2025-06-09 02:14 ص

سورية.. همسات شجرة

2016-02-17
بقلم: ميشيل كلاغاصي  
يا لحال هذا الزمان.. فلم تعد الجذور تحمي من إكترث واّمن بها ولا من تخلّى عنها , و بتنا لا نشبه بعضنا البعض , وأصبحنا فريقين أو أكثر, وتطابقت حكايتنا وحكاية شجرة الزيتون و البستاني , الذي يأتي في كل عام ليقطف ثمرها فيأكله أو يبيعه أو يعصره زيتا ً. يا له من ناكر ٍ للجميل فقد يرحل في أية لحظة إلى غير بستان .. تروي الشجرة : لا أدري كم سأعيش حتى يُرمى بي في النار , و مع ذلك سأقوم بواجبي .. و سأكون سعيدة إن رأيته استفاد من ناري و لبس نوري و حرارتي , وعساها تنبت في صدره وعقله جذورا . لا أدري من منّا خدع الاّخر .. أعساه لم ير جذوري و أنا لم أسمع صوته ؟ بلى لقد سمعته يغني و هو يقطف ثمري و يلعن صلابة جذوع أخواتي و صديقاتي يوم الحطاب .. و بت أتساءل هل خدعتني ُأذني أم لغته الجديدة, أم أصابه الجهل و قصر النظر و العمى !؟.. اّه ٍ يا زمن .. فلو تكلم البشر بأفعالهم لسمعنا آلاف اللغات وكان للحطابين والأشرار والمنافقين والخونة والعملاء لغاتهم. و فيما تروي الشجرة حكايتها , قفزت فجأة ً إلى رأسها الأفكار وشعرت بالحقل يدور, و كأنها تركض باكية , خائفة ولا تعرف لمن تلجأ !؟ و تقول: أفعلتها الأرض أيضا ً و خدعتني, أهي الحقيقة المرة أم هو الشك والريبة ؟ يا للغرابة والفظاعة فلقد سمعتها مرارا ً تتكلم العربية .. لم أعد أستطيع التركيز والتفكير , ألعل عمري وقلة ثمري وثُخن جذعي أثقل سمعي و منعني كضباب ٍ كثيف و لم أر الحقيقة ؟. لا تخافوا سأهدئ من روعي و سأعيد التفكير من جديد ومن بداية الحكاية , وسأتمسك بجذوري و جذعي و أوراقي و لن أدع أفرع أفرعي أن تأخذني بعيدا ًعن تاريخي و أصلي .. و سأدوّن أفعال البستاني و ليس أقواله , و سأعيد صقل حقائقي التي أؤمن بها أنا و جده بعيدا ً عن تلك الكلمات و الشعارات التي يرددها حتى يوم احتفاله بعيدي ... يا لي من حمقاء !! إذ صدقته يوم قال: زرعوا فأكلنا.. و نزرع ليأكلوا, فليس من طبعي الغدر ولا البخل , و إلاّ لحرمته من ثمري و فيئي و حضني , لن أغير عاداتي و سأنتظر يوما ً يعود بستانيّ أنا حاملا ً بيده دلو ماء يطفئ ظمأي , لا بدموع و حسرة , فلن أتمالك نفسي و لن أدير وجهي و أخفي حبي .. فأنا شجرة زيتون سورية , فكما كنت لهم طوال عمري سأكون الاّن .. و لأني دائمة الخضرة و جذوري عميقة و جذعي ثخين سأبقى أظللهم و بثمري و بيدي أطعمهم علهم يهتدون.