2025-06-08 11:09 م

الزعرنة والرعونة والتهديدات لن تحقق لكم شيئا سوى المزيد من الخيبة!!

2016-02-20
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
لا يمر يوم في هذه الأيام الا وتقرأ أو تسمع التهديدات النارية التي يطلقها الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء التركي أوغلو الى روسيا ودورها في سوريا الى جانب تهديد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في الشمال السوري وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب الكردية التي تحارب تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة الحدودية مع تركيا بالتنسيق مع الجيش العربي السوري وروسيا التي تقدم غطاء جويا لهذه الوحدات في تقدمها. والمتابع الدقيق لما يجري على الأرض السورية يدرك ان حجم هذه التهديدات الجوفاء تصاعدت وتتصاعد بقدر ما يتحقق من انتصارات للجيش العربي السوري وحلفاؤه على الأرض في مقابل الانهيارات والهزائم في صفوف المجموعات الإرهابية المدعومة من قبل تركيا وقطر والسعودية والولايات المتحدة عبر خمسة سنوات متواصلة على أمل اسقاط الدولة السورية وتغيير النظام في سوريا. السيد اردوغان ورئيس وزراءه السيد أوغلوا يهددون ان عواقب التدخل الروسي ستكون وخيمة وأن تركيا لن تقف مكتوفي الايدي إزاء ما يحدث على الساحة السورية وأنها ستتدخل "لحماية المدنيين" أو للحفاظ على أمنها القومي. وتعