2025-06-15 05:26 ص

العنصرية الغربية المعاصرة ...

2015-11-17
بقلم: بطرس الشيني
في حالة تمثل العنصرية الأوروبية الغربية البغيضة بأبشع صورها تجاهل ساسة أوروبا وأمريكا وكندا واستراليا أية إدانة للجرائم المروعة التي ارتكبها الآلاف من الإرهابيين الذين يحملون جنسيات هذه الدول ضد المدنيين السوريين والعراقيين ومؤسسات هاتين الدولتين خلال السنوات الأربع الماضية وكانت الإدانات النادرة لأعمال الإرهاب والتفجيرات والذبح هي تلك التي ذهب ضحيتها بعض الأوروبيين الذين تواجدوا "لأمر ما " في سورية أو العراق ومقابل هذا التجاهل الوقح لجرائم الأوروبيين الإرهابية في الشرق عبّر جميع قادة دول أوروبا وأمريكا واستراليا وكندا وغيرها عن "خشيتهم" و"قلقهم" من عودة الإرهابيين إلى بلادهم الأصلية وهنا تبرز العنصرية الغربية المعاصرة بأقبح صورها ... إذ أن مجرد احتمال عودة الإرهابيين إلى بلادهم هو مثار قلق وخوف على المجتمعات الأوروبية والغربية ولكن مساهمتهم في قتل عشرات الآلاف من السوريين والعراقيين لا يشكل لهؤلاء الساسة الذين يتحدثون إلى درجة الملل عن حقوق الإنسان والعدالة والقانون الدولي لا يشكل لهم حتى مجرد الشعور بالأسف والقلق أو تأنيب الضمير على مقتل أطفال ونساء الشرق على يد هؤلاء الإرهابيين الإجراءات التي اتخذتها الحكومات الغربية حتى الآن تنسجم تماما ً مع عنصريتها المعاصرة فهي تركزت على الوسائل الممكنة إما لمنع هؤلاء الإرهابيين من العودة أو كيفية استيعاب ومراقبة من عاد منهم بحيث لا يؤذي المجتمعات الأوروبية وليس بالطبع لمعاقبته على الجرائم التي ارتكبها في سورية والعراق . حالة العنصرية الجديدة تطبع السياسيين الغربيين بطابعها وتعكس حالة العنصرية البغيضة للمجتمعات الغربية ، فالحكومات الغربية تعبر تماما ً عن حقيقة تلك المجتمعات كونها حكومات ناجمة عن انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة .. خلال أربع سنوات ورغم هول الجرائم والمجازر والمذابح التي ارتكبتها المنظمات الإرهابية في سورية والعراق والتي يشكل فيها الإرهاب الغربي والخليجي رأس الحربة لم تخرج من المجتمعات الغربية أية مظاهرة استنكار أو إدانة لهذه المذابح التي وصل بعضها إلى درجة التطهير العرقي وبقيت البرلمانات الديمقراطية شبه صامتة عن انتقاد الحكومات على دعمها المستمر للمنظمات الإرهابية تحت مسميات دعم "المعارضة المعتدلة " أو دعم ما يسمى الربيع العربي أو دعم الثورات من أجل الحرية .... الخ . بين عامي 2011 و 2015 قتلت ما تسمى "المعارضة المعتدلة" المدعومة من أمريكا وتركيا والغرب والخليج حوالي ستة آلاف مدني في أحياء حلب الواقعة تحت سلطة الدولة بقذائف وأسلحة أمريكية أوروبية وقتلت هذه المعارضة عدة آلاف في حمص وريف حماة ودمشق ودرعا وارتكبت مجازر دموية في عشرات القرى وصل بعضها إلى درجة الإبادة ومع ذلك لم تصدر أية إدانة تذكر لا من حكومات الغرب ولا من برلماناتها في وقت تجاهل الإعلام الغربي "الحر" هذه المجازر وكأنها غير موجودة لا بل عمل كما حكومات الغرب على تشويه الحقائق وتحويرها بما يتناسب مع مواقف الساسة وهناك عشرات بل مئات التفجيرات والمجازر التي قامت بها التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق تحولت في الصحافة الغربية إلى مجرد أرقام جامدة "هذا في حال تمت الإشارة إليها " وعملية الخداع هذه لا تستهدف الضحايا بل المجتمعات الغربية تجنبا ً لأية ردة فعل قد تحصل وهذا لا يختلف كثيرا ً عما كانت تفعله الدعاية النازية إبان الحرب العالمية الثانية . وربما تصلح مجزرة الأطفال التي قام بها انتحاري العام الفائت في مدرسة عكرمة المخزومي بحمص والتي ذهب ضحيتها حوالي مائة طفل ربما تصلح كمثال على كيفية تعامل تجار "الإنسانية " حكام الغرب بعنصريتهم تجاه ضحايا الإرهاب وبما أنني شاهدت عن قرب أشلاء الأطفال وأجسادهم الرقيقة المفتتة بعدد هائل من الشظايا وبرك الدماء وسمعت صرخات الجرحى الذين لا أمل لهم في الحياة وتابعت في اليوم نفسه كصحفي ردود الأفعال على هذه الجريمة يمكنني القول أننا في عالم يحكمه على المستوى الدولي أشخاص يشبهون هتلر وموسوليني رغم حديثهم الممل عن الحضارة والإنسانية وحقوق الإنسان . المواقف الفكرية المتطرفة للإرهابيين الأوروبيين الذين يقاتلون في الشرق وأهدافهم النهائية في إزالة الأنظمة وقتل من يخالفهم الرأي لا تختلف إلا في طريقة الطرح والإجراء مع مواقف قادة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ، هؤلاء يريدون تحقيق نظامهم السياسي الذي يتخيلونه وقادة تلك الدول يريدون الاستمرار بنظامهم السياسي الدولي الذي يرون أنه يحقق فرض هيمنتهم على العالم واقتصاده وموارده، هؤلاء يدمرون الحضارة والإرث الإنساني وأغنياء أوروبا وأمريكا يشترون الآثار المغرقة بالقدم التي يؤمنها الطرف الأول بأبخس الأثمان ويدعمون بشكل مباشر وغير مباشر آلة الحرب الإرهابية الدولية في سورية والعراق في ظل صمت مريب لقادة الفكر والمنظرين الاجتماعيين الأوروبيين ما يوحي أن العنصرية الجديدة هي سمة عامة للمجتمعات الغربية وإذا كانت المساعدات "الإنسانية" التي تقدم للاجئين بكثير من "المنه" والضجيج الإعلامي هي حالة ايجابية يجب الاعتراف بها لألمانيا وبعض دول شمال أوروبا فيجب أن لا ننسى أن حالة البؤس والحروب والمجازر والتهجير والنزوح من العراق وسورية واليمن وليبيا ودول وسط افريقيا وشمالها هي ناتج طبيعي للسياسة الغربية الأمريكية في العقد الأول من القرن الحالي في هذه المنطقة ويجب أن لا ننسى أن أضخم حركة تهجير عرقي ومجازر حدثت بعد دخول الجيوش والأساطيل الأمريكية الغربية إلى المنطقة وليس قبلها وهي تذكرنا بالإبادة الأرمنية التي نفذها الأتراك بما يزيد عن مليون إنسان في وقت كان التنافس الأوروبي "ليس الأمريكي هذه المرة " في قمته لتقاسم المنطقة فيما عشرة آلاف ضابط وجندي ألماني يقدمون المشورة للجيوش العثمانية القاتلة . وخلال عدة سنوات من المباشرة بخطة أمريكا لشرق أوسط جديد وإثارة الفوضى "الخلاقة" قتل ملايين البشر في هذه المنطقة وهجرت ملايين أخرى ومحيت ونهبت آثار للحضارات الآشورية والكلدانية والرومانية والسريانية والإسلامية ودمر التاريخ الإنساني في مهد نشأته بإرهاب موجه من الغرب وممول من الخليج ومع ذلك علينا أن نقتنع بتصريحات قادة ذلك الغرب بأنهم يعملون من أجل الديمقراطية وحرية الشعوب وأنهم حماة حقوق الإنسان .. 
butros3s@gmail.com