2025-06-10 04:49 ص

تغيير جلودكم لا يعني تغيير جوهركم

2015-12-22
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
مما لا شك فيه ان أجواء من التفاؤل قد خيمت على المنطقة، وذلك للأخبار او التخمينات التي تناقلتها بعض وسائل الاعلام العربية والاجنبية حول إمكانية حل الازمة في سوريا على وجه التحديد وخاصة بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي السيد كيري لموسكو مؤخرا والاجتماع بالرئيس بوتين وكذلك مع وزير الخارجية الروسي السيد لافروف، بالإضافة الى القرار الذي تبناه مجلس الامن مؤخرا ضمن البنود التي تبناها لحل الازمة السورية. ولكن السؤال الجوهري الذي يتطلب الإجابة عليه هو هل هنالك اية مؤشرات على تحول جدي وجذري وأمين في موقف الولايات المتحدة من مواقفها فيما يتعلق بالأزمة السورية على وجه التحديد؟ لن نسأل عن حلفائها وادواتها فهؤلاء انما يتبعون المايسترو في البيت الابيض الذي بدوره يتبع ما يملى عليه من مجمع كبار الصناعات العسكرية والطاقة والمؤسسات المالية الضخمة وامتداداتها الأخطبوطية العالمية ضمن نظام العولمة الجديد الذي انشاء ليزيد من سيطرة هذه المؤسسات على مقدرات الشعوب والتحكم برقاب العباد والبلاد. من المؤكد ان السيد كيري بزياراته الأخيرة الى موسكو قد خفف من حدة المطالبة بما أصبح يعرف بكلاشيه "رحيل الأسد". الموقف الأمريكي الان يتلخص بان بقاء الرئيس الأسد ممكنا الى حين البدء في مباحثات المرحلة النهائية، ولكن في نهاية ما سمي بالمرحلة الانتقالية، فان الولايات المتحدة تريد رحيل الرئيس الأسد وهي لا ترى له دورا سياسيا في سوريا المستقبلية. وبحسب الرئيس أوباما ان لا استقرار في سوريا بوجود الرئيس الأسد. وهذا ما ردده السيد كيري في كلمته في جلسة مجلس الامن وكما هو متوقع فقد كرر وزير الخارجية الفرنسي والبريطاني نفس الموقف وان اختلف في صف الكلمات انما الجوهر كان ينطق بنفس الموقف. فماذا نفهم من كل هذا سوى التأكيد مرة بعد الاخرى على ان المراد والمقصود والهدف المنشود من وراء كل هذا هو ما شهدناه من سياسة "تغيير الأنظمة" للدول المناوئة للسياسات الامريكية والتي ترفض ان تكون أداة طيعة وخادم امين للاستراتيجية الإقليمية او الكونية للولايات المتحدة. نحن لا نرى ان الموقف الأمريكي من قضية تغيير النظام في سوريا قد تغير منذ بداية الازمة لغاية الان. وفي حقيقة الامر فان افتعال الازمة في سوريا أو استغلال التحرك الذي كان يطالب بإجراء بعض التعديلات المحقة في البداية وحرفه عن مساره الى معارضة مسلحة تحت ذرائع كاذبة وملفقة والتدرج الى الوصول الى جعلها حرب كونية بكل المقاييس كان بهدف اسقاط النظام في سوريا والمجيء بقيادة وحكومة مطيعة ومنضوية تحت المظلة الامريكية. فمنذ بداية الازمة السورية في مارس 2011 كان المطلب الأساسي للإدارة الأمريكية هو "رحيل الأسد"، معلنة انه فقد مصداقيته وشرعيته وان الشعب السوري لا يريد ان يحكم من قبل "ديكتاتور" "يقتل" شعبه وهكذا. وجندت لهذا الغرض الكثير من وسائل الاعلام الغربية وخاصة الامريكية والأدوات الإقليميين للقيام بحملة واسعة لشيطنة الرئيس الدكتور بشار الأسد بنفس الطريقة التي شيطنة وسائل الاعلام هذه الرئيس صدام حسين والعقيد معمر القذافي بقصد تغيير الأنظمة. ومنذ اليوم الأول نصبت الإدارة الامريكية نفسها الوصي على الشعب السوري وارادته السياسية وكانت تسعى فرض املاءاتها فيما يختص بالنظام السياسي الذي ارادت صياغته كما فعلت على سبيل المثال في العراق وفي أفغانستان. الولايات المتحدة ارادت إعادة تشكيل وصياغة النظام السياسي بما يتناسب والمقاسات الامريكية