في الوقت الذي يقدم شعبنا الشهيد تلو الشهيد من خلال انتفاضة يعمل البعض للأسف الشديد على عدم انتشارها افقيا بحيث تشمل كافة انحاء الضفة الغربية تحت حجج واهية على الرغم من التفاخر بها وبعنفوانها امام الكاميرات والتصريحات النارية التي تطلق من هنا وهناك في محاولة لتسجيل النقاط لهذا الفصيل أو ذاك وكأننا في مباراة كرة قدم. كما ويعمل البعض على حرمان هذه الانتفاضة من قيادة ميدانية جامعة أو تشكيل قيادة مركزية لها، خوفا ربما من الالتزام بمواكبتها وتطويرها لأنها على ما يبدو أصبحت تقض مضاجع البعض الذي اعتبرها انها "زوبعة في فنجان" او مظهر طارئ وعابر سرعان ما يزول وتعود الأمور الى "مجاريها الطبيعية". بمعنى ان هؤلاء الشبان والشابات الذي قدم البعض منهم زهرة شبابه للوطن والقضية ومقاومة الاحتلال الصهيوني لفلسطين سرعان ما يعود الى حالة التأقلم والعيش في كنف الاحتلال كما هو الحال مع الفئة النيوليبرالية الفلسطينية ذات المصالح الاقتصادية أو التي تتمتع بالسلطة السياسية التي تؤهلها ومن خلال المناصب تحقيق المكاسب التي لم تكن تحلم بها في يوم من الأيام. هذه الفئة أصبحت جزء من المكون السياسي والاجتماعي للمجتمع الفلسطيني وأصبحت سواء عن وعي او بدون وعي تنشر السياسة والثقافة الانهزامية وعلى أن لا حول لنا ولا قوة في مقارعة العدو الصهيوني وبالتالي فان الطريق الوحيد لنا هو طريق المفاوضات والمفاوضات ومن ثم المفاوضات.
والذي يبدو مع تجذر الانتفاضة كما تدلل عمليات العن والدهس المستمرة لعناصر الاحتلال من جنود ومستوطنين ( والكل مستوطنين وان اختلفوا في المظهر )، وظهور بعض الاشتباكات المسلحة مع قوات الاحتلال في بعض المناطق دعما للانتفاضة ولو انها محدودة لغاية الان ربما للاحتفاظ بالطابع المميز لهذه الانتفاضة، بالإضافة الى ما شكلته هذه الانتفاضة من رعب داخل الكيان وحالة الارباك الذي سببته للأجهزة الأمنية الصهيونية كما هو واضح من التخبط في سبل التعامل مع المنتفضين وعدم التمكن من السيطرة على الوضع او التقليل من عنفوان الانتفاضة، لهذه الأسباب مجتمعة ربما هنالك ضغوط متزايدة أصبحت تمارس على السلطة وأجهزتها الأمنية ان تتحرك وتفعل شيئا في محاولة للجم الانتفاضة بشكل او بآخر.
والذي يبدو ان التحرك الأخير لرجال الامن الفلسطيني ولا نجد حرجا من تسميتهم بتلاميذ دايتون، لان من يتصدى ويقمع مظاهرة تدعي لها الفصائل الفلسطينية والقوى الوطنية في رام الله لا يمكن وصفه الا هكذا. فلقد قامت الأجهزة الأمنية الفلسطينية وخاصة "أمن الرئاسة" بقمع المظاهرة التي كانت متوجة الى مستوطنة "بيت ايل" اليهودية. نحن لا نستطيع ان نتفهم هذا سوى انها ممارسة لحماية المستوطنة اليهودية والمستوطنين الصهاينة الذين يقومون بالاعتداءات اليومية على الشعب الفلسطيني وخاصة في القرى.
رجال الامن هؤلاء يعلمون علم اليقين ان مستوطنين مثل هؤلاء هم من حرق عائلة الدوابشة بأكملها في قرية دوما قضاء نابلس في 31 يوليو الماضي. احرق افراد هذه العائلة وهم نيام مما أدى الى استشهاد الرضيع علي 18 شهرا ومن ثم امه رهام وابيه سعد نتيجة الحروق. ولنا الحق ان نتساءل هل أيها النشامى تريدون حماية هؤلاء القتلة المجرمين؟ ام تريدون حماية أولئك المستوطنين الذين احتفلوا بالجريمة في حفل زواج في القدس الأسبوع الماضي حيث تم طعن صورة للطفل الرضيع علي الدوابشة؟ هذا ما عرضته القناة العبرية العاشرة والذي يظهر فيه المحتفلين يلوحون بالسكاكين والبنادق والمسدسات والزجاجات الحارقة خلال الاحتفالات.
فهل اطلعتم على أو اخبرتم بهذا العرس الداعشي؟ ام ان مثل هذه الاخبار تتعرض لمقص الرقيب قبل ان تصل اليكم خوفا من أن يلين قلب احدكم ويرفض قمع أهله واخوانه؟ او خوفا من ان يتصور او يتخيل احدكم ان الرضيع علي قد يكون احد أولاده ومن ثم ينتفض مع المنتفضين؟ او على الأقل يزرع الشكوك بان ما تفعلوه هو الخطأ بعينه، لان الواجب الوطني يستدعي منكم حماية اهلكم لا حماية العدو والمستوطنين الجدد والقدامى الذين ارتكبوا وما زالوا يرتكبون أبشع المجازر بحق اهلكم أم ان دايتون نجح في عملية سلخكم عن اهلكم والشعب الي تنتمون اليه؟ نتساءل.
ولم يكتفي رجال الامن الفلسطيني من الاعتداء على من كانوا في المسيرة بل تعدى ذلك بالاعتداء على حق رجال الاعلام من صحفيين ومصورين في نقل المسيرة حيث قاموا بمنع الصحفيين والمراسلين من الوصول الى المسيرة وقاموا بمصادرة الكاميرات.
ولا بد ان نتساءل لماذا كل هذا القمع للحريات والاعلام ونقل الصورة كما هي؟ وهل نحن أصبحنا نعيش في تشيلي بينوشيه أم في دولة خليجية مشهورة في كم الافواه عن طريق التحكم بوسائل الاعلام والاقمار الاصطناعية؟ اذا كانت هذه هي الدولة التي تبشرون بها فنحن لا نريد مثل هكذا دولة، وبالتأكيد فان شعبنا لم يناضل ويقدم قوافل الشهداء لمثل هكذا مسخ.
bahij.sakakini@gmail.com