2025-06-11 01:30 ص

المعروض السعودي من : أي أحدْ إلاّ الأسدْ .. هل يدفع بوتين إلى الشراء ؟؟

2015-12-13
بقلم: الدكتور محمد بكر
التعقيد ولاشيء غيره , هو التوصيف الأوحد الذي يرخي بظلاله على خيوط المشهد السوري , إذ اختتمت القمة الخليجية في الرياض أعمالها لتعيد الكباش إلى المربع الأول, تمضي فيه العربية السعودية بإدارة وهيكلة وتقوية الجسم السوري المعارض, وترسم ملامح وشكل المسارات السياسية لوفده الذي أعلن تشكيل هيئة عليا مقرها الرياض كمرجعية للوفد المفاوض , بدوره كاثر ولي العهد السعودي محمد بن نايف على لسانه كل مفردات " العنفوان والتحدي " , إذ عبر عن دعم المملكة " اللامحدود " للشعب السوري وثورته سواء أنجح المؤتمر أم لن ينجح ومهما كلف الثمن ( في رد واضح على بعض القوى المعارضة التي انتقدت المؤتمر) , مضيفاً أن بلاده ستقف إلى جانب السوريين في رفض وجود الأسد في أي صيغة حل مؤقت أو دائم بحسب تعبيره , كلمات ٍ تشي بالمطلق أن الاتقاد أصبح من الصعب جداً أن يعرف طريقه نحو الخبو, ولاسيما بعد رفض إيران حيثيات مؤتمر الرياض معتبرة ً إياه إفشالاً لإعلان اجتماع فيينا2 إضافة ً لما كان قد أكده الأسد خلال حواره مع صحيفة صنداي تايمز لجهة أنه لا علاقة لما يحدث في سورية , بجزئية الدعوة لانتخابات مبكرة وأن هذه الأخيرة تتم عن طريق محاربة الإرهاب ووقف بعض الأنطمة دعمها له أولاً . فما الذي يريده السعودي في المشهد السوري ؟ وماذا عن إيران وروسيا؟ ولاسيما أن حيثيات وتفاصيل مهمة تبعثها يوميات الميدان السوري تستحق الوقوف عندها والبحث في رسائل " شيطانها " المختبئ بين ثناياها , وتالياً تغدو مراجعة وتقييم الوضع بصورة أكثر عمقاً واتزاناً وموضوعية من الحاجات الملحة . خلال سنوات الحرب السورية كان للعربية السعودية الدور الأبرز في الانتصار السريع لحراك الشارع السوري ضد نظام الرئيس الأسد , وسارعت بجد نحو عسكرة المشهد وتصدير السيناريوهات والتحشيد السياسي والعسكري للإطاحة بالأسد , كل ذلك لم يحقق المأمول السعودي , بل وفي مرحلة معينة خسرت العربية السعودية جزءاً هاما ً من هيبتها وموقعها الإقليمي الفاعل نتيجة عدم تحقق ما تصدرت له من مهمات , واليوم ومع المفرزات والحيثيات الدولية والوقائع المعقدة الذي بات عليها المشهد السوري ,ولاسيما بعد دخول الروسي على خط الحرب والمضي الأميركي في المواجهة الدولية انطلاقاً من الساحة السورية وغيرها , تصر السعودية على جزئية بعينها , ولو أخذت طابعاً شخصياً جداً في الطرح , وتجد فيها المخرج الأوحد والثمرة الوحيدة من دون جميع " الغلات" التي تتوج حصادها بالنصر, حتى ولو جلبت من هو أكثر تشدداً من الأسد نفسه ( من ذات الطائفة والمسلك السياسي) , هذه الجزئية التي لا تقف عندها كثيرا ً واشنطن بقدر ما يعنيها السلوك الدولي لروسيا في المنطقة , وهي " تسايس " حليفتها الرياض وتصادق على طرحها " المتطرف " انطلاقاً من كونها لاعباً رئيساً و " آمراً للصرف " يغطي تكاليف المواجهة الأميركية مع الخصم الروسي في المنطقة . آمن حلفاء الجيش العربي السوري منذ البدايات ولايزالوا باستراتيجية ( الحسم العسكري ) والقضاء المبرم على الإرهاب ( الموفر له عوامل الحياة والديمومة ) , إذ تطورت مراحل المواجهة في الميدان السوري لتحقيق غاية الحسم , فدخل حزب الله أولاً ثم ما قيل عنه من ميليشيات عراقية وقوات للحرس الثوري الإيراني, أو بالحد الأدنى ( إدارة إيرانية للمواجهة ) , وآخر تلك المراحل كان تدخل الجانب الروسي , كل ذلك لم يلبي الغرض , وأصبحت فرضية ( استحالة الحسم ) تُلح كواقع وقدر لا يمكن حرفه وتغييره , ولاسيما مع استمرار أطرافٍ بعينها في دعم وتمويل الجماعات المسلحة , وهذا ما أكده ريتشارد بلاك لجهة أن الحرب في سورية لا يمكن أن تنتهي من دون وقف دعم تلك المجموعات, وهو ما ألمح له وردده بوتين لجهة أن الغارات لا يمكن لها أن تقضي على الإرهاب . إذا ًلا بد من البحث عن فرضية أخرى والعمل على " وقعنتها " تنتفي عندها عوامل الصدام والتناحر , فهل تكون مثلاً فرضية بديل الأسد هي الأقرب للواجهة ؟ ولاسيما إذا ما كانت على قاعدة اختيار الروسي للبديل , وترحيل جحافل الإرهاب خارج سورية والمنطقة , وحفظ المصالح الروسية والأمن الإيراني . المتشدد حتى النخاع مستشار الثورة علي ولايتي والقائل منذ فترة قصيرة لجهة أن الأسد خط أحمر بالنسبة لإيران, قال حرفياً خلال جولته في لبنان ( وجود الأسد في دمشق مهم , وعندما يكون الأمر ضرورياً سنستقبله في إيران , نحن لا نريده أن يترك بلده وعندما يريد السفر إلى إيران سنستقبله بوصفه بطلاً دافع عن شعبه خمس سنوات ) . صحيح أن هذا الكلام لا يعني التخلي الإيراني عن الأسد , لكن هو حتماً تغير ملحوظ في لهجة الخطاب وتحولها من " التطرف" إلى المرونة , وإن " الضروري " الموجب لانتقال الأسد إلى طهران أو موسكو أو غيرهما , ربما بات يتمحور وينطلق من نقطتين رئيستين : - الاتفاق النووي الإيراني واقتراب تطبيق بنوده مع بداية العام القادم ,إذ تبدو إيران غير مستعدة لنسف وتضييع عوامل انفراجها اقتصادياً بعد حصار فاق الثلاثة عقود , ولاسيما أن الأيدي الأميركية لا زالت تنشط وتهدد في الداخل الإيراني عبر شبكات بالجملة للإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية أعلن عنها رئيس مؤسسة التعبئة الإيرانية ( باسيج ) , ما يشكل رسائل للإيراني لجهة التخلي عن استمرار تشدده في الموضوع السوري , وهو الذي لن يسره مطلقاً أن يرى كرة النار الملتهبة في سورية قد استنسخت نفسها في الداخل الإيراني . - ما تشي به يوميات الميدان السوري من رسائل عسكرية بالجملة تصل مدلولاتها للروسي لجهة العمل الأميركي الدؤوب على إفشال و" إذلال" روسيا في الداخل السوري , والتي كان آخرها مازودت به فصائل مسلحة بالجيل الثاني من صواريخ تاو المضادة للدروع , والتي أذابت أكثر الدبابات الروسية تطوراً والعاملة في سورية ( 90T ) كما يذوب الجليد , وإن كل المؤشرات تشي بأن اللسان الأميركي يردد : الحبل على الجرار. الثابت إلى الآن أن بوتين ماضي قدماً في استراتيجية التكثيف وزخم الحضور في الداخل السوري ظناً بما قد تستولده من نهايات سارة وإتمام القضاء على الإرهاب , لكن السؤال الملح ؟ إلى أي مدى تستطيع روسيا المضي في ذلك ؟ بالطبع لن يكون الجواب إلى مالانهاية ولاسيما أن الحرب الباردة بينه وبين خصمه لم تعد باردة بل " نصف ساخنة " يبدو فيها الأميركي الطرف الأكثر ارتياحاً والبعيد عن ألسنة النار عسكرياً واقتصادياً , وماذا لو سقطت سوخوي جديدة في المرحلة القادمة ولاسيما بعد نشر منظومة الإس 400 والإعلان الروسي عن أمان الأجواء السورية بالكامل ؟ ربما لن يجد " المال " الروسي حينها سوى شراء " سلعة " أي أحد إلا الأسد ونقول كما ختم الأستاذ عبد الباري عطوان في أحد مقالاته ( لو كنت مكان الأسد لشعرت فعلاً بالقلق ).
* كاتب صحفي فلسطيني 
 mbkr83@hotmail.com