2025-06-15 05:07 ص

باريس تحيك الأكفان .. من يطفئ النيران ؟؟

2015-11-15
بقلم: الدكتور محمد بكر
دقت ساعة داعش في باريس , وبعيون حمراء وجه التنظيم حممه وقذف بكرة النار إلى العمق الفرنسي , اهتز" شموخ " برج ايفل من هول المشهد , ربما سينتظر مآلات ٍ لن تكون بأفضل حال من قوس النصر في تدمر وكذلك عشرات المعالم الحضارية والإرث التاريخي التي نالت منها النار والفؤوس الداعشية في سورية والعراق , إذا ما استمرت السياسات الغربية على حالها تراوغ وتماطل وتستمر في تصدير " نعومة " عملياتها العسكرية في تحالف ٍ ستيني لم تتأتى مفاعيله منذ أكثر من سنة سوى " فتلٍ لعضلات " داعش , بات يستعرضها التنظيم أمام العالم , وتتكاثر دعواته لما يعده جهاداً ليس وجهتها هذه المرة الأراضي السورية إنما فرنسا نفسها , بدورها تكاثرت كل ألوان الدنيا لتصبغ وجه هولاند , لم يستطع في حضرة امتزاجها علماء الفراسة تفسير ملامحه ومعالمه , فيما كان لاستشعار أوباما نمطية خاصة أدلى بما يقوله ويرويه خصومه منذ سنوات لجهة أن الإرهاب بات خطراً يهدد العالم أجمع , بينما يبقى السؤال الأكثر حضوراً وإلحاحاً أنه إذا كان " الطبيب" هولاند تلمس يقيناً العوارض المرضية وشخّص الحالة " الصادمة " التي أصابت الجسد الفرنسي لدرجة معرفة من نفذ الهجمات ومن أين أتوا فلماذا يوغل العلاج بعيداً عن الإرادة الفرنسية وإرادة حلفائها ؟ إذا ما أردنا البحث بصورة واسعة وشاملة في هجمات باريس , فإنه ليس تفصيلاً مهماً الإعلان عن العثور على جواز سفر سوري بجانب جثة أحد الانتحاريين , الذي قد يكون له دلالة يتم التسويغ من خلالها لتدخل أوسع في سورية أو منع تدفق اللاجئين لأوروبا , وليس كافياً فقط على أهميته الاستنفار وحشد الجيش وإغلاق الحدود وإعلان حالة الطوارئ , وليس مهماً فقط الإصرار على الحل السياسي للأزمة السورية أكثر من أي وقت مضى بعد هجمات باريس كما جاء على لسان وزير الخارجية الألمانية, بقدر أهمية التحول الجذري في السياسة التي كانت متبعة في طريقة التعاطي مع منطومة الإرهاب التي باتت لا تعرف حدوداً أو محددات أو ضوابط بعينها تتحرك ضمنها , إذ لطالما كان بيان " داعش " واضحاً توعد فيه فرنسا ومن يسير على دربها بالاستهداف . إن ما شهدته باريس من هجمات ٍ دامية يجب أن تؤسس لتحرك دولي جاد لصياغة استراتيجية موحدة على أرضية مشتركة صلبة تنتفي منها كل مفردات التشبث بالمواقف وتصلب الآراء والعمل السياسي وفق ما يمليه المنطق, وما تفرضه الأولويات , وترحيل كل عوامل التشنج والتناطح السياسي والابتعاد عن المواقف الصدامية والشروط المسبقة, وتحكيم المشهد وفق مفرزات الواقع , وعدم الاستثمار السياسي في جغرافية بعينها لتحقيق أهداف سياسية, ومن ثم الإتيان بالنقيض , ومكاثرة التعاطي على أساس القوانين والمواثيق الدولية في جغرافية أخرى , فهل يختلف مثلاً تنظيم داعش بنسخته السورية عن تنظيم داعش بالنسخة الفرنسية , وهل ثمة وجود لجمهور فرنسي يطالب بالحريات والتعددية السياسية , وثمة بالمقابل نظام فرنسي قام باستجلاب المرتزقة والميليشيات " لقتل الشعب " التي أنتجت بدورها شبكات لمجموعات متطرفة , كما يتم توصيف الحاصل في المشهد السوري في بعض وسائل الإعلام العربية والغربية , وعليه فإن قمة العشرين في أنطاليا على محك غاية في الأهمية وأمام استحقاق مهم لا خيار فيه ( إذا صدقت فعلاً النيات وتلاقت الإرادات ) إلا بمواجهة جديد الحدث بأبعاده وامتداداته وارتداداته , وإن التوافق على إطلاق العمليات السياسية وتسريع الجهود لاستيلاد تسوية سياسية في سورية , وتحديد ماهية الأولوية وحصرها في مكافحة الإرهاب واستشعار " الأيام المعدودة " لداعش بحسب ما أعلنه كيري , يجب أن يقترن بخطوات عملية فاعلة على الأرض أولها تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالإرهاب ولاسيما القرار2170 , وعمل كل ما من شأنه للضغط على الدول الراعية والممولة للكف عن سياساتها الهدامة , ولا سيما أن هولاند أكد أن هجمات باريس كانت نتاج تخطيط خارجي ومساعدة وتسهيل من الداخل . فهل ستكون قمة العشرين محطة لتذليل الخلافات , وتوحد الرؤى , وهل يثمر اللقاء الذي سيجمع بوتين بالعاهل السعودي بحسب ما أعلن الكرملين لبحث الأزمة السورية في كبح الجماح والإصرار السعودي الذي استمر بتصدير ذات المواقف واللهجة النارية في ذروة الحدث الفرنسي لجهة المطالبة برحيل الأسد أو استمرار دعمه للمعارضة السورية لإزاحة الأسد بالقوة بحسب تعبير الجبير ؟ أم أن الصبر الاستراتيجي الأميركي سيبقى حاضراً في الخطاب والسلوك الأميركي , ربما تكون معه عواصم أوروبية أخرى غير باريس على موعد مع حياكة أكفان بالجملة لمواطنيها , تماماً كما بدت باريس في ليلة ٍ حمراء , كاحمرار عيون داعش .
 * كاتب فلسطيني