يبقى استمرار الحرب الحقيقة الوحيدة الثابتة , فالتسوية لم تنضج بعد , و لا يزال الخداع و الكذب و النفاق سيد الموقف الأمريكي تحديدا ً, وجل ما تسعى إليه إنتقالها إلى مربع جديد يمنحها المزيد من الوقت و الإمكانية للمضي قدما ً في مخططاتها الثابتة المعلنة وغير المعلنة!؟.
قصة مؤتمر جنيف ..
فبعد الحمل الكاذب " للثورة السلمية " و تسخين الأرض السورية وتحويلها إلى ساحة مزدوجة للحرب على سورية والمشروع المقاوم , وبوابة إنطلاق مشروع الهيمنة في نسخه المتقدمة على طريق السيطرة على العالم , واعتماد الإرهاب والتطرف الديني المدعوم بالبدعة الوهابية و بأموال العرب و أطماع الغزاة و المحتلين و الغاصبين " جيران الشمال السوري وجنوبه وغربه الأوروبي وشرقه الشقيق؟ " , وسيلة ً وحيدة ً لتحقيق الهدف البعيد المنشود , ُأقرت واعتمدت ولادة مؤتمر جنيف1في لحظة سياسية و عسكرية معقدة و مؤثرة كادت أن تقسم ظهر الدولة السورية , وبعيدا ً عن حضور الدولة السورية أصبحت بنود جنيف واقعا ً لا مهرب منه , و الذي وافقت على اعتماد بنوده لعدم تفويت فرصة السلام و توفير الأمان لشعبها.. في الوقت الذي قامت الولايات المتحدة الأمريكية و على لسان وزيرة خارجيتها اّنذاك هيلاري كلينتون بتفسيره يعيدا ًعن تفسير الدولة الروسية .
و مع استمرار المد الإرهابي الرهيب و قضمه المزيد من الجغرافيا السورية , و ارتكابه المجازر المروعة بحق الشعب والجيش ومقدرات الدولة , ودخول نسخه الإرهابية الجديدة على خط الغزو و الإحتلال , ظهر تنظيم " جبهة النصرة " و تبعه تنظيم " الدولة الإسلامية " كمنتج مستورد من العراق في أكبر خديعة لحرف وإبعاد الأنظار وأصابع الإتهام عن تنظيم القاعدة – بالإضافة لعدد ٍ لا يمكن حصره لفصائل وجماعات و ما سمي بجبهات وجيوش ؟؟ .. فكان أن قُدر لمؤتمر جنيف2 أن يولد من رحم الميدان و تماسك الدولة السورية وخروجها من حالة الذهول و الإرتباك , والذي ترجمته بصمود ٍ تاريخي أصبح معه من الصعب هزيمتها و تشظيها , و تحول المؤتمر لفرصة لإلتقاط الصور التذكارية و إعتلاء المنابر الإعلامية لشخصيات ٍ " معارضة " يجهلها الشعب السوري - و لم يعترف بها يوما ً- , و كان تمسّكها الواضح بند ٍ خيالي وحيد يدعو لتشكيل هيئة حكم انتقالي لا يعلم أحد ٌ من أين جاؤوا و احتفظوا به في رؤوسهم فقط , وقد قام يومها الأمريكي فورد – سفير الإرهاب – بالجلوس خلف معلمه كيري و اجتهد في نقل و إيصال قصاصاته الشهيرة لوفد " المعارضة " في مشهد ٍ سخيف .. و انتهى اللقاء بسلة ٍ فارغة دون حصاد.
كان لا بد للميدان أن يجتهد لكسر الجمود الحاصل و تعطل الحلول , فوصل دعم الإرهابيين حدا ً غير مسبوق , و تباهت الدول الداعمة بالأسلحة و الصواريخ النوعية ولم يتوانى العدو التركي والإسرائيلي في التدخل المباشر لمنع إنهيار المجاميع الإرهابية والقضاء التام عليها.. لقد كانت جولة ً دامية بإمتياز, سحق فيها الجيش العربي السوري أعدائه و استطاع أن يحرر الكثير من المواقع الإستراتيجية , و تمكن من بالتعاون مع المقاومة اللبنانية من تغيير وكسر قواعد الإشتباك السابقة .
