في معقل حرية الإنسان وقلعة الديمقراطية، واعتباراً من الثامن وحتى العاشر من كانون الأول 2015، تلتئم «المعارضات السورية المعتدلة» في المملكة الوهابية. استجابة لطلب غالبية أعضاء فيينا ورغبة المعارضة السورية، وانطلاقاً من دعمها لحلّ سياسي في سوريا، واستناداً على بيان فيينا2، وجهت المملكة دعوتها لكافة شرائح «المعارضة المعتدلة»، حيث ستوفر لهم التسهيلات الممكنة لمفاوضات "مستقلة"، والخروج بموقف موحد؛ بحسب تصريح الخارجية السعودية. إئتلاف اسطنبول الذي ينتمي غالبية أعضائه إلى التيار الذي يعتبر الديمقراطية «مخالفة لشريعة الإسلام وتتنافى مع إقامة الدين و التوحيد»، وضع خطته للإنتقال السياسي في سوريا، على منسف الرياض. الخطة احتفلت بالتعددية والمواطنة والديمقراطية، وبسوريا الجديدة التي يكون فيها الشعب مصدر السلطات، لكنّها خلت من الهوية العلمانية لسوريا الجديدة، وأكدت على أن الإئتلاف هو من سيشكل وفد المعارضة للمفاوضات مع النظام بدون الرئيس الأسد و"قيادات نظامه"؛ وهذا ما يجعل خطة الإئتلاف مجرد نباح مكرر، إضافة إلى نفاق سياسي حول تعددية وديمقراطية لم تعد تقنع أحداً، باستثناء هيئة عبد العظيم ودولة لؤي حسين و اتحاد ديمقراطيي كيلو والمستقل جمال سليمان.
»»» الأزمة السورية التي لم تغب "شمسها" عن سماء نيويورك خلال السنوات الخمس الماضية، فكانت حاضرة باستمرار على طاولات منظمات هيئة الأمم المتحدة، لا بوصفها مأساة شعب ودولة يعانيان من الإرهاب، بل كانت أشلاء أبنائها ودماء شهدائها وجرحاها والأجساد والرؤوس المقطعة واللاجئين، ممددة على طاولات النفاق الأممي والإستثمار السياسي والثأر القبلي. الأمين العام للأمم المتحدة اعتبر أن جزءا كبيرا من أزمة اللجوء والإرهاب ينبع من "الصراع في سوريا"، قبل أن يعلن بأنّ الاجتماع الدولي المقبل للبحث عن حل سياسي للأزمة السورية، سيعقد في نيويورك.وأضاف: "نعمل على إطلاق مبادرة في بداية كانون الثاني 2016، تشمل محادثات سياسية بين السوريين ووقفاً لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا".وزير الخارجية الروسي قال بأن مشاركة بلاده في نيويورك مرهون بتنفيذ قرارات فيينا حول قوائم الإرهابيين ووفد المعارضة السورية، أضافة إلى موافقة جميع المشاركين في عملية فيينا على التوقيت والمكان.
»»» في الرابع من تشرين الأول 2011، استخدمت روسيا والصين حقهما في الفيتو ضد قرار في مجلس الأمن ضد سوريا. القرار المقترح كان يستند على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويرى الأزمة السورية بعيون "أصدقاء الشعب السوري". تكرر مشهد الفيتو المزدوج في شباط 2012، ضد قرار يؤيد خطة "نعاج الجامعة العربية" فيما يتعلق بالأزمة السورية، وكذلك في تموز 2012 في وجه مشروع القرار البريطاني الأمريكي الذي يدعو لتنفيذ خطة «كوفي عنان» تحت الفصل السابع، وأخيرا في أيار 2014 ضد المشروع الفرنسي الذي يطلب من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في "الحرب الأهلية" الدائرة في سوريا. في المرات الأربع التي بقيت فيها اليد الروسية والصينية مرفوعة في وجه القرارات المنحازة لأعداء الشعب والدولة السورية، كان الأمين العام يعرب بلسان سيده الأميركي، عن إحباطه من المجتمع الدولي الذي أضاع فرصة القيام بجهد موحد، وفشل في حماية الشعب السوري، وأنه لن يدخر جهدا لإنهاء العنف واحلال الديمقراطية، وعلى السلطات السورية أن تسمع صوتا واحدا لوقف فوري لأعمال العنف ضد شعبها.
»»» تشرين الأول 2011، الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا يؤكد بأنه مع إعلان تحرير ليبيا بدأ تنفيذ التزامات المجلس الانتقالي الليبي التي ستقوم خلال شهر بتشكيل حكومة مؤقتة وبعد ثلاثة أشهر ستعتمد نظاما انتخابيا وهيئة انتخابية لتجري الانتخابات البرلمانية بعد ثمانية أشهر. بعد أكثر من أربع سنوات على تلك الالتزامات، وتحديدا في 7 كانون الأول 2015 يؤكد الممثل الخاص للأمم المتحدة ( ممثل آخر غير ممثل الإلتزامات)، بأنّ الاتفاق السياسي الليبي هو الأساس لإنهاء النزاع في ليبيا، وقال بأن هذا الإتفاق يؤسس لتوحيد البلاد ومحاربة الإرهاب ومعالجة الوضع الاقتصادي المتردي في ليبيا. النموذج الليبي للتحرير والتغيير لم يثر إحباط «بان كي مون»، فالمجتمع الدولي لم يضيع فرصة حماية الشعب الليبي واحلال الديمقراطية. بالتأكيد يمكن الحديث عن أي شيء في ليبيا المحررة، ما عدا عن التعددية والحرية والديمقراطية والمواطنة والعدالة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية، فالحديث يدور اليوم، عن ضرورة اتفاق سياسي لتوحيد البلاد ومحاربة الإرهاب الذي كان شريكا للمجتمع الدولي في عملية التحرير!!
