تجربة مريرة مشبعة بطعم الهزيمة تجرعتها إسرائيل في العام 2006 رغم كل المكابرات التي حاول قادة الكيان الصيوني االلجوء إليها لمخاطبة الشارع الإسرائيلي وطمأنته حول استعداد إسرائيل لخوض أية منازلة مع الحزب على الأراضي اللبنانية , لكنها لم تجرؤ أبداً على الحديث عن قدرة الحزب على القيام بعمليات تترجم ما أعلنه السيد حسن نصر الله ضمن المجال الجغرافي الفلسطيني وتحديداً السيطرة على الجليل .
الاندفاعة الصهيونية لتأخير ما تراه آت لا محالة من خلال استهداف القادة الميدانيين في حزب الله وشن ضربات جوية نوعية على مواقع للحزب وأيضاً محاولة تعطيل إنشاء مقاومة سورية في الجولان السوري المحتل واستخدام التنظيمات الإرهابية في الجنوب السوري لخلق حزام أمان , كل هذا يسقط مع التقديرات الحالية للخبراء العسكريين حتى من داخل الجيش الصهيوني , العميد موني كاتز الجنرال في الجيش الإسرائيلي في تقرير له بالاشتراك مع الباحث نداف بولاك في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى , يحلل القدرات الحالية لحزب الله والخبرات الجديدة التي حصل عليها من خلال مشاركته في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية في سورية إلى جانب الجيش العربي السوري .
يقول " كاتز " : إن حزب الله ومن خلال عمله إلى جانب القوات الروسية فإنه على الأرجح قد تحول نحو استراتيجية تعتمد على الهجوم وهذا له انعكاسات مهمة على صعيد تخطيط وتنفيذ أية صراعات مستقبلية بين الحزب وإسرائيل . فللمرة الأولى في تاريخه، تجري حزب الله حرب المناورة الهجومية كجزء من عملياته في سورية , والتدخل الروسي هو الذي عزز هذه التجربة التي من المحتمل قد أعطت دروساً هامة للصراعات في المستقبل .
ويصيف أنه في العام 2006 ركز الحزب على استراتيجية إطالة أمد القتال وزيادة تكاليف الحرب البرية الإسرائيلية واستنزاف الداخل الإسرائيلي بإطلاق الصواريخ على المراكز السكنية , واعتمد حزب الله وقتها على العمليات الدفاعية واستخدام الأرض والغطاء النباتي لإخفاء المقاتلين والصواريخ , لكن هذا النموذج الدفاعي قد تغير اليوم في الحرب السورية .
يقول كاتز : في سورية أصبح هدف حزب الله الرئيسي هو الحفاظ على الأراضي التي يسيطر عليها , وبعد أن كان يستخدم قوات شبه تقليدية في حرب عصابات ضد إسرائيل بالاعتماد على وحدات صغيرة على أراضي يعرفها جيداً , نجده الآن ينتشر بمئات المقاتلين ويقوم بعمليات هجومية معقدة في منطقة غير مألوفة بالنسبة له ويستفيد من مشاركة روسيا التي تملك واحداً من أفضل الجيوش في العالم . وعلى المستوى الكلي فإن الحزب سيستفيد من الفكر العسكري الروسي الذي ينطوي على مفاهيم تشغيلية متطورة ومهارات التخطيط العسكري المتطور , فالتنسيق اليوم بين القادة الروس وحزب الله والقادة السوريين والإيرانيين في أرض الميدان ستجعل حزب الله , ولأول مرة , مطلعاً على الكيفية التي يخطط بها جيش في الصف الأول لعمليات قتالية .
هنا يعتبر عنصر التعلم والاطلاع مهم جداً , على سبيل المثال , فإن تجربة سورية كجزء من التحالف خلال عاصفة الصحراء عام 1991 أدت إلى تحول حاسم في الاستراتيجية العسكرية السورية , لقد شاهدت سورية عن كثب كيف تخطط الولايات المتحدة لعملياتها وكيف تستخدم الطلعات الجوية والقنابل الذكية , وبهذا استدل الجيش السوري على أن إسرائيل يمكن أن تستخدم ذات الذخائر والتكتيكات , فحولت سورية تركيزها في كيفية التغلب على مرتفعات الجولان إلى استراتيجية أكثر دفاعية واستلزم ذلك إعادة هيكلة وحدات معينة من الجيش .
تدرك إسرائيل أن القادة العسكريين عندما يخوضون حملة طويلة وصعبة فإن أفكارهم تذهب باتجاه تحليل آليات الصراعات المحتملة مستقبلاً , وأن التجارب التي يخوضونها تترجم إلى استراتيجيات وتكتيكات جديدة , وتدرك أيضاً أن تحولاً كبيراً قد طرأ على استرتيجيات حزب الله بعد تجربته في سورية إلى جانب الجيش العربي السوري والروس في تعزيز القدرة على تنفيذ استراتيجيات هجومية , لكن المهم أيضاً أن الحزب على المستوى التكيتيكي قد خبر صنوف أسلحة جديدة ومنظومات ومعدات روسية متطورة استخدمت في سورية , غير أن الخشية الإسرائيلية لا تنحصر في هذه المعطيات وإنما حول تقارير تشير إلى امتلاك الحزب منظومالت صواريخ أرض – جو روسية وبأنها وضعت تحت إشراف غرفة عمليات مشتركة مما سيمكن الحزب من التعامل مع عدة أهداف في الوقت نفسه .
هذه التطورات تستنفر الداخل الإسرائيلي ليطرح الكثير من الأسئلة الهامة في الأروقة السياسية والعسكرية الصهيونية , ماذا لو حصلت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله ؟ هل تكفي الاستعدادات التي اتخذتها إسرائيل في الجبة الشمالية والجولان السوري المحتل من إدخال منظومات صواريخ متطورة ونشر لدبابات وآليات مدرعة ومشاة في التخفيف من مخاوف الصهاينة من نتائج مثل هذه المواجهة ؟ .
الخطأ القاتل الذي اقترفته إسرائيل اليوم هو في استفزاز جديد لحزب الله من خلال اغتيال الشهيد سمير القنطار أحد أبرز قيادييه والمسؤول عن المقاومة في الجولان , وهي تدرك , خاصة بعد كلام سماحة السيد حسن نصر الله , أن الرد قادم , لكن كيف سيكون الرد ؟ هل بالاستناد إلى الاستراتيجية الدفاعية والقيام بعملية محدودة توازي في القوة حجم استهداف القنطار في سورية ؟ أم أن الرد سيأخذ بعداً هجومياً يمكن أن يفتح الاحتمالات أمام مواجهة شاملة , ربما تعتقد إسرائيل أن الظرف الدولي والإقليمي مهيئات لمثل هذا التصعيد في ضوء ما يجري في سورية لفرض أمر واقع , لكن هناك في الداخل الصهيوني من يراقب حقيقة التطورات الحاصلة والتغير في استراتيجية الحزب ويترجم الصمت السوري بلغة مختلفة عن الصورة التفاؤلية للقادة السياسيين . لهذا أعتقد أن على إسرائيل اليوم أن تخشى ما هو آت .
كيف تنظر إسرائيل إلى حزب الله اليوم ؟
2015-12-31
بقلم: أحمد طارق قلعه جي