وقد أدرك العقل والمخطط الأمريكي حاجته لبعض الوقت , فكان تمدد "داعش" نحو أوروبا وخصوصا ً فرنسا و اسبانية و بلجيكا , فيما دُفع بأكذوبة "الحل السياسي" لتعلن ولادة لقاءات القاهرة و اسطنبول و موسكو1 و 2 , و فيينا 1و 2 , في الوقت الذي أقرت فيه المنظمة الأممية ومجلس الأمن مجموعة القرارات ( 2170و 2178 و 2199 و2253 و2254) , التي تطال الإرهاب و داعميه و تمويله ووقف الحرب والتفاوض بين وفد المعارضة ووفد الدولة السورية – و التي بقيت حبرا ً على ورق -, وسط ذهول العالم لإطلاق الدولة السورية و قيادتها العسكرية قرار الحسم , و تحولها من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم , كما أتي قرار الدولة الروسية بمشاركة الدولة السورية الحرب على التنظيمات الإرهابية في سورية و خصوصا ً "داعش" بعد مدة 14 شهرا ً للمسرحية الأمريكية و حربها الهزلية وحلفائها على "داعش".. الأمر الذي خلط الأوراق و فرض الإرتباك والذهول على الجميع , وأغلق جميع أبواب التصعيد العسكري الخارجي و بدأت ُأكل التحرك العسكري المشترك للدولتان تجني ثمارها.
كان من الضروري للولايات المتحدة أن تتحرك سريعا ً لتفادي الهزيمة مع تراكم وتزايد انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه , وأصبح من الضروري أن تهبط عسكريا ً من الجو نحو الأرض , وسياسيا ً بأن تفتح المجال لتنفيذ ما اتفق عليه في خلاصات اللقاءات السابقة و خصوصا ً فيينا , الذي قدم ما يشبه خارطة طريق الحل السياسي , والتي اعتمدت جدولا ً زمنيا ً وحددت الملامح العريضة للحل كعلمانية الدولة السورية , و تشكيل طيف ٍ واسع للمعارضة السورية , فيما ُأوكل للأردن تنظيم قوائم التنظيمات الإرهابية في سورية , وعزلها والتفريق بينها و بين ما يسمى " المعارضة المعتدلة " , في مهمة ٍ أشبه ما تكون بالمستحيلة و المحرقة الحقيقية للمملكة , فكانت حملات الرشاوى وتلميع بعض التنظيمات الإرهابية تشكل ضغطا ً رهيبا ً عليها , و ُأوكل للمبعوث الأممي مهمة تشكيل وفد المعارضة و تحديد موعد لقاء و مؤتمر جنيف3 , و سمح للدولتان الراعيتان بالمساعدة في ذلك .
فسارعت الرياض لعقد مؤتمر المعارضة على أرضها و فرضت و احتواء و شراء المعارضين , تحت حجة توحيدها , فكان أن احتكرت الأسماء وعزلت من عزلت و خرجت بقائمة دعيت بقائمة الرياض " الهيئة العليا للتفاوض" المؤلفة من 17 شخص برئاسة أسعد الزعبي و محمد علوش القائدان الإرهابيان بإمتياز , وسط اعتراض موسكو على عزل ممثلي بعض فصائل المعارضة و خاصة الكردية منها , وطالبت بعزل الزعبي علوش , و استبدالها بمعارضين مدنيين , و دفعت بقائمتها المؤلفة من 15 شخص , واقترحت انتخاب 8 أشخاص يمثلون القائمتين معا ً, أو بإرسال وفدين معارضين !.
في الوقت الذي رفضت فيه السعودية كل الإقتراحات و الحلول و تصرّ على التمسك بأزلامها في القائمة فقط , في ظاهرة غريبة يصمت فيها المجتمع الدولي عن تدخلها السافر و تمثيلها المزعوم للشعب السوري ..
و قد من المضحك أن يذهب كيري إلى الرياض لإقناعها بالحلول المقبولة ؟ و يخرج دون خجل ليعلن رفض المملكة , و يقدم دفاعه عن مواقفها العدائية من إيران و يتحدث عن النوايا الطيبة .. عجبا ً هل يملك العبد أمره و قراره و قدرة فرضه على سيده "العم سام" !!.. في الوقت الذي يستمر الحاقد والمعتوه السعودي عادل الجبير في إطلاق جنونه و تهجمّه على الدولة الإيرانية ويعتبرها "من أكثر الدول رعاية ً للإرهاب في العالم" , بما يعكس غضب المملكة من نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي لم ينجح بتصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية , و جعلها تخسر بطاقة المقايضة بينه و بين " جيش الإسلام " و " أحرار الشام " الإرهابيتين على لوائح الإرهاب الأممية .. إن مواقف الجبير تأتي لتنسجم مع تصريحات الأمريكية حول إمتلاك حزب الله ل 80 ألف صاروخ وصلته عبر إيران و سورية .
في الوقت الذي تُلمح الإدارة الأمريكية بما يشبه التهديد بفتح صفحة ٍ جديدة للحرب على الأرض السورية بعد تبنيها و دعمها لما يسمى " قوات سورية الديمقراطية " و تستفيد من المواقع التي تسيطر عليها على الأرض .. إذ يؤكد وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر" أن بلاده مستعدة للحل العسكري إذا لم يكن الحل السياسي ممكنا ً ".
