ستة عشر عاما من العمل الاعلامي بتلفزيون وفضائية فلسطين ... وخمسة أعوام متتالية من عمر البرنامج التلفزيوني جسر الوفاء والذي كان لي شرف اعداده وتقديمه ... هذا البرنامج الوطني الانساني ... الذي كان حلقة الوصل ما بين صوت شعبنا وأبنائهم بالحركة الأسيرة داخل السجون والمعتقلات الاسرائيلية ... كان لي شرف الاستماع لصوت أخواتي واخواني من داخل السجون كما كنت أقوم على قراءة الاف الرسائل التي كانت تصل تباعا لهيئة الاذاعة والتلفزيون وتحديدا لبرنامج جسر الوفاء ... حيث كنا نستمد المعنويات ونتعرف بصورة كبيرة على معاناة أسرانا وحقيقة مشاعرهم وتطلعاتهم حتى كنا نقرأ أدبياتهم وشعرهم ونثرهم ... مشاعر فياضة وعواطف جياشة وأحاسيس يغلب عليها انسانية عالية ووطنية رائعة في ظل الام لا توصف وعذابات تزداد رويدا رويدا ... مع فجر كل صباح ... ومع عتمة الليل .
تجربة اعلامية اعتز وافتخر بها ... ولا زلت اسجلها واعيش ايامها من خلال عظمة هؤلاء الأبطال الذين كانوا يسجلون أروع صفحات مجدهم بكلمات ورسوم معبرة وبأبيات شعرية لا زالت تتردد ... بهذه العظمة والكبرياء الوطني والارادة الصلبة التي لن ولم تعرف المستحيل .
تجربة اعلامية مع اخواتي واخواني من أبناء الحركة الأسيرة تعرفت عليهم وتواصلت معهم عبر الأثير والهواء وعبر رسائلهم والتي أكدت لي أن هناك داخل السجون والمعتقلات الأبطال الحقيقيين ... والأبطال المناضلين الصامدين الذين لا يعرفون لليأس طريق والذين لم يستسلموا للإحباط مهما اشتدت عليهم هجمة السجان وممارسات ادارات السجون التي كانت تمارس بحقهم الكثير من الاجراءات التعسفية والاجرامية .
تجربة اعلامية عبر برنامج جسر الوفاء ... كما تجارب اخوات واخوة في وسائل الاعلام الفلسطيني الذين تخصصوا بالعديد من البرامج ذات العلاقة بالحركة الأسيرة ... الا انها بحق تجربة فريدة ومتميزة أضافت لي شرف التواصل مع أخواتي واخواني ... ولأتعرف أكثر على احتياجاتهم وهمومهم ومطالبهم والتي كانت بمعظمها تتحدد بالعديد من النقاط من أهمها :
أولا: ضرورة التأكيد على أن تكون قضية الأسرى في سلم أولويات القيادة الفلسطينية .
ثانيا: التأكيد على أن أي اتفاقية سياسية يجب أن تشمل ببنودها الافراج الكامل عن كافة أسرانا داخل السجون وما يسمى (تبييض السجون).
ثالثا: التأكيد أن الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الاسرائيلية يجب ان يتم التعامل معهم كأسرى حرب بما لهم من حقوق.
رابعا: أن تستمر كافة الحملات للاهتمام بقضايا الحركة الأسيرة بعيدا عن الموسمية وردات الفعل بل اعتبار قضيتهم قضية عمل دائم ومخطط ومتواصل ولكافة المستويات وعبر كافة الوسائل.
خامسا: استنهاض الحالة الفلسطينية والعربية والدولية بخصوص قضية الأسرى من خلال تفعيل المؤسسات الحقوقية والانسانية والتأكيد على محاسبة مجرمي الحرب الاسرائيليين وتجاوزاتهم اللا انسانية اللا قانونية ضد اسرانا داخل السجون والمعتقلات .
سادسا: استمرار الحملات السياسية والدبلوماسية والاعلامية وممارسة اعلى درجات الضغوط على الحكومة الاسرائيلية من أجل الافراج الفوري عن أسرانا لعدم قانونية محاكمتهم .
سابعا: استمرار المطالبة بتحسين الظروف الاعتقالية وعدم القبول بحالة الاهمال الغذائي والطبي وما تجري من ممارسات وانتهاكات يحاسب عليها القانون الدولي الانساني.
ثامنا: استمرار المطالبة بحقوق الحركة الأسيرة داخل السجون والمعتقلات والمحددة بالقوانين والأنظمة المتعلقة بأسرى الحرب وعلى رأسها حق الزيارة وتلبية احتياجاتهم ... وتحسين ظروف معيشتهم ورعايتهم الصحية وسلامة ومناخ اعتقالهم بما يحفظ لهم قدراتهم الصحية والنفسية وعدم العبث بمقدراتهم الانسانية .
تاسعا: محاسبة هذا الكيان العنصري على كافة تجاوزاتهم واساليبهم القمعية واجراءاتهم التعسفية وسلامة الأسرى داخل السجون وادانة الاحتلال على كل ما يسيئ لحياة الأسرى .
هناك الكثير من المطالب الحيوية للحركة الأسيرة وعلى رأسها وفي سلم أولوياتها حقهم الكامل بالحرية والانعتاق وعدم قانونية احتجازهم وأسرهم واعتقالهم ومحاكمتهم على اعتبار ان الاحتلال غير شرعي ولا يمت بأي صلة بالقانون بل هو تجاوز لكافة القوانين والأعراف والتي تطالبه بالرحيل والانسحاب وعدم جواز الاعتقال أو الأسر أو اجراء المحاكمات الصورية ... أو تحديد الاقامات الجبرية أو الاعتقالات الادارية ... اجراءات تعسفية همجية غير قانونية وغير انسانية ... كان اخرها الاعتقال الاداري للأسير الصحفي الزميل محمد القيق واضرابه المفتوح عن الطعام واستخدامه لسلاح الأمعاء الخاوية كأحد الأسلحة المتاحة للحركة الأسيرة عبر سنوات طويلة استطاعت فيها الحركة الأسيرة أن تحقق الكثير من المطالب ... وأن تحسن الكثير من الظروف الاعتقالية ... الا أن قضية الزميل الصحفي محمد القيق ... قضية فاقت بوقائعها كل ما كان قائما بهذا الصمود الأسطوري ... وهذه العزيمة القوية ... والتي أراد من خلالها زميلنا الصحفي محمد القيق أن يؤكد من خلالها أن الاحتلال العاجز عن فرض ارادته لا يستطيع بكل قوته أن يفرض ارادته ... حتى على ارادة من يعتقله ... لأن ارادة الفلسطيني المؤمن بقضيته والمعتز بانتمائه والمصر على خطواته لا تثنيه تلك الممارسات الهمجية والتعسفية ... ولا يخيفه هذا الاحتلال بكل اجرامه وعنصريته وهمجيته .
ان استمرار اعتقال الزميل الصحفي محمد القيق جرما انسانيا قانونيا كما انه انتهاكا فاضحا لمهنة الاعلام والصحافة وحرية العمل الصحفي والتي تعطي فرصة التحرك والعمل المهني ... كما كافة الصحفيين وبكافة المناطق وفي كل الأحوال ولا يجوز للاحتلال أن يستخدم وسائله التعسفية واعتقالاته الادارية بحق من يخالفونه الآراء والمواقف .
ان الصحفي الزميل محمد القيق يعمل بمنظور مهني ووطني ولا يجوز اعتقاله أو محاكمته ... بل يجب الافراج عنه فورا والحفاظ على حياته للعودة لزوجته وأبنائه ... وان استمرار اسرائيل باعتقاله في ظل ظروف الخطر الشديد على حياته انما تتحمل اسرائيل المسؤولية الكاملة عن حياته .
قضية الزميل الصحفي محمد القيق قضية رأي عام تجاوزت الحدود والجغرافية الفلسطينية ... واصبحت أحد القضايا العالمية الانسانية والقانونية والدبلوماسية والتي تتطلب تحركا سريعا لإنهاء اعتقاله والحفاظ على حياته وعودته سالما .
*اعلامية ومذيعة بتلفزيون وفضائية فلسطين