ورؤيتها واستراتيجيتها في المنطقة، وتدرجت المراحل والمحاولات لتحقيق هذا الغرض. وكلما فشلت مرحلة كان المحور المعادي تحت توجيه المايسترو الأمريكي ينتقل الى مرحلة جديدة مستخدما أدوات وطرق التفافية جديدة. فمن عقوبات وعدوان اقتصادي جائر تمثل في التدرج بالعقوبات الاقتصادية ومحاولة عزل النظام السوري والدولة السورية سياسيا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، الى المظاهرات والاحتجاجات المفتعلة 2011 ، الى الحركات المسلحة التي أشرفت عليها تركيا وقطر مع أجهزة المخابرات الغربية التي فتحت مكاتبها على الحدود التركية. ومن ثم استبدلت قطر بالسعودية وعين امير الارهاب بندر بن سلطان لاستلام الملف السوري الذي دعم إقامة ما سمي بجيش الإسلام تحت قيادة زهران علوش التي تحاول السعودية وامريكا تقديمه وتسويقه كمعارضة مسلحة معتدلة، ووظفت داعش بالإضافة الى النصرة القاعدية وفتحت الجبهة الجنوبية وجبهة الجولان المحتل ودخل الكيان الصهيوني بشكل مباشر لدعم الارهاب...الخ. ولم يفلح كل هذا وبقي الثلاثي المقدس القيادة والجيش والشعب صامدا على مدى أكثر من أربعة سنوات. لم تتمكن الولايات المتحدة وحلفائها وادواتها وما أمكنهم من تجميع كل حثالة الأرض من الإرهابيين وتجنيدهم وتدريبهم وتسليحهم ودعمهم بكل مقومات البقاء وزجهم في محاربة الدولة السورية قيادة وجيشا وشعبا ما يقرب من الخمسة سنوات، من تحقيق ما كانت تصبو اليه. فشلت كل المحاولات لإسقاط الدولة السورية وذلك للصمود الأسطوري للقيادة والجيش والشعب هذا الثالوث المقدس الذي لم يقهر على الرغم من حجم الدمار المادي والبشري الذي لحق بالوطن السوري. ولقد لعب حلفاء سوريا وعلى وجه التحديد محور المقاومة وروسيا دورا أساسيا في رفد هذا الصمود وتدعيمه. وهذا الصمود البطولي كان أحد الأسباب لدخول روسيا مؤخرا بشكل مباشر لمؤازرة الجيش السوري وحلفائه الذين يقاتلون على الأرض، الى جانب شعور الرئيس بوتين ان معركة سوريا هي معركة روسيا للحفاظ على الامن القومي الروسي، الى جانب اعلاء القانون الدولي والشرعية الدولية والتمسك بالأعراف الدولية وكسر الاحتكار الأمريكي للساحة الدولية والتصدي لسياستها وسياسة حلفائها وأدواتها الرعناء في المنطقة. ولقد أفشل التدخل الروسي المخططات الامريكية في المنطقة وهذا باعتراف مهندسي السياسة الخارجية والاستراتيجية الامريكية من سياسيين وعسكريين، وأربك خطاهم والخطط التي كانت معدة وبانتظار ربما ساعة الصفر للبدء بالتنفيذ، وربما هذا ما يفسر التدخل المفاجئ والغير متوقع الروسي على الأقل من حيث التوقيت. وربما جاء التصرف التركي الاحمق والارعن والمدبر بإسقاط طائرة سوخوي -24 القاذفة السوفياتية فوق الأراضي السورية بالقرب من الحدود التركية، ليعطي بوتين الفرصة في تصعيد التحدي لواشنطن وحلفائها في المنطقة التي شعر البعض منهم ان الضعف والتردد للإدارة الامريكية في التدخل المباشر في الازمة السورية يعطيهم هامشا من الحرية للتحرك بما تمليه عليهم مصالحهم الضيقة. هذا التصرف التركي كان كارثيا على اردوغان بالدرجة الأولى وهو الذي كان ان اعطى الامر بهذا العدوان. وبدون الدخول في التفاصيل لهذا الحادث فان الحادث أدى الى دخول أسلحة متطورة روسية الى المنطقة وربما أبرزها دخول صواريخ S-400 لأول مرة خارج حدود روسيا الاتحادية التي باستطاعتها تدمير أي هدف على بعد مئات الكيلومترات او على ارتفاعات كبيرو جدا، وقد أدى هذا الى التغطية الكاملة لكل الأجواء السورية بأنظمة رادارات من أحدث الصناعات الروسية. بمعنى ان روسيا تستطيع تدمير أي هدف قبل الوصول الى الأجواء السورية في الجو او