بقلم: حاتم استانبولي
هنالك خلاف حول تعريف الإرهاب , ومفهومه بين الدول والقوى والأفراد. من حيث تقييم الأفعال وردات الفعل عليها . ولكن الجميع أتفق على أن الإرهاب هو فعل يتناقض مع السلوك الإنساني وعلاقاته , ويستخدم فيه الفرد أو الجماعة أو السلطة, وسائل غير ديموقراطية لفرض وجهات نظرها ومواقفها, وأحيانا تصل إلى الإلغاء والفناء.
وجوهره هو عدم الفهم العميق لأهمية القيمة الإنسانية ,وله جذر تاريخي, ومعرفي لمفهوم القوة والسلطة , وطريقة وأسلوب استخدامها في حل التعارض والتناقض بين البشر , وأحيانا مع الطبيعة، وما يتركه ذلك من أثر أخلاقي وبيئي .
وبلمحة تاريخية سريعة, وحسب الرواية الدينية فإن هابيل وقابيل أول من أستخدم هذا الأسلوب كطريقة في حل التعارض بينهما , وهذا أسس لمفهوم معرفي في التكوين النفسي والأخلاقي لبعض المجتمعات البشرية ،وهذا السلوك كانت أسبابه الشعور بالقوة واستسهال استخدامها ضد الضعفاء .
وإذا تطرقنا للتطور التاريخي للمجتمعات البشرية ,فان سوء توزيع الخيرات المادية دائما ما كان سببا لنشوء التعارضات والتناقضات بين الأفراد والقبائل، وبين القبائل والممالك , وفي المجتمع بين أفراده وطبقاته, وحتى في الأسرة الواحدة, وغالبا ما كان يلجأ أحد الطرفين لاستخدام القوة لإلغاء الآخر كطريقة لحل التعارضات والتناقضات بينهما , إن كانت بين الأفراد أو القوى أو الدول .
السمة العامة للإرهاب هو قيام الطرف الأقوى في المعادلة , باستعمال هذا الخيار في فرض مواقفه وآراءه ,إن كان على صعيد الأسرة أو الجماعة أو بين السلطة ومعارضيها او بين الدول، وبذلك فإن تعريف الإرهاب برأيي هو كل فعل ينجم عنه إلغاء أو تهميش أو عدم احترام للطرف الآخر بغض النظر عن صحة أو أحقية الفكرة أو عدمها .
بشكل عام كل إنسان بداخله إرهابي صغير، شرط نموه، هو شعوره بالإهمال أو الاضطهاد أو الإلغاء أو شعوره بالقوة (والجهل او العلم) في طرق استخدامها، وهنا أقصد القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية, وحتى المعرفية , وهذه أخطرها حيث يقوم أصحاب هذه الفكرة بالتسويق لهذا الفعل لأسباب مصلحية أيضا .
والخلاصة فإنني أرى أن الإرهاب هو فعل ارتبط بظهور الملكية الخاصة وجذر أسبابه يكمن في غياب العدالة في توزيع الخيرات المادية بين الأفراد والجماعات والقوى والدول , وجذوره تبدأ بالقرارات والسلوك الغير واعية في الأسرة والمجتمع والدول, ولتجنبه والتقليل من فعله ونموه, يتم من خلال البدء في صياغة مفهوم تربوي قائم على احترام النفس البشرية, وما يحيط بها, والتعامل معها كمنظومة كاملة مكملة لبعضها , بغض النظر عن موقعها في عملية الإنتاج الاجتماعي, أو أفكارها وعقائدها وجنسها ومنشأها، فإن التعرض لأي منها يؤدي بالضرورة لردات فعل تكون حدتها متفاوتة مرتبطة بحالة الوعي للفرد او للسلطة, فمنها افعال تنم عن جهل او افعال تنم عن وعي لتنفيذ مصلحة سياسية او اقتصادية.
هنالك شق أخر في مفهوم الإرهاب وهذا الاخطر وهو صناعة الإرهاب وهو ما تقوم به قوى متنفذة , تملك السلطة والقوة المادية, وتستعملها في صناعة الإرهاب وتنقله من مكان لآخر , وتنوع ادواته ووسائله ارتباطا بمصالحها . وتستخدم الموروث التاريخي في تغذيته . فالواقع يقول , اذا كان الإرهاب المنظم هو بحاجة لقوى مادية وبشرية لتنفيذ مهامه, ولتحقيقها يلزم قوى أكثر تنظيما وقوة لا يمكن أن تتحقق إلا برعاية دول لها نفوذ وقوة ,حيث أن وسائل القتل هي من صنعها, وهي تعلم طرق تمويلها وتسويقها ووصولها للمستخدم النهائي، والمتضرر الدائم لإرهابهم هو الإنسان العادي، وعندما يصاب أحد أركان أصحاب القوة بهذا الإرهاب تشن الحروب ويتضرر الإنسان العادي العنصر الأهم في التكوين الاجتماعي.
إن سوء واستسهال استخدام القوة هو المنبع الحديث لإرهاب الدولة، والقوة أعني بها القرار السياسي والاقتصادي والثقافي وانعكاساته الاجتماعية والأخلاقية .
وبالتدقيق بكل مجريات الأحداث الكبرى منذ نهاية القرن الماضي وحتى الآن فان السمة العامة لممارسة الإرهاب كانت من قبل مراكز راس المال, ان كانت من خلال الحروب المباشرة, او من خلال المؤسسات الاقتصادية ,كالبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية , التي انتهجت سياسة حل التعارضات فيما بينها وأنشئت مؤسسات خاصة لهذا الهدف.
اما فيما يخص الدول النامية, التي لم ترضخ لسياساتها الاقتصادية, والتي كانت من الممكن ان تكون نموذجا لمحيطها ومثيلاتها, فقد خيضت سياسة الاحتواء مع البعض منها, وسياسة العقوبات من اجل الارضاخ مع البعض الآخر, بجانب سياسة الغزو المباشر ,وتدمير صيغة الدولة ,وتفكيكها ومحاولة اعادة بنائها بما يتوافق مع مصالحها، فيما استعمل البعض الموروث الديني والمذهبي كشكل لتدمير صيغة الدولة في هذه الدول ،لهذا فان الإرهاب المتنقل المنظم والمجهز لا يمكن ان يكون وراءه إلا قوى اكثر تنظيما وقوة .
وكنتيجة فان الحروب القادمة , ستكون حروب بالوكالة , ممولها راس المال ,ووقودها وضحاياها المجتمعات الإنسانية، اما عن أدواتها فستكون قوى متدحرجة ومتغيرة ومتلونه . ولكن جوهرها ومحركها ومستخدمها ومنبعها وممولها وجذرها المعرفي واحد.جذور الأرهاب!!
2015-11-18