»»» في بيان« فيينا 1» في 30 تشرين الأول 2015، تمّ التأكيد على وحدة سوريا وهويتها العلمانية، وعلى ضرورة هزيمة التنظيمات الإرهابية كداعش والنصرة وغيرها من التنظيمات التي يتفق عليه المشاركون في فيينا، وأن سوريا هي التي تقود العملية السياسية والشعب السوري هو من يحدد مستقبل سوريا. أما في بيان «فيينا 2» في 14 تشرين الثاني 2015، لـ «المجموعة الدولية لدعم سوريا» وبعد أن عبّرت عن "الحاجة الملحة لإنهاء معاناة الشعب السوري وتدمير سوريا وزعزعة استقرار المنطقة"، أعلنت عن توافقها على تنفيذ وقف اطلاق نار شامل لا يشمل التنظيمات الإرهابية ويترافق مع بداية العملية السياسية، مع تعهد من الدول الداعمة أو الممولة أو تملك نفوذا على المجموعات، بأن تتخذ كل "الخطوات الممكنة" لحثّها على الإنضمام إلى وقف اطلاق النار. كذلك أكد المشاركون على ضرورة الإلتزام بوقف "الاتجار غير المشروع بالنفط والآثار والرهائن، الذي يستفيد منه الإرهابيون"، ورحبت "المجموعة" بجهود دي مستورا بخصوص جمع أوسع طيف من المعارضة السورية. وأكدّ بيان «فيينا 2» على أن كل أطراف العملية السياسية تقبل بمبادئ «فيينا1»، وأنه يجب هزيمة داعش والنصرة ، والمجموعات الإرهابية التي سماها مجلس الأمن الدولي، وما تتفق عليه المجموعة ويقره مجلس الأمن. وتوقعت "مجموعة دعم سوريا" في ختام بيانها، أن يكون الاجتماع التالي بعد شهر تقريبا.
»»» المؤشرات بين فيينا2، ونيويورك1، تدلّ بشكل فاضح على نفاق الدول الداعمة للإرهاب، وسعيها لإفشال العملية السياسية في سوريا. تركيا الأردوغانية اسقطت الطائرة الحربية الروسية ردا على استهداف روسيا لتجارة داعش النفطية مع تركيا. وزير الدفاع الأمريكي قال أمام الكونغرس الأمريكي الثلاثاء 1 كانون الأول 2015: " نريد من تركيا أن تسيطر على حدودها، وهو ما لم تفعله بفعالية منذ ظهور داعش". كذلك دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما تركيا إلى إغلاق حدودها مع سوريا لمنع وصول امدادات مالية أو مقاتلين إلى "داعش". أما كيري فأعلن عن عدم قبول بلاده للوضع الحالي في سوريا لأنه "يمثل تهديدا لأمن الولايات المتحدة ولكل دولة أوروبية". التصريحات الأمريكية المؤكدة على مكافحة "داعش"، ترافقت مع استهداف قوات التحالف الأميركي لموقع للجيش السوري في دير الزور يواجه تنظيم "داعش" الإرهابي، وتوغل الجيش التركي إلى الموصل العراقية. أما المملكة السعودية التي لم يتوقف دعمها الإنساني للإرهاب الدولي، فتسعى الآن عبر مؤتمر الرياض لإدراج تنظيمات إرهابية ضمن وفد «المعارضة السورية المعتدلة» الذي سيشارك في العملية السياسية.
»»» سؤال الصنداي تايمز قبل عدة أيام، حول إمكانية إلحاق الهزيمة العسكرية بـ "داعش" من قبل سوريا وحلفائها، وعن الوقت اللازم لذلك. بدا سؤالا مشككا في القدرة على هزيمة الإرهاب، ودعوة مبطنة للاستسلام لإرادة الدول الداعمة للإرهاب. الرئيس الأسد ردّ على سؤالها بأنّ توقف دعم المجموعات الإرهابية يعني أنّ هزيمتها لن تستغرق أكثر من شهور، أما مع استمرار الدعم اللامحدود لهذه المجموعات، فإن المهمة ستتحقق ولكن بثمن كبير سيدفعه الشعب السوري. الأسد كان في جوابه يردد إرادة الشعب السوري، بأننا سنقاتل الإرهاب وداعميه حتى النهاية، وبأننا نفضل الموت دفاعا عن أرضنا وتاريخنا، على الاستسلام والخضوع للمشاريع الأمريكية والصهيونية وقوى الظلام التكفيرية.
المعارضةُ السورية على نارٍ وهابية
2015-12-10
بقلم: م. سامر عبد الكريم منصور