ليس من العدل الاستنتاج بأن ما يحدث الآن على الساحة السورية لم يكن نتيجة حتمية للاقتصاد في القوة العسكرية السورية، والذي فسح المجال أمام التنظيمات الإرهابية للتوغل أكثر فأكثر في الأماكن التي سمح بها الجيش العربي السوري ، ضمن سياسة تعمل على مسارين الجزئي والشامل وفي كلا الحالتين يكون التركيز للقضاء على الإرهاب بشكل نهائي وحاسم ، ولصالح الدولة التي تعتبر نواة التعدد القطبي الدولي ،ومركز الأنسنة العالمي ، وإلا لماذا أستهدفها الإرهاب الإقليمي والعالمي ؟! ما أشد حاجتنا إلى سورية أكثر من أي وقت مضى لإنقاذ العقل وإنقاذ الإنسان من قوى النزعة التدميرية التي تستهدف سورية اليوم ، وأقسم لكم بالذي رفع السموات وبسط الأرض لو لا سمح الله هزم هذا الجيش العظيم لاندثرت أمة العرب وإلى الأبد ، وأقول لكل عربي حر ألا يغفل عن الدور التاريخي لهذا الجيش والمقاومة الإقليمية والدولية وهذه القيادة التي صنعت تاريخ العرب من جديد بعقل واع أنجز تحرير سورية وعموم المنطقة العربية ،ولكن كيف ؟! بالطبع مثل هذا الأمر لا يتم دفعة واحدة ، وإنما بالتدريج الممنهج والاقتصاد المركز، الذي يدفع نحو تفاقم الظاهرة الإرهابية من الناحية الشكلية والظاهرية لتعبر عن ذاتها بذاتها ، نتحدث عن إستراتيجيا متقدمة جدا على المستوى العالمي للمدرسة العسكرية العربية السورية ، إستراتيجيا لم تستخدم إلا من قبل السوريين فقط لا غير ، وعن ذلك العقل الذي ينتفي منه التعصب والتوتر ، ليتم الانتصار لسورية قلعة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي ، ولعموم المنطقة والعالم المتعدد الأقطاب ، ويرتقي إلى طموحات الأمتين العربية والإسلامية وفي اعتزازهما القومي والإنساني العام ، ولكن السؤال وقبل عرض المسارين : لماذا لم يأخذ الجيش العربي السوري شكلا أو نسقا أو مضمونا واحدا في الإستراتيجية التي نجدها تتجاوز حدود الإستراتيجيات لا نقول التقليدية بل النوعية أيضا ، سيما حين تتداخل الإستراتيجية في الاجتماعي والاقتصادي والأمني والعسكري والسياسي والدبلوماسي والإعلامي ، كل ذلك في ظل موارد محدودة جدا ، ما هذا ؟! وأي عقل تحمل هذه القيادة ؟!! إنه العقل المؤمن بأن ما يحدث عدوان عالمي وليس مجرد أزمة ، لهذا لا بد أن نستثمر الإرهاب ضد نفسه ، ولكن كيف يمكننا ذلك ؟! يجيب على هذا التساؤل عقل القائد الناصر بشار الدين الأسد لا الرئيس السوري فقط ـ لأن رجل بمستوى هذا القائد تجاوز مرحلة الرئيس لدولة عربية ليدخل تاريخيا كقائد عربي يمتلك العقل الواعي والذات الحرة الفاعلة في البنيوية العربية التي أعلن موتها ، إلا أنها وبفضل الله لم تدفن ، إلى أن جاء هذا الرجل الذي ورث عن أبيه القائد الخالد حافظ الأسد طيب الله ثراه أن الموت العربي موتا سريرا يمكن أن تبعث الحياة فيه من جديد ـ ويقول من خلال ما نشاهده اليوم ، علينا أن نفسح المجال لهم ليس لغايات تظهير سلوكياتهم الإجرامية والعدوانية والفاشية والانتهازية فحسب ، وإنما لغايات تناسي الوظيفية الأساسية التي جاءت بهم إلى سورية ، ولكن كيف أيها القائد ونحن في ظل هذه الظروف الغاية في الصعوبة ؟! الإجابة كانت وبعقل هادئ وواعي ـ دعونا نساعدهم أولا بأن يصدقوا كذبة الدولة الإسلامية ـ ونأخذ ثانيا نحن مواقع الدفاع لا الهجوم العسكري، ولكن لماذا يا سيدي ؟ لنشعرهم بلذة الانتصار علينا ، ولكن لماذا أيضاً ؟! لأنه وبمجرد شعورهم بلذة ونشوة الانتصار علينا ستكون أيديولوجيتهم هي الوسيلة والغاية معا للتعبير العام ومع الجميع حتى المشغلين من ناحية ، ومن ناحية ثانية نقتصد نحن بقوتنا العسكرية ، وبالفعل هذا ما تم بالضبط ، وضمنت القيادة السورية بذلك توفير أداة انتحارهم من خلال تظهير أيديولوجيتهم للعالم أجمع وعبر وسائل إعلامهم الغربي المتقدم جداً، واندحارهم من خلال القوى العسكرية التي تم توفيرها ، إضافة إلى أن تظهير أيديولوجيتهم كان يتقاطع كليا مع شكل العبد والسيد ، لهذا كنا نسمع أصواتهم تعلوا على صوت السيد المشغل الأمريكي كتعبير عن الأيديولوجية التي صدقت استقلالها في ذروة استغلالها ، وبالفعل وصلنا عالميا إلى حقيقة مفادها أن بشار الأسد لا يحارب تنظيمات إرهابية فحسب ، وإنما يواجه وبشكل مباشر مضامين الأيديولوجية التي ظلت حاضرة وللأسف الشديد في الثقافة العربية المعاصرة ، لا بل كانت أساسا للفكر الإسلامي ، والحركات السياسية الإسلامية بشكلها السياسي والعسكري، إذن عمليا نحن أمام نهج عابر للأفكار ، نهج يكفر كل دعاة العلمانية والقومية والاشتراكية والإنسانية ، ولا يتحد فقط مع الرأسمالية ، بل ينفذ أجندتها ويدافع عن وجودها عبر العولمة الإرهابية ،التي تشجع على التطرف والعنف وتمنع الدول من اتخاذ القرارات الصحيحة لكي يشعر كل من ينتسب إلى هذه الجماعات أنه فوق النظام ، ويستطيع خرق القوانين ،وقد وجد الإرهابي في الرأسمالية ضالته ، من حيث الاستسلام للغرائز والعدوانية والاستعمار والسيطرة على الآخرين ، وتهميش الناس وتحويلهم إلى سلعة أو مستهلك أو رقم من الأرقام في نظام الرأسمالي المتوحش ،لهذا وجدنا في سورية أكثر من نمط إرهابي ، نعم ، كان هناك أنماط متعددة للإرهاب الفردي والأسري والشبابي والعشائري والمؤسساتي والمجتمعي بشكل عام ، ألوان إرهابية متباينة الحدة والتأثير، ما وقع على سورية لا يمكن أن يتصوره عقل بشري ، نعم يا سادة لقد غدا الإرهاب نمطا مميزا للحياة في سورية ، وأمام وطأة الأحداث العنيفة ، والاعتقاد بأن العدوان على سورية حقق الكثير من أهدافه ومن أهمها تخليق إشكالية مجتمعية ثقافية بنيوية ، متشابكة متبادلة التأثر والتأثير ولا يمكن السيطرة عليها لعقود قادمة ، لكونها القاعدة الأهم لنشر ما سمي بالفوضى الخلاقة ، وفي ظل تلك الحقائق المرعبة ، كانت القيادة السورية هادئة جدا وتدرك مسبقا ذلك كله وتضع الخطط والبرامج ، إنه التحليل العلمي والموضوعي للتراكيب العولمة الإرهابية وفضح الدلالة الإجرامية التي تعود إلى عصور ما قبل العقلانية ، ليفهم العالم أجمع حقيقة القوى الصهيوـ أمريكية ، لا بل أستطيع القول كمؤسس للهيئة الجليلة على المستوى العالمي ، ومن منطلق مسؤولياتنا الإنسانية والأمنية :( أن القيادة السورية تمتلك اليوم ما لا يمكن الكشف عنه الآن ) وبناءا عليه وضعت الإستراتيجية لتنتقل من الضيق الأمني إلى الاتساع الأمني، ومن الهوامش الإعلامية إلى المراكز الإعلامية ، ومن الذاتي الوطني إلى الموضوعي الوطني ، ومن الشكلي في الدفاع الشعبي إلى الجوهري في الدفاع عن سورية الأم الأعلى مكانة في الوجدان العربي والأغلى في القلب الإنساني النابض بسورية الشريان التاجي للقلب الإنساني العظيم، ومن الحاضر في التشخيص المحلي إلى الغائب عنه في التشخيص العالمي، ولكن لماذا ؟!
لأن الإرهاب لا يولد ولادة في أي مجتمع ، وإنما يصنع فيها صنعا ، لهذا كانت مؤسسة الحكم في سورية هادئة كما قلنا سابقا ، وغير متعثرة لتكون مؤثرة في مجريات الأمور المحلية والإقليمية والعالمية ،وفي ذات الوقت تعمل على تهيئة الظروف الملائمة لما نسميه حصريا ـ القوى التوليدية ـ لضرب المستوى التركيبي للإرهاب من خلال العلاقة التكاملية بين الجيش والشعب والقيادة ، وهذا تحديدا ما لفت الانتباه للعقل السوري المتقدم جدا ليس في المنطقة بل على مستوى العالم ، هذه حقيقة لا نقولها نحن وإنما يطرزها التاريخ ، وفي تقديري أن هذا ما دفع الروسي إلى التدخل ، وهو يراقب على رقعة الشطرنج المستوى الجزئي للمسار الأول : والذي جاء لتظهير سلوكيات تلك المعارضة المزعومة محليا في الداخل السوري ، وإقليميا من قبل الداعمين والممولين للإرهاب ، وعالميا من قبل الغرب المصنع الأول والأخير لذلك الإرهاب ، ويدهشها أيضاً المسار الثاني ، المسار الشامل : الذي جاء لترسيخ أركان وقواعد التعدد القطبي ،وهذا ما جعل روسيا والصين في قلب الحدث السوري ، أتحدث عن المسار الذي تفهمته جيدا كوريا الشمالية ، وما الرسالة الهيدروجينية إلا جزء لا يتجزأ من هذا المسار العالمي الشامل ، الذي تفهمته أيضا عموم دول البركس ،إلى درجة دفعت بأمريكا إلى تبني سياسة تغيير الاتجاه وقلب البوصلة ، وقد سمعنا القائد الأعلى للإرهاب العالمي الشيخ أوباما وهو يطلب من الكونغرس الموافقة على منحه تفويضا باستخدام القوة العسكرية ضد داعش ، والسؤال : بالأمس كنت تقول أنداعش لا يشكلون خطر على أمريكا، واليوم تريد استخدام القوة العسكرية معهم ، فما تفسير ذلك ؟! للإجابة نقول : إنه الاقتصاد العسكري السوري الذي يفرض تغير الخطاب الغربي بشأن سورية ،الذي دفع بريطانيا أيضاً إلى التصريح بأنها لا تستبعد وجود متطرفين في صفوف ما تسمى المعارضة السورية ...!! الله أكبر ، ما هذا ؟!! تصريح ناري يشي باستقصاء علني للمجموعات الإرهابية المسلحة في سورية ، وهذه دلالة على انتهاء أدوارها وأدوار الدول الداعمة والممولة للإرهاب أفقيا ، وعموديا ، وهرميا ، وشرائيا ، وشرائحياً أيضاً ـ ليتكم تتفهمون أيها العربان ما نقول ، مع أني شخصياً لا أتمنى ذلك ـ وللتوضيح أكثر لعل الله يمن عليكم بالفهم المتأخر : التصريحات الغربية جاءت في إطار اصطناعي لأن الأداة الإرهابية مصنعة والدول الداعمة لها كذلك مصنعة منذ سايكس بيكو المنتهي قانونيا ، وبالتالي هم لا يتحدثون عن أدوار سياسية قادمة في المنطقة سواء للجماعات أو الدول الداعمة للإرهاب ، وإنما عن ضمانة حصصهم في مصالحهم القديمة في المنطقة التي كانت قائمة قبل العدوان على سورية ، وضمن إطار سياكس بيكو هل وصلت الرسالة ؟! أشك في ذلك ..!! وليت شكي في محله ..!!
ولعله من المناسب أن نختم بالقول أن أي مخطط يوضع لتحليل أي نظام سياسي فإنه إذا لم يشوهه يصادره بالضرورة ، أو على الأقل يفقده الكثير من حقائقه، لأن المحلل في الأصل غير قادر على تجزئة المجتمع وإعادة تركيبة من جديد ،ولو استطاع ذلك من الناحية النظرية فإن التجزئة تحمل عناصر مختلفة عن عناصر التركيب عمليا ، وهذا ما يفقد العنصرين الأهمية بشكل أو بأخر، وما نود التوصل إليه أن أي نظام سياسي هو وحدة حية فعالة يكون فيها الأفراد مرتبطين في بعضهم على كل المستويات ، وهذا ما نلمسه اليوم كحقيقة في سورية الأسد، سورية التي تدخلنا في عصر التنوير العربي بدلاً من التوتير العربي ، على الرغم من كل أشكال الإرهاب والتعسف الدولي من أجل إبعاد سورية عن مهمتها العربية والإنسانية والحضارية ، وقد بينت للعالم أجمع كم أن العقل الغربي بحاجة إلى أنسنة لحمايته من نفسه المتوحشة ، وحماية الأمن والسلم العالميين من الشطط الذي دفعه إلى تصنيع الإرهاب ليشبع نهمه ألغرائزي الحيواني ، إنها الرؤى الفوضوية والعشوائية للفلسفة ما بعد الحداثة التي ترى أن التاريخ ليس إلا خطوطا عشوائية لا تسير بمنطق ولا بقوانين معينة ، إنما سمتها الأبرز الصدفة والعشوائية والفوضوية ، نتحدث عن فلسفة الحمقاء والبلهاء والمجانين ، الفلسفة التي أنتجت ذلك التوحش الإرهابي الذي يتم الآن دفنه تحت أقدام الجيش العربي السوري والمقاومة الإسلامية الإنسانية العالمية ، بفضل ذلك الاقتصاد العسكري السوري الذي يفرض تغير الخطاب الغربي بشأن سورية ...!! .خادم الإنسانية . مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي
الاقتصاد العسكري السوري يفرض تغير الخطاب الغربي بشأن سورية ...!!
2016-01-17
بقلم: الدكتور الشريف رعد صلاح المبيضين