2025-06-14 06:45 م

كل الطرق تؤدي إلى مكة؟

2015-11-19
بقلم: منير الخطيب
كان ينقص الدول الغربية الكبرى المزيد من الدماء لتأخذ موقفاً من الإرهاب. غريب أمر هذا العالم ومعاييره المزدوجة. طعم الموت في باريس غيره في دمشق أو بيروت. وانتهاك الحريات وسلب الحقوق تستحق قلب الأنظمة في دول الشرق إلا في فلسطين.
اليوم باتت الحرب على الإرهاب ديناً عالمياً. نبوءة جورج بوش الإبن تحققت: «من ليس معنا فهو ضدنا». كذلك نبوءة أسامة بن لادن: «العالم فسطاطان، الخير والشر». بات الإرهاب العدو الذي يوحد العالم. وتبقى تباينات في تفاصيل مواجهته ومن تشمل لائحة الأعداء.
في الحرب الجديدة الإسلام هو المستهدف. تتضاءل الفروقات بين إسلام معتدل وآخر سلفي وأصولي جهادي. الشعور بالخجل من التعميم لم يعد سائداً. يتراجع ليأخذ محله موقف بالمواجهة وعزل المسلمين.
الإصرار على أن الحرب هي على الإرهاب لا على الإسلام لن تنقذ المسلمين. حالات الذعر تتفشى بين اللاجئين الجدد إلى أوروبا، وبين المقيمين القدامى، ولن ينفع الحديث عن الدمج ومسؤولية فشله. لن تستطيع لوم الأوروبي الهانئ في يومياته على تغير مزاجه وتعميمه العداء ضد عموم المسلمين. «لا تزر وازرة وزر أخرى» لا تصح على الضفتين. التعميم ضد دين القاتل مساوٍ للتعميم ضد جنسية القتيل. خاض الأوروبيون حربين عالميتين، ليتوحدوا. جاءت مجموعة قتلة وأعادت الحدود خلال دقائق. انقلاب كبير وقع في يوميات الأوروبيين الذي عادوا للاصطفاف في طوابير التدقيق في الهويات على المعابر.
صحيح أن الخطيئة الأصلية هي احتلال فلسطين، وهي أساس كل الإحباطات الممكن أن تتحول إلى تطرف، إلا أن هناك علة فينا كعرب وكمسلمين، سمحت بنمو بذرة الإرهاب وانتشار الظلامية. نحن من دون أدنى شك سهّلنا انطلاء الصفة المشؤومة علينا. التواطؤ بين هويتي المنطقة الإسلامية والعربية لمنع الاصطدام بين مكوناتهما، أسّس لخلق حالة ثالثة رافضة، اتجهت الى القوميين فاصطدمت بعجزهم ونكساتهم. وذهبت الى الإسلام فانبهرت بثروات الخليج وفشلت في الانخراط في نظمه المالية، وضاعت بشبكاته الاعلامية، وعندما طالبت بحصة ودور قيل لها إلى الحرب المذهبية، ضد كل ما هو ليس على طريقة تفسيرنا للإسلام الصحيح. هنا صار من السهل مذهبة الصراع وتكثيفه وبالتالي توسيعه، من ديار العرب الى كل العالم. وصار تمويل التطرف واحتضانه فكرياً وشرعياً سبيلاً لبقاء الحكم وحمايته.
بإمكان دولة كالسعودية أن تقول إنها تكافح التطرف وإن أجهزتها تطارد ليل نهار الارهابيين، وتصدر لوائح شبه يومية بإرهابيين جدد وتعمّمها على الأجهزة الامنية حول العالم. لكن الأساس يبقى بقاء الحكم الذي لا شرعية له إلا في التفسير الوهابي المتزمت للإسلام. السكوت عن الظلاميين شراكة معهم، وتواطؤ لاحتضانهم. آن الأوان لأن تُسمى الأشياء بأسمائها والتوقف عن التلطي خلف الحساسيات الكيانية، والجبن أمام الهيمنة السعودية على عقل الإيمان وقلبه. الحرب على الإرهاب تشارك فيها أميركا إلى جانب روسيا وأوروبا. حلف لم يعرفه التاريخ من قبل. ونحن لا زلنا نبحث في تفسير مصطلح «سلفي جهادي». ليس عذراً أن نقول إننا حذرنا من انتشار التطرف. بعض الأنظمة شغلته واستضافته وسمحت له بتأسيس شبكات عصية على التفكيك. عقائدياً، «كـل الطرق تؤدي إلى مكة»، ولكننا مسؤولون أيضاً.
عن صحيفة "السفير" اللبنانية