انطلقت في مدينة ميونيخ الألمانية محاولات قيل أنها في إطار " إحياء " المفاوضات السياسية السورية المتعثرة أو بالأصح " الميتة " التي تغيب عنها أي جهود فعلية تشي في حيثياتها عن بارقة أمل أو أفق جامع للأطراف المشتبكة في الملف السوري قد تنتج عوامل ومقومات للحياة في هذه المفاوضات ذات الأرقام القياسية في مستوى تعقيداتها وتشابكها وعناد أطرافها.
من المغرب أطل الجبير في مشهد غير جديد، لناحية الخطاب وترديد المردد، إلا أن جديده كان معقداً سياسياً عصياً على التقبل و"الاستساغة " إذا ما أردنا تحليل مكوناته بمعيار الموضوعية لجهة ما أبداه من حرص منقطع النظير لبلاده على الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، ووقف القتال فيها مردفاً أن بلاده ستستمر في دعم الشعب السوري لإزاحة " الطاغية " في دمشق، في معادلةٍ أقل ما يمكن أن تفسر بأن طرفها الثاني يلغي بل وينسف طرفها الأول.
الجبير لم يكتف بذلك لشرح جديده والكشف عن بدائله إذ أعلن عن ما سماها بالخطة "ب " في حال فشل المفاوضات السورية، هذه الخطة التي لا نعلم ماهو الجديد فيها، وكيف سميت بديلاً أساساً إن كان الحل السياسي فيها " بحسب الجبير " لا يشمل الرئيس الأسد بأي حال من الأحوال تماماً كالخطة التي أعلن عنها لافروف في مقابلة مع صحيفة موسكوفسكي والتي قدمتها موسكو لواشنطن، إذ لا تتضمن الحديث عن رحيل الأسد، لتأتي كل تلك البدائل والخطط في إطار المماطلة و "العبث" السياسي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
فيتالي تشوركين كان الأقوى خطاباً والأكثر " فلسفة " بين الجميع إذا أكد أن بلاده ترفض الاتتقادات الغربية، ولن تعتذر عما تقوم به في الشمال السوري في حلب دعماً للجيش العربي السوري وحلفائه، مضيفاً أن الحملة العسكرية الروسية تجري بطريقة شفافة جداً على حد تعبيره، وأن موسكو مستمرة بدعم الحل السياسي، والاستئناف السريع للمفاوضات، هذه الشفافية التي كانت فيها مدلولات وتوقيت تكثيف الغارات الروسية في حلب واضحة المعالم وشفافة للغاية لا يحجبها أويلفها أي غموض لجهة الايمان المطلق باستراتيجية الحسم العسكري.
وحده الاسرائيلي الذي صاغ خطابه بتميز واقتدار وحرفية عالية أظهرت مدى ضعفنا وبؤسنا وصغرنا ورداءة موقعنا وهيبتنا وقبح صراعنا الذي يرقص فيه عدونا على إيقاعات تشرذمنا واقتتالنا، ويتمايل فرحاً لرؤية ما يفرزه المشهد السياسي، إذ وفي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الإسرائيلي ريفلين وخلال لقائه رئيسة مجلس الاتحاد الفيدرالي الروسي فالنتينا ماتفينكو أن " إسرائيل " تؤيد الموقف الروسي حول الوضع السوري، وعلى استعداد لمحاربة الارهاب جنباً إلى جنب مع الروس وكذلك لم تبخل ماتفينكو بالمغازلة وطيب الكلام عندما أكدت على عمق العلاقات الثنائية بين البلدين، وأن لكليهما مواقف موحدة لجهة رفض التزوير في التاريخ وتمجيد أنصار الفاشية وانكار المحرقة، أطل رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق عاموس جلعاد ليعلن أن " إسرائيل " تدعم بقوة التحالف السني بقيادة السعودية لمحاربة الإرهاب.
المؤكد أن " الطبيب " الألماني وبرفقة زملائه لن يطيلوا المكوث في غرفة العناية الفائقة ليخرجوا ويعلنوا " فشل " محاولة الإحياء إذ لن تكون هناك محاولة فعلية أصلاً، وكل الحاصل اختصره فابيوس أثناء مغادرته الحكومة وإن كان توصيفه حول الجهود الأميركية في محاربة الإرهاب إلا أنه ينطبق تماماً على الحل السياسي السوري إذ قال : ( ثمة أقوال والأفعال مسألة أخرى)، وتالياً فإن كل الحاصل في اعتقادنا وإن كان عنوانه جهوداً تسووية، هو التهيئة لمرحلة "إعادة التوازن " للميدان السوري الذي أعلن عنه رياض حجاب مردداً ذات التوصيفات التي ذكرتها مصادر سعودية في وقت سابق، فالحرص السعودي على الحفاظ على المؤسسات السورية، وشفافية السوخوي في عملياتها العسكرية، قد جهزا الكفن، وأسفي عليك ياوطن، ولتهنَئي يا " إسرائيل ".
*كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com