البحر أو البر، ولهذا جن جنون الإدارة الامريكية وحلفائها وخاصة إسرائيل وتركيا. الدخول الروسي غير قواعد الاشتباك وقواعد اللعبة العسكرية والسياسية. كما وأن التهديدات العلنية والمبطنة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها واداوتها لم تثني من عزيمة روسيا ولا مستوى الدعم المقدم الى سوريا، بل على العكس من ذلك فقد زادت روسيا وصعدت من دعمها لسوريا وتسارعت وتيرة ضرباتها الجوية مما سرع من تقدم قوات الجيش العربي السوري وحلفائه على الأرض. بالإضافة الى ذلك فقد جاءت النتائج التي حققتها الضربات الجوية الروسية للمجموعات الإرهابية العاملة على الأرض السورية من داعش والنصرة وكل من لف لفهم زيف "التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش. ففي غضون ربما اقل من أسبوعين من التدخل الروسي فقدت داعش أكثر بكثير مما فقدته على مدى ما يقرب من السنة والنصف نتيجة "ضربات" التحالف الدولي مما عرى هذا التحالف امام الراي العام العالمي، واثبت بما لا يرقى له الشك ان هذا التحالف غير معني بالقضاء على داعش لا في العراق ولا في سوريا. مع الإصرار الروسي وعدم التراجع قيد انملة بالرغم من كل الضجيج الإعلامي والتهديدات الغربية، ,التزامن في تحقيق الانتصارات والتقدم السريع للجيش العربي السوري وحلفائه مقاتلي حزب الله اللبناني على الأرض وتقهقر المجموعات الإرهابية على جميع الجبهات كان لا بد للمحور المعادي ان يقوم بتغير طرقه واساليبه بحكم الواقع الجديد خوفا من ان يصل الحد الى الا رجعة. وكان لا بد من التدخل للحفاظ على الأقل على جزء من المجموعات الإرهابية ( الأقل إرهابا من داعش بحسب تصنيفهم فهي بالتالي معتدلة) ومحاولة الزج بها كمعارضة معتدلة لضمان موقع قدم وورقة على طاولة المفاوضات واطلاق عملية سياسية كمحاولة لتحقيق ما لم يستطيعوا تحقيقه على ارض المعركة، بمعنى محاولة تغير النظام عن طريق مبادرة سياسية بعد فشل تحقيق ذلك بالسبل العسكرية. ولكن الغرض المشمول أيضا بالتوجه الى الحل السياسي بالإضافة الى النوايا الدفينة للدولة السورية فان المحور المعادي الذي يترأسه المايسترو الأمريكي يحاول ان يعزل ويحاصر روسيا والاثار والارتدادات الإيجابية التي ولدها التدخل الروسي لمؤازرة الدولة السورية في الحرب على الارهاب، وخاصة وان روسيا بدأت تنسج علاقات مع بعض الدول العربية السياسية منها والاقتصادية حتى مع أصدقاء أمريكا في المنطقة وهذا بالطبع لا يعجب أمريكا لأنها ترى في ذلك تغلغل روسيا الى احدى المناطق ذات أهمية جيوسياسية تدخل ضمن المنظومة الاستراتيجية الامريكية. فالولايات المتحدة التي عملت وما زالت تعمل جاهدة على عزل روسيا عن محيطها الأوروبي والاسيوي عن طريق عقوبات اقتصادية صارمة غير مبررة ونشر منظومات صواريخ وقوات تدخل سريع ومئات الخبراء العسكريين والامنيين في الدول المحيطة تريد الان ان توقف التمدد الروسي الى منطقتنا ضمن هذه المنظومة والإجراءات لعزلها وبالتالي الحد من تأثيرها في الساحة الإقليمية والدولية. في النهاية نود ان نؤكد ان التغيير في لهجة مكونات المحور المعادي الذي ترأسه الولايات المتحدة الأخيرة بالنسبة لبعض المواقف في الشأن السوري وخاصة بالنسبة للموقف من الرئيس الشرعي المنتخب للبلاد الدكتور بشار الأسد لا يعني ولن يعني تغيرا جوهريا في المواقف. ان كل ذلك لا يعدو عن كونه تغير في جلودهم مع الإبقاء على جوهرهم وبالتالي ما يزال "تغيير النظام" في سوريا وعزل روسيا نصب اعينهم، ولكن من الواضح بمكان ان ما لم يحققوه بالميدان على الأرض لن يتمكنوا من تحقيقه على طاولة المفاوضات.
bahij.sakakini@gmail.com