كما سبق لوزارة الدفاع الأميركية أن أعلنت عزمها لبدء عملية برية في سوريا والعراق بما يمثل جزءا ً من إستراتيجية التحالف الدولي لمحاربة "داعش" هناك , كذلك بقوله في مقابلة مع قناة CNBC الجمعة 22 الجاري : " يجب علينا إلحاق الهزيمة بـ داعش " .. وأكد دعم ما دعاه ب"القوات المحلية" , في إشارة إلى الجيش العراقي والقوات الكردية والقوات الحليفة لهم في سورية ، واصفا ً هذا النهج بأنه "مسألة استراتيجية", و يقول :" يمكننا أن نقدم لها المساعدات لتعزيز قدراتهم ، بما في ذلك أن نكون على الأرض بجانبهم".. في حين رأى مصدر دبلوماسي روسي أن تصريح نائب الرئيس الأميركي جو بايدن حول الإستعداد للحل العسكري في سورية يحمل طابعا ً هداما ً في الوقت الذي تبحث فيه كل الدول عن تسوية سياسية.
على الرغم من تضارب التصريحات حول موعد المؤتمر, و نزع صفة القدسية عن موعده في 2512016 – بحسب ديمستورا- تؤكد الولايات المتحدة وروسيا ثقتهما أن المفاوضات ستجري قريبا ًخلال الشهر الجاري .. في حين لم يعد خافيا ًعلى أحد أن توحيد المعارضة في وفد واحد غدا ضرب ٌ من الخيال.
يبدو أن المبعوث الأممي"ديمستورا" يدرك صعوبة مهمته بإعداد وفد المعارضة أم وفدان أم ثلاثة !؟. فيهرع كيري لمساعدته بتأكيده " أن لا إمكانية الآن لتحديد موعد معين للمفاوضات حول الأزمة السورية"... خصوصا ً
مع إصرار الرياض على حماية أذرعها الإرهابية , و تأكيد لافروف من زيورخ عقب لقائه جون كيري, أن كلا من "جيش الإسلام" وحركة "أحرار الشام" تنظيمان إرهابيان وأن موسكو قدمت الدلائل حول هذا الأمر لمجلس الأمن.. و ما يزيد من صعوبتها أيضا ً تقدم الجيش السوري على عشرة محاور, وأصبح على مشارف مدينة الرقة ، وحقق أهم الإنجازات في أرياف اللاذقية الشمالي وحلب الجنوبي و ريف دمشق الغربي و الشرقي و ريف السويداء الجنوبي- الشرقي , و يعمل على التحربر المدروس , وتضييق الخناق على حركة " أحرار الشام " التي تضم " جيش الفتح " أحد فروع "جبهة النصرة" الموضوعة على لائحة الإرهاب الأمريكية , فيما يبقى تنظيم "جيش الإسلام" ذراع السعودية الوحيدة والأخيرة في الجنوب السوري الضامن الوحيد لبقائها في دائرة التفاوض.
و على الرغم من الإجماع الدولي لعدم وضع شروط مسبقة يمكنها أن تعرقل المحادثات السورية - السورية , فلا يزال البعض يضع شروط مشاركته و يهدد بعدمها , كما فعل جورج صبرة , فيما أتاه الرد الروسي صاعقا ً بإمكانية استبدال الوفد برمته !.
و تبقى الحرب الكونية على سورية , وحرب سورية و حلفائها على الإرهاب العنوان الأبرز للأحداث , فقدت معه كل اللقاءات والمؤتمرات جوهرها , و أظهرت بما لا يدع مجالا ً للظن أو الشك أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من تقود الحرب على سورية , وهي المخطط و الممول و الداعم و المنفذ لكل الجرائم الإرهابية , و الأب الروحي لكافة التنظيمات الإرهابية , مهما اختلفت أذرعها وأدواتها من دول و ممالك و مشيخات .. و هاهي تلبس لبوس كافة أشكال المعارضة إن كان في تركيا, فرنسا, القاهرة, الأردن, السعودية, حتى في الداخل السوري.. و كان حريا ً بها أن تُعلن عن نفسها عدوا ً غازيا ً و محتلا ً , دون الحاجة لتظهر بغير ثوب وبغير شكل , فالعالم يدرك أنها لن تتخلى عن موقعها " الطبيعي" على قمة رأس الهرم الإرهابي في العالم , وأنها أم الشرّ وأصله الحقيقي.
الولايات المتحدة.. تختبئ وراء الإرهابيين والمعارضين
2016-01-24
بقلم: ميشيل كلاغاصي