2025-06-09 04:39 م

الخطاب الثامن وقصة باراك أوباما مع « آن كوبر »

2016-01-19
بقلم: سامر عبد الكريم منصور
كانت « آن نيكسون كوبر » تسير نحو عامها السابع بعد المائة ، حين وجدت نفسها على المنصة ، كقصة عالقة في ذاكرة « باراك أوباما » ، أراد سردها في خطابه الأول كرئيس للولايات المتحدة الأميركية ، بعد انتخابات تشرين الثاني 2008. قصة أميركية من أصول أفريقية ، عانت الحرمان من حق التصويت لأنها إمرأة وبسبب لون بشرتها ايضاً ، وعاشت لترى النساء يتوجهن إلى صناديق الإقتراع. لم تفقد «آن» أملها أثناء الركود الإقتصادي في عشرينات القرن الماضي ، بل عاشت لترى شعبا يقهر الخوف والركود ، وحين سقطت القنابل على « بيرل هاربر» في الحرب العالمية الثانية ، كانت « آن» تشاهد جيلا ينقذ الديمقراطية. كان الجمهور يصفق بحرارة وحماس بالغ ، وهو يصغي إلى رواية أوباما عن "قصة كفاح آن". مع شعار « التغيير» وصل باراك أوباما إلى البيت الأبيض كأول رئيس أميركي من أصل أفريقي. من مسرح احتفاله بالنصر ، أعلن بزوغ فجر جديد في القيادة الأميركية ، التي ستواجه تحديات الحرب العراقية والأفغانية ، والأزمة المالية ، والتغير المناخي الذي يهدد الأرض. قبل أن يعلن دعمه لكل من يسعى إلى السلام والأمن ، ويتوعد بهزيمة الإرهاب الذي يريد تدمير العالم. أما لمن يتساءل عما إذا كانت "شعلة اميركا لا تزال متقدة"، فقال أننا "اثبتنا مرة اخرى ان القوة الحقيقية لشعبنا لا تأتي من أسلحتنا أو ثروتنا، ولكن من القوة الدائمة لمبادئنا: الديموقراطية، الحرية، والامل الذي لا ينضب". كان الجمهور مستمرا بالتصفيق ، حين أنهى خطابه قائلاً : "إنّ عبقرية أميركا تكمن في أنها يمكن أن تتغير". في كانون الأول 2009 ، غادرت "آن" هذه الحياة ، بعد أن عاشت لتشهد أيضاً ، استلام الرئيس باراك أوباما جائزة نوبل للسلام في تشرين الأول عام رحيلها. لم يجد أوباما في رصيده ما يستحق الجائزة ، لذلك اعتبر القرار بأنه "تأكيد للقيادة الأميركية من أجل تحقيق الطموحات التي يحملها الناس في جميع البلدان" ، وقبل الجائزة بصفتها "دعوة لجميع الأمم لتجابه تحديات القرن". واضاف في كلمته بأنه لن يتساهل مع عالم يشهد انتشارا في الأسلحة النووية ، فالطاقة النووية السلمية حق لكل الدول ، بعد أن تظهر "نواياها السلمية". وأنه سيسعى لحل "النزاع" بين الفلسطينيين و "الإسرائيليين" بشكل يحقق العيش بسلام وأمن في دولتين مستقلتين. ولم ينس أن يذكر العالم بالتهديد المتنامي للتغير المناخي ، قبل أن يشاطر جائزته مع كل المناضلين من أجل العدالة والكرامة ، اللتان يعتبرهما قضية أميركا الدائمة ، ومن أجلهما "يتطلع العالم إلى أميركا على الدوام". اعتادت الولايات المتحدة الأميركية كل عام ، أن يقف رئيسها ليخبرها عن حالتها في خطاب «حالة الإتحاد». لذلك وقف باراك أوباما في 12 كانون الثاني 2016 ، ليلقي خطابه الثامن في السنة الأخيرة من ولايته الثانية في البيت الأبيض. باسلوبه الحماسي المعتاد ، كرر فلسفته في "القيادة الأميركية الجديدة" ، مشددا على "القيم الأميركية" لمزيد من التأثير العاطفي والتصفيق . كيف نجعل أمريكا آمنة وتقود العالم، بدون أن تصبح "شرطي العالم"؟ يتساءل أوباما قبل أن يقول بأن الولايات المتحدة هي أقوى أمة على الأرض ، وأن حجم الإنفاق على جيشها يفوق البلدان الثمانية التي تليها مجتمعة ، وأن العالم يتطلع إليهم في القضايا الدولية المهمة وليس إلى بكين التي تعاني اضطرابات اقتصادية أو موسكو التي "تنفق مواردها الإقتصادية في سوريا وأوكرانيا". التهديدات تأتي من "الدول الفاشلة" ، و"نزاعات الشرق الأوسط وتحولاته التي ستدوم لأجيال" ، قال أوباما بينما كانت عاصفة من التصفيق تغمر فضاء "حالة الإتحاد". تحدث الرئيس الأميركي عن القاعدة وداعش كتهديد مباشر على شعبه ، ويجب اجتثاثهم ، وهو ما فعلته عبر تحالفها مع 60 دولة لـ"قطع تمويل داعش وايقاف تدفق المقاتلين وايديولوجيتهم الشريرة" ، هكذا قال أوباما قبل ان يوجه لومه إلى الكونغرس "الذي لم يسمح له باستخدام القوة العسكرية ضد داعش!". حالة عدم الاستقرار ستستمر لعقود في أجزاء كثيرة من العالم ، إما بسبب الإرهاب أو نزاعات إثنية أو المجاعة ، وهذا سيجعل العالم يتطلع إلى أميركا لحلّ هذه المشاكل. كيف سنحل مشاكلهم يا أوباما؟ جوابا على هذا التساؤل ، يقول بأن أميركا لا تستطيع أن تحاول السيطرة على كل بلد لـ"حل أزماته" ، هناك مقاربة أذكى ؛ استراتيجية صبورة ومنضبطة مع استخدام حكيم لكل عنصر من عناصر قوتنا. فأمريكا ستتصرف لوحدها عندما تضطر لحماية شعبها وحلفائها ، أما في القضايا ذات الاهتمام العالمي ، فيجب حشد العالم للعمل والمساهمة معنا ، هذه مقاربتنا في سوريا ، وهكذا "منعنا ايران من امتلاك سلاح نووي". "القيادة الأميركية في القرن الحادي والعشرين تعني التطبيق الحكيم للقوة العسكرية وحشد العالم وراء قضايا محقة" هذه هي فلسفة أوباما في السياسة الأميركية الجديدة، التي يجب أن "تعكس أفضل ما فيهم ، وليس أسوء ما فيهم". مع ختام خطابه ، تعالى التصفيق ، بينما كان يقول ، "هذه هي أمريكا التي اعرفها .. هذه هي البلاد التي أحبها .. قلب كبير .. لا تهزها التحديات". على المسرح ، كان أوباما ، دائماً ، يؤدي نفاقه وخداعه باحتراف مذهل ، وهو يسرد الرواية الأميركية لأحداث العالم ، كمشاكل تبحث عن المخلص الأميركي. بينما كان الحاضرون متواطئين معه بالتصفيق. يتحدث عن شبكات إرهابية تهددهم ، القاعدة وداعش ، في الوقت الذي يعلنون فيه أنهم من خلقوا القاعدة وداعش ، ويستمر التصفيق!. يخبرهم عن أيديولوجية داعش الشريرة ، وهم يعلمون أن جذرها هو حليفتهم المملكة الوهابية. يقول بحقّ الدول في امتلاك سلاح نووي بعد أن تعلن نواياها السلمية ، ويعرفون جيدا ، الممارسات العدوانية لـ"إسرائيل" النووية. يتحدث عن مقاربته لحل الأزمة السورية ، دون أن يتحدث عن أن جزءا كبيرا من المأساة السورية ، كانت بسبب العدوانية الأميركية وحلفائها وتنظيماتهم الإرهابية. "يتوقع" عالما غير مستقر لعقود قادمة ، وخلف توقعه تكمن استراتيجية أميركية لتلك العقود القادمة ، فالولايات المتحدة الأميركية ، لا تستطيع الحياة في عالم مستقر. الحلم الأميركي ، يعيش على مآسي الكثير من شعوب الأرض ، هذه حقيقة تاريخية وعلمية. فهذه أمريكا التي نعرفها ، "شيطان" كبير ، حلمه جحيم العالم .