أن يُذكّر أوباما خصمه الروسي بما حصل في أفغانستان , وفي وقت يكثر فيه الحديث عن تحالف موسع لمواجهة الإرهاب, وفي موازاة إعلان وزراء خارجية الناتو عن دعمهم الجوي الكامل لأنقرة وإن لم يربطوا ذلك بحادثة إسقاط تركيا للطائرة الروسية التي وجدت فيها الخارجية الروسية سبباً لتعقيد المفاوضات حول سورية , فإن ذلك يقود بالضرورة إلى أن مشاهد المناطحات ومفردات التحدي والاشتباك تبقى المتصدر الرئيس للواجهة السياسية للمشهد السوري, وإنْ تخللها بعض مفردات الليونة و" هدوء الخطاب " الذي جاء على لسان وزير الخارجية الإماراتية وخلال اجتماعات اللجنة الروسية الإماراتية المشتركة في أبو ظبي لجهة وصفه لحادثتي إسقاط الطائرتين الروسيتين المدنية والعسكرية بالعمل الإرهابي , وكذلك ما تكاثر من ذات الليونة في تصريحات وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية , إضافة لما أبداه رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو من حرص بلاد على الأمن القومي الروسي , ومواصلة تفعيل القنوات الدبلوماسية والعسكرية مع روسيا للتخطيط المشترك لمواجهة الإرهاب وإعلانه عن عملية سياسية ستشهدها سورية مطلع العادم القادم تشارك فيها تركيا وروسيا والولايات المتحدة والعربية السعودية , إلا أن ذلك لن يلغي حلقات التصعيد , و" التوغل" أكثر في مشهدية الاشتباك الحاصلة في الميدان السوري , الذي بات ميداناً " لكباش " الرؤوس الدولية ومسرحاً للتلاقي الدولي المتنامي في الشكل تحت سقف توحيد الجهود لمواجهة الإرهاب , فيما يفرغ المشتبكون في مضمونه حمولات ٍ ومشاهد وسيناريوات ٍ بالجملة من مسلسل تصفية الحسابات وعض الأصابع وإفشال الخصم في تسيد المشهد الدولي وفرض مقاساته في عملية تفصيل الحلول لجملة من الملفات الملتهبة في المنطقة.
ما يدحض فرضية تقارب الرؤى والتلاقي السياسي بين المشتبكين في الملف السوري التي قد يتحدث عنها أو يشي بها تصريح ٌ هنا أو مشهد ٌ هناك يمكن إيجازه في نقطتين رئيستين :
- أن الحراك السياسي والطروحات وجملة الأجندات التي يطرحها كل من الروسي والأميركي إنما تشكل في حيثياتها منظومة عمل واستراتيجية خاصة بكل طرف على حدى لا يتوافر فيها الحد الأدنى من العمل المشترك الجاد , وإن كل ما يتبدى إنما أساسه " الانفراد " في صدارة المشهد وصوغ الخيارات الأحادية , وتصفير رصيد الخصم من كل أوراق الربح والتعويل على مرحلة بعينها من مراحل الصدام , ومن هنا نفهم توقيت ومدلولات ما أعلنه وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر لجهة توسيع عمل القوات الخاصة الأميركية في سورية الذي جاء في اعتقادنا كرد على الحراك الروسي الذي يصيغ مساره الخاص في الميدان السوري أعلن فيه بوتين أن سورية بحاجة إلى قوات برية يقودها السوريون .
- مضي خصوم موسكو وتحديداً حزب الله والجمهورية الإسلامية في تصدير سقوف عالية لجهة تعزيز الطروحات الروسية وإقصاء الخصم , إذ أكد ولايتي خلال لقائه الأسد في دمشق أن الثلاثي الروسي والإيراني والسوري هم فقط من يحددوا مستقبل المنطقة , مضيفاً وخلال مقابلته الأمين العام لحزب الله أن إيران ماضية في مواجهة الإرهاب في سورية حتى النهاية , ومن هنا نفهم توقيت الإعلان الإسرائيلي وعلى لسان نتنياهو عن أن قواته كانت تتدخل من وقت ٍ إلى آخر في الميدان السوري لمنع فتح جبهة فيها ضد إٍسرائيل وكذلك الحيلولة دون موصول أسلحة فتاكة من سورية إلى حزب الله , وهو نفسه ( أي نتنياهو ) من وصّف نتائج المشهد التحالفي الحاصل بين إيران وحزب الله لجهة بأنه غير معني بانهيار داعش بقدر ما يعنيه تزايد قوة حزب الله وإيران .
حديث أوباما على هامش قمة المناخ في باريس وتحذيره لبوتين من مغبة التدخل فيما سماها الحرب الأهلية في سورية وأن ذلك لا يشكل الناتج الذي يبحث عنه , إضافة لحديثه عن معارضة معتدلة ستجتمع مع الولايات المتحدة لتشكل وحدة للتفاوض تدفع فيينا إلى الأمام , طالباً من الروس أن ينضموا لتحالف أميركا لمواجهة داعش , هو ما يشكل ماهية العاصفة الأميركية خلال المرحلة القادمة , تهب رياحها العاتية من مثيرَين أساسيَين : صياغة المزيد من عوامل إيلام الروس في سورية عبر داعش وغير داعش , وإنهاء التحركات الأحادية الروسية للانضواء تحت المظلة الأمريكية التي يريدها الأميركي أن تكون قائداً وموجهاً أوحداً في المنطقة .
ما بين ثقة أوباما في التوصل إلى حل سياسي في سورية وعدم توقعه أن تغير روسيا من استراتيجيتها 180 درجة على المدى القريب , وإن ذلك الأمر يتطلب وقتاً , وبين " تهافت " الغرب لحماية شعبه من الارهاب انطلاقاً من الميدان السوري إذ أعلن رئيس الوزراء البريطاني أن على بلاده التدخل العسكري الجوي في سورية وعدم ايكال المهمة للغير فقط للدفاع عن شعبه فيما أعلن بوتين أن جنوده يتصدون في سورية لحماية روسيا وشعبها , تغدو سورية الميدان الأكثر التهاباً , كل سماء ٍ فوقها جهنم , وكل أرض ٍ فيها جهنم .
* كاتب صحافي فلسطيني .