موجة غير مسبوقة من التحليلات والتوصيفات الإعلامية ولاسيما الإسرائيلية منها لجهة السلوك الروسي " المثمر " في الميدان السوري وتبعاته المنعكسة على الحراك السياسي الدولي، والذي كان آخره مؤتمر ميونخ الذي وجدت فيه " تل أبيب " تتويجاً لروسيا كدولة عظمى ولاعباً أساسياً ومحورياً في المنطقة، مقابل ما سمته أفولاً لنجم أميركا الضعيفة، حتى السيناتور الأميركي جون ماكين وجد في الحراك الروسي محاولة لتقسيم حلف الناتو وتقويض المشروع الأوروبي، بدوره محلل الشؤون العسكرية في صحيفة يديعوت أحرنوت أليكس فيشمان ونقلاً عن مصادر أمنية وسياسية قال أن كل دولة تخطط لعمل عسكري في سورية يجب أن تفكر مرتين لجهة الرد الذي سوف تبديه روسيا، كذلك جاءت تحليلات منظر الشؤون الأمنية الإسرائيلية روبين بيرغمان بذات الزخم لجهة أن وقف إطلاق النار المتفق عليه بين الروس والأميركان قد تحول لورقة بيضاء، وإن موسكو غير معنية به على الإطلاق وقبل أن يجف الحبر الذي كتب به استمر القصف الروسي في حلب، مضيفاً أنه عندما تتهم أميركا روسيا للمرة بعد الألف بخرق الاتفاق فإن شيئاً لن يحدث مطلقاً.
وحده وفي زحمة هذه التحليلات المظهّرة للدور والحضور الروسي في المنطقة، يطل الجبير مجدداً وهو الذي يصول ويجول كثيراً هذه الأيام ويتنامى حراك مملكته لمستويات غير مسبوقة لتفصيل الحلول النارية وتصدر المشهد، يطل ليعلن أن الروس سيفشلون في إنقاذ الأسد ولاندري علام يعول الجبير وممن يستلهم كل تلك الثقة التي جاءت رسائل الأميركي واضحة المدلولات لتجعل من " الهيجان " السعودي حركة بلا بركة بالرغم من الترحيب الأميركي بجديد التوجه السعوي في سورية، والذي وجد فيه كيري خطة طموحة لكن هو نفسه من قطع الحبل في ذروة التهاب الطريق وسخونة المعركة عندما أجاب معلقاً على أحد نشطاء المعارضة السورية بالقول : هل تريدوننا أن ندخل في حرب مع روسيا من أجلكم.
فهل فعلاً باتت روسيا هي المتحكم الناجز في الميدان السوري على وقع أيادٍ أميركية "مكبلة"؟ وكيف تمكن لنا قراءة الرؤية الأميركية لجديد التوجه السعودي؟
لا شك بأن الأيام القليلة الماضية أفرزت تحولاً كبيراً في يوميات الحرب السورية، لجهة الدور الروسي اللافت واسناده الجوي للجيش السوري وحلفائه ولاسيما في الشمال، ولكن لا نتفق مطلقاً أو ربما قد نتوافق إلى حد معين مع التحليلات المعلنة حول ذلك لجهة تراجع الموقف الأميركي وحضوره في المشهد السوري، لكن ليس لدرجة أفول النجم الأميركي والتسليم المطلق بالخسارة في مواجهة الخصم الروسي في سورية، فلا يزال الأميركي يعول على إيلام الروسي لكن بأشكال وطرق مختلفة.
يقول الدبلوماسي الأميركي السابق دنيس روس: إنّ الفراغ الحاصل في سوريّة تفاقم من عدة نواحٍ بسبب الإحساس بتقلص دور أمريكا بالمنطقة، ممّا أوجد فراغًا أكبر فتح المجال أمام نشوء المنافسة المتزايدة بين إيران والسعودية، عاداً تلك المنافسة بأنها لن تتصاعد لتصل إلى صراع مباشر، ولكنها ستدفع الطرفين إلى النظر إلى الحروب الجارية بالوكالة كحروب لا ربح فيها ولا خسارة، مضيفاً إن تقلص الدور الأميركي فتح الباب أمام روسيا لإثبات حضورها كقوة عظمى، والأهم من ذلك هو حديث روس عن ما سماها المبادئ التوجيهية للتدابير العسكرية التي تفيد واشنطن، والتي يجب أن تنطلق من الاعتماد على الشركاء المحليين بشكل رئيس لمواجهة داعش ويكون دور أميركا فيها محدود ويقتصر على إدارة المعركة وهذا ذاته ما ينطبق في اعتقادنا على رؤية واستراتيجية الولايات المتحدة في التعاطي مع التوجه السعودي في سورية لجهة وضع الشركاء في " بوز " مدفعها في النار السورية وفق زمان ومكان وحجم مشاركة تخطها فقط الريشة الأميركية، ومراقبة تطورات الصدام فيما بعد وإدارته من بعيد، ومن هنا نقرأ ونفهم عدم استبعاد مصادر ومواقع إسرائيلية إمكانية نشوب حرب( وبغض النظر عن طبيعتها وديمومتها) بين السعودية وروسيا، وكذلك نفهم حصر مفاعيل التوجه السعودي الجديد بأنه لا يرجع للسعودية انما للتحالف الذي تقوده أميركا كما أعلن الجبير غير مرة.
المؤكد أن بوتين لن يستجيب لطلب نظيره الأميركي الذي هاتفه مطالباً بوقف العمليات العسكرية ضد التنظيمات المعتدلة وضرورة اضطلاع روسيا بدور بناء في سورية، فالدب الروسي مستمر في " البطش " بيده الحديدية دفاعاً عن موقعه كدولة عظمى تماماً كما تقول وسائل الاعلام الإسرائيلية، وبذات الاندفاعة يمضي " الثعلب " الأميركي في رسم سيناريوهات المكر والحيلة في تطبيق القديم الجديد الذي وجد من خلاله ثعلب السياسة الأميركية ومنذ سبعينيات القرن الماضي هنري كسينجر، لجهة أن إشعال حرب سنية شيعية هو الأكثر جدوى للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، فممثلة " السنة " جاهزة، و" ممثلة الشيعة" في الميدان، والنار وقودها الشعوب والأوطان، ولن تكون برداً وسلاماً إلا على بني صهيون.
* كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com