بقلم: سمير الفزاع
ما هو تأثير الوجود العسكري الروسي على إستقلال القرار السوري وسيادته الوطنية؟ وما هي خلفيات "البكاء" على السيادة، هل هو بكاء على سيادة مهدورة أم بكاء من أجل إهدارها؟. يرتبط السؤال عن تأثير الوجود العسكري الروسي على السيادة الوطنية وإستقلال القرار السوري بسؤال آخر أكثر دلالة وكشفاً، كيف يوصف صاحب السؤال ما يجري في سورية منذ أربع سنوات ونيف، أهو ثورة شعبية ضد السلطة أم نموذج جديد من الحروب الإستعمارية؟.
الثورة حركة إجتماعية ذات شكل خاص تستند إلى مجموعة عناصر، وإذا فقد أحدها كانت هذه الحركة شيئاً آخر غير الثورة، وفي كل مرة تفقد فيه هذه الحركة عنصراً جديداً تقترب أكثر فأكثر من صيغة الإنقلاب أو الثورة المضادة؛ بل وحتى الغزو المقنع، وهذا الأمر بات مكشوفاً بعد إنتشار الثورات الملونة في غير مكان من عالمنا. الثورة تحتاج إلى فكر جامع تقدمي الطابع، وقيادة وطنية موحدة ومعروفة العنوان، وقاعدة شعبية واسعة تضم شرائح المجتمع كافة، تنحاز إلى حركات التحرر الوطني وتنحاز لها، وتناهض بطبيعتها الفكر الرجعي والإستعماري... وفي نظرة سريعة وموضوعية سنكتشف سريعاً أن أي من هذه العناصر لا يتوفر عند مدعي الثورة؛ بل سنجد ألآف الشواهد والأدلة بأن هذه الفصائل ما هي إلا أدوات إرهابية بكل ما للكلمة من معنى... ورأس حربة لغزو خارجي تقوده قوى إستعمارية-رجعية-متصهينة، تستخدم أحدث الأسلحة وأبشع طرق القتل و"التجريف" الحضاري والإنساني، ولا علاقة لها أبداً بالشعب السوري ومصالحه... واليكم بعض الحقائق حول الحضور العسكري الروسي:
1- أمريكا التي لم تخرج من بلد "دخلته" إلا بعد مقاومة مريرة وطويلة، ترى أن محاربة داعش ستستمر لثلاثة عقود... لم تثر حفيظة شيوخ الفتنة وأبواق المجارير، ولم يروا في طائراتها "غزو صليبي" لإبادة "السنة"، بينما روسيا وريثة الإتحاد السوفيتي، الذي كان لديه عشرات ألآف الخبراء العسكريين والمدنيين في مصر وقدموا لها ما لم يقدموه لأي بلد عربي، وعندما طلب منهم الخائن أنور السادات "مغادرة" مصر غادروها دون أدنى تأخير.
2- سورية بصمودها النادر تدافع عن العالم بأسره ومن ضمنه حلفائها، بوجه "سيل" لا يتوقف من الإرهابيين وغرف علميات كبرى تدير تجميعهم ونقلهم وتمويلهم وتدريبهم وحركتهم وأهداف إجرامهم... وجيوش كانت حاضرة ميدانياً دائماً لدعمهم وفتح الطريق أمامهم. لنتذكر ما حصل في حارم وكسب... ومؤخراً في إدلب والقنيطرة، في هاتين المنطقتين، وخصوصاً في إدلب، واجه الجيش العربي السوري حرباً حقيقة كان لدبابات ومدفعية الجيش التركي، ودعمه اللوجستي، وأجهزة الرصد والتشويش، والكم الهائل لصواريخ التاو الأحدث، وألآف المقاتلين الذين جلبتهم تركيا خصيصاً لهذه المعركة من شيشان وإيغور وأوزبك... الكلمة الفصل في إحتلال تركي حقيقي للمحافظة... هل عدم رفع العلم التركي في قلب إدلب يعني أن "المحيسني" أصبح "ثائراً" سورياً لا يخدش وجوده السيادة السورية والقرار الوطني؟.
3- تحدثت واشنطن التي تقود تحالف من ستين دولة، عن حاجتها لثلاثة عقود حتى "تقضي" على داعش في سورية والعراق، فكم من الوقت ستحتاج للقضاء على النصرة الموجودة على ذات القائمة التي صنفت داعش كحركة إرهابية؟ وماذا عن حركة خراسان العدو رقم (1) لأمريكا؟ وماذا عن مشروع "المعارضة المعتدلة المسلحة" الذي تمخض عن أربعة من "المقاتلين" الخارقين، هل "سيحررون" سورية كما فعل "رامبو" في أفغانستان؟ وما هو مصير السيادة السورية خلال هذه العقود الثلاثة؟... إسئلة لأصحاب "الحس السيادي".
4- سورية ليست الدولة الوحيدة التي تطلب من حلفائها الدعم بوجه عدوان خارجي بأدوات داخلية، أو بأدوات خارجية تحت غطاء من الداخل. حصل هذا في كوبا عندما تدفق أكثر من 5000 مرتزق وعميل ممن دربتهم "C.I.A" بغطاء جوي وبحري أمريكي لقلب نظام الحكم في كوبا وتسليمه لعملائها، لكن الجيش الكوبي ووحدات الدفاع الشعبي كنسوا حثالة واشنطن وردوها إليها. وحصل في مصر إبان العدوان الثلاثي، عندما تهيأت فئة عميلة لإستلام الحكم بعد أن يسقط التحالف البريطاني-الفرنسي-الصهيوني الراحل العظيم جمال عبد الناصر. وفعلها أبو الجمهورية الفرنسية "ديغول" بوجه حكومة الجنرال الخائن "بيتان"... فلماذ مطلوب من سورية أن تبقى تراقب "الدود" يأكل لحمها الحيّ دون أن تستعين بحلفائها، ولمصلحة مَن إستمرار هذا الإستفراد والإستنزاف؟.
5- روسيا جاءت في آخر قائمة "الواصلين" إلى سورية، حيث لم يبق دويلة ولا كيان ولا نظام... إلا وعبث بالسيادة والدم السوري، ودون أي شكل من أشكال المشروعية، فلا قرار أممي، ولا طلب من الحكومة السورية يغطي هذا التدخل. وبلغت الوقاحة بأن وصفوا القيادة والحكومة السوريتين بالغير شرعية مع أنهم وقعوا معها قبل عامين تقريباً إتفاقاً لتسليم الأسلحة الكيمائية... بعكس روسيا تماماً، التي حافظت على علاقة مع كل الأطراف، سلطه ومعارضة وحتى أدوات غزو، ودعت لتشكيل تحالف يحارب الإرهاب بشكل جدي وبغطاء أممي واضح وتعاون تام مع الحكومة السورية... ولكن الطرف الآخر أصر على مشروعه الإستعماري-التفتيتي، فأدركت روسيا عمق تورطهم في هذا المشروع، ولبت نداء القيادة السورية الشرعية بدعمها لمكافحة هذا الغزو الإرهابي... فأرتفع صراخهم وتهديدهم، والحجة السيادة السورية!.
6- لقد أثبت الحلف المقابل "لمحاربة الإرهاب" بأنه مستمر بتحقيق مصالحه وأطماعه بعيداً عن مصالح سورية وشعبها، ولنتذكر هنا لحظة دخول تركيا حلف واشنطن عقب حادثة "سروج" التي نتج عنها أكثر من ثلاثين ضحية جلهم من الأكراد... حيث قامت الطائرات التركية بثلاث غارات ضد داعش مقابل ثلاثين غارة ضد الأكراد، ثم توقفت الغارات ضد داعش تماماً بينما إستمرت بقصف الأكراد حتى داخل الأراضي العراقية... أين هي مصلحة سورية في هذا القصف، وأين هي مكافحة الإرهاب؟.
7- هناك من يقول بأن روسيا جاءت لتنقذ الجيش العربي السوري من الإنهيار، والنظام من السقوط. من حيث المبدأ لا أحد يستطيع أن يمنع جيشاً من الإنهيار إذا أوشك على الإنهيار، ولا أن ينقذ نظاماً من السقوط خصوصاً إذا قرر شعبه إسقاطه... والشواهد التاريخية أكثر من أن تحصى، فهذا شاه إيران الذي كانت تسجد له محميات الخليج، وتدعمه واشنطن سقط عندما قرر الشعب إسقاطه ولم يُغنوا عنه شيئاً. ونظام "سايغون" فيما كان يعرف بفيتنام الجنوبية، الذي كان "يحرسه" 500 ألف جندي أمريكي وكلفها قرابة الـ60 الف قتيل، سقط وهزمت واشنطن!... إنما هي الدعاية "السوداء" لضرب المعنويات، وخلق جو من الشك والقلق يبدد أجواء التفاؤل والأمل بنصر قريب.
* كلمة أخيرة:
صحيح بأن سورية بقيادتها وجيشها وشعبها يخوضون حرباً معقدة منذ خمس سنوات تقريباً، وأن هذه الحرب أثرت على قدرات الجيش العربي السوري بسبب طبيعة هذه الحرب، وطول مدتها، والإستهداف الدائم للعنصر البشري والمطارات ومنظومات الدفاع الجوي، وتصفية الخبرات العسكرية والمدنية، وضرب مقومات الصمود... لكن أهم ما قدمته موسكو حتى "اللحظة"، الغطاء السياسي من دولة عظمى الذي تحتاجه سورية لمواجهة حلف العدوان الذي تقوده دولة عظمى، والمظلة الجوية الحديثة ذات القدرة التدميرية العالية والدقيقة لمواجهة مشروع الغزو الإرهابي من جهة، ولتكون النّد لطائرات تحالف من ستين دولة من جهة ثانية.
لقد أظهر التدخل الروسي طبيعة وجوهر الصراع في سورية، فهو صراع مع مشروع عسكري-إستخباري-دولي لا صراع شعبي-سياسي-محلي من حيث طبيعته... وأما جوهره، فهو محاولة لهزيمة إستراتيجية واشنطن للقرن الواحد والعشرين القائمة على "الهندسة الإجتماعية" للأنظمة والدول عبر الحروب اللامتماثلة... أي إسقاط فرصة أمريكا لتبقى القطب الأوحد بإتباعها إستراتيجية تفكيك الأنظمة، وتفتيت الدول، وإعادة رسم الخرائط. ما ينتج مناخ من الفوضى يمكن إستثماره بيسر، وخلق جيوش من الإرهابيين تجعل منها أدوات غزو تحقق أهداف واشنطن الجيوسياسية، بعد أن امسكت "برأسها" وسيطرة على "بيت مالها" وتحكمت "بدينها"... .
لن أتكلم عن "أراجوزات" الدين والسياسة والإعلام العرب الذين يتباكون على السيادة السورية من محميات أمريكية وبريطانية وفرنسية... سأذكرهم "بسيادة" أحد أهم حلفائهم، ودولة عضو في مجلس الأمن، ومنها تتعالى أصوات رفض التدخل الروسي... وكيف يكون الإحتلال "المقنع" والسيادة المهدورة. عام 2011، وقع الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي على اتفاق مع نظيره الروسي بوتين لبناء حاملتي طائرات من نوع "ميسترال" بصفقة وصلت قيمتها إلى 1.2 مليار يورو، إنتهى العمل بإنتاج الحاملتين... لكن إعتراضاً أمريكيّاً على الصفقة أجبر فرنسا على "لحس" توقيع رئيسها، ومخالفة إتفاقية وقعت بإسم الجمهورية الفرنسية، وعلى حساب مصالح فرنسا الإقتصادية... إنها السيادة... أهلاً سيادة.
روسيا تسقط الاستراتيجية الامريكية لتفكيك الدول عبر الحروب اللامتماثلة!!
2015-12-08