور الذي تلعبه المساجد التي تتبنى السعودية بناؤها في العديد من المناطق في العالم وتعيين الائمة بها وعلى تحويلها الى بؤر لنشر الفكر الوهابي المتشدد. وربما الحرب التي تقودها السعودية في اليمن والمجازر التي ارتكبتها وترتكبها كل يوم في عمليات القصف المتتالية واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا التي أمدتها بها دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا على وجه التحديد والتقارير الميدانية التي وردت وترد من عدة مناطق في اليمن من منظمات دولية حقوقية وغير حكومية مثل أطباء بدون حدود، هيومين رايتس ووتش ومنظمات معنية بالأطفال تابعة للأمم المتحدة وغيرها، كل هذا مجتمعا قد فضح وعرى النظام السعودي أمام الرأي العام العالمي. في النهاية نود ان نؤكد ان آل سعود لن يستسلموا بسهولة حتى وان بدأت تضيق الحلقة على رقابهم. وربما هذا يعود الى سببين رئيسيين. أولهما ان الاستسلام يعني فقدان المركز والهيبة والمكان أو على الأقل على فقدان الجزء الكبير من قدرتها على التأثير في مجرى الأمور على المستوى الإقليمي وخاصة وضعها في مجلس التعاون الخليجي. ولا شك ان بعض دوله بدأت تتحضر لسلب الدور السعودي أو أن تسدي ضربة له بحيث لا تعود السعودية هي التي تقرر السياسات والاخرين يتبعوا بغض النظر عن رأيهم. أما السبب الاخر وربما يكون الأهم هو ان المشغل الرئيسي لهذه الأداة (المقصود آل سعود) هو سيد اللعبة في البيت الأبيض الذي لم يأخذ قرارا بعد بغلق الهامش الذي سمح لآل سعود اللعب فيه خدمة لمصالحه (مصالح الولايات المتحدة). بمعنى ان استسلام آل سعود أو وقف اعتداءاتهم سواء في اليمن أو سوريا أو العراق مرهون بقرار وأمر يصدر من البيت الأبيض. والى حين هذا فإننا لا نرى ان مملكة القهر ستتوقف وتنهي سياساتها العدوانية وتوحشها الداعشي بكل امتياز في المنطقة وخارجها.
bahij.sakakini@gmail.com