بقلم: بطرس الشيني
رغم هول المجزرة التي ارتكبها الإرهاب بحق الأبرياء في باريس مازالت محطة فرانس24 التابعة للدولة الفرنسية تعمل بطريقتها التقليدية كواحدة من أهم المحطات الفضائية الدولية الداعمة للإرهاب في سورية والعراق ومازالت تغدق لقب "الجهاديين"على آلاف الإرهابيين الدوليين الذين يقتلون الشعب السوري ،
قد يكون لقب "الجهادي"في الثقافة الغربية أوالفرنسية مجرد لفظ مرتبط بمنظمات تمارس القتل ولكنه في ثقافة الشرق يعتبر مكافأة كبيرة ولقباً ايجابياً يطلق على شخص يحظى باحترام قاعدة واسعة من شعوب المنطقة "وبما أن فرنس 24 توجه رسالتها الإعلامية باللغة العربية فإن هيئة تحريرها تعرف ماذا تقول وما أثره خاصة أنها محطة مسموعة في شمال إفريقيا وأوروبا أي في المناطق التي قدمت أكبر عدد من الإرهابيين أوما تسميهم المحطة "الجهاديين "الذين يمارسون القتل في سورية والعراق ..
مارست هذه المحطة " منذ خمس سنوات وحتى الآن التحريض المباشر على القتل في سورية وكانت واحدة من أكثر المحطات الأوربية تطرفاً في دعم جميع المنظمات الإرهابية في سورية واستضافت في نشرات أخبارها وبرامجها الحوارية وحتى الثقافية عشرات الشخصيات الداعمة للإرهاب وعرضت في تقاريرها ونشرات أخبارها أعداداً لا تحصى من الأخبار المفبركة وضربت عرض الحائط بأسس العمل الإعلامي وتجاهلت دوماً ضحايا الإرهاب من المدنيين والأطفال ،ولكنها عبرت بشكل جيد ومتطابق عن السياسة الفرنسية الداعمة للارهاب في ظل "ساركوزي "ثم هولاند وخاصة وزير خارجيته فابيوس الذي كان ومازال يتحدث بطريقة تشبه تصريحات زعيم القاعدة أو زعيم داعش فيما يتعلق بسورية .
من تابع محطة "فرانس 24"وشقيقاتها الأوربيات بعد المجزرة يظن أن الإرهاب ينحصر فقط بعدة إرهابيين ارتكبوا مجزرة باريس أما عشرات آلاف الإرهابيين في سورية والعراق وعدة آلاف منهم من الأوربيين فهم مجموعة من "الجهاديين "أو هم "معارضة معتدلة"!؟
هذه المحطة تعكس الصورة الحقيقية للسياسة الفرنسية الخاضعة لدرجة الذل التام أمام المال الخليجي ،وكما استضافت باريس العديد من عتاة الإرهاب فإن هذه المحطة فعلت الأمر عينه وشكلت دوماً منصة لنشر الكراهية والطائفية ودعم الإرهاب في سورية .
فيما مضى أجرينا دراسة مقارنة وصلنا نتيجتها إلى أن ألـ بي بي سي
كانت وما زالت تعتبر المحطة شبه الرسمية لحركة الإخوان المسلمين المسلحين فيما تعمل فرانس 24 بقوة لتمثيل منظمات أشد فتكاً وإجراماً ،وطريقة تغطيتها لمجزرة باريس وعدم تسليطها الضوء على الحالة الإنسانية للضحايا وأسرهم ومعاملتهم كأرقام تجعلنا نظن أن هيئة تحرير هذه المحطة تضم العديد ممن يحملون فكر القاعدة وأن الأمر لا يتعلق فقط بنقل توجيهات قادة فرنسا السياسية بشأن سورية .
كان من الطبيعي خلال عدة سنوات أن تتجاهل هذه المحطة المجازر ضد المدنيين التي قامت بها داعش والنصرة ووفق مايطلقون عليها المعارضة المعتدلة "في سورية وكان من الطبيعي ألا تتضامن هيئة تحرير المحطة مع عشرات الصحفيين الذين قتلهم الارهاب في سورية والعراق لأنها بذلك تصرفت كما قادة فرنسا ، وكان من الطبيعي أن تتجاهل مقتل خمسة آلاف مدني وجرح عشرات الآلاف في اليمن وفق احصاءات الأمم المتحدة في قصف الطائرات السعودية ومن الطبيعي التماهي مع بعض الأنظمة الرجعية في الخليج في قمعها للحريات وخرقها الفاضح لحقوق الانسان فالمحطة بذلك لم تخرج عن سلوك ساسة فرنسا في آخر عشر سنوات في الانبطاح أمام مال النفط الخليجي وكان من الطبيعي أن تستثمر العمل الارهابي ضد ضحايا الطائرة الروسية فوق سيناء لخدمة السياسة وأن تتجاهل آلام الضحايا كل ذلك كان طبيعياً لمحطة تمثل الوجه الحقيقي لسياسة فرنسا ولكنه لم يكن من الطبيعي أو المنطقي أن تتعامل مع ضحايا مجزرة باريس من المدنيين الفرنسيين بتلك الطريقة المزرية وليس من الطبيعي أن تخصص وقتاً للتأثيرات الاقتصادية للعمل الارهابي أكبر من ذلك الذي خصص للضحايا .. ولا أن تستثمر الحادثة بكل وقاحة لزيادة جرعة التحريض على سورية وجيشها ، رغم أن هذا الجيش هو القوة الرئيسية التي تحارب داعش .
في رصدنا لأداء محطة فرانس 24 خلال ثلاثة أيام من مجزرة داعش في باريس يمكن إيجاز أداء المحطة بالنقاط التالية :
تابعت المحطة استخدام المصطلحات والتعابير المستنسخة من محطة الجزيرة الداعم الرئيسي للارهاب في المنطقة فاستمرت في اطلاق تسمية " الجهاديين" على الارهابيين في سورية فيما أطلقت على من نفذ عمليات باريس لفظ " الارهابيين" واستمرت بإلغاء صفة المؤسساتية عن الدولة السورية فاستخدمت تعابير مثل " قوات النظام " في وصف الجيش السوري وتعبير طائرات النظام عوضاً عن سلاح الجو السوري وبالمقابل قسمت الارهابيين في سورية إلى " جهاديين " ومعارضة مسلحة أو معارضة معتدلة..
تجنبت المحطة الخوض في أي حوار حول أصل الارهاب والتطرف وارتباطه بالفكر الوهابي السعودي القطري وكان من اللافت مقاطعة أي ضيف أو محلل يذكر اسم النظام السعودي أو القطري وتحويل الحوار إلى وجهة أخرى وركزت المحطة بشكل أساسي على قضية لاعلاقة لها بالمجزرة وهي مستقبل ما سمته " النظام السوري" ومستقبل الرئيس السوري وكان المعدل الوسطي لعدد مرات ذكر اسم الرئيس السوري يومياً يتراوح بين 30 إلى 50 مرة فيما لم يذكر اسم رئيس تنظيم داعش الارهابي الذي نفذ المجزرة إلا مرة واحدة أي أن المحطة زادت من جريمة العداء للدولة السورية بعد المجزرة وليس لمن ارتكبها .
استضافت المحطة بعد المجزرة مجموعة كبيرة من المحللين والصحافيين والدارسين الذين يعملون في مراكز أبحاث ممولة من الخليج وجميعهم من المشهورين بتأييدهم للارهاب " بمختلف مسمياته".
طمست المحطة تصريحات الساسة الفرنسيين الذين أشاروا بالاتهام إلى أصل الارهاب ومموليه وخاصة التصريحات التي تناولت السعودية وقطر وتركيا ، وتمت الاشارة إلى هذه التصريحات بصورة مقتضبة ولم يتم إعادتها في وقت أرفقت بوصف " يمني " أو يمني متطرف على السياسي الذي أطلقها ..
تجنبت المحطة في تحليلاتها أي ذكر لدور فرنسا في دعم الارهاب واختفت تماماً تصريحات وزير الخارجية " فابيوس" المعروف كأحد أكثر السياسيين الفرنسيين دعماً للارهاب في سورية وبالتالي تجاهلت إلى درجة كبيرة الانتقادات التي طالت الحكومة الفرنسية وهولاند لمواقفهم السابقة وبدت بذلك أشبه بمحطة تلفزيونية تشبه محطات الخليج.
تجاهلت المحطة تماماً المعلومات الصحفية التي تحدثت عن نشاط انتحاريي باريس في سورية والمنظمات التي حاربوا معها والأماكن وخاصة المعلومات التي تحدثت عن تلقي أحدهم العلاج في المشافي الاسرائيلية وعودته إلى فرنسا عن طريق مطار اسرائيلي . butros3s@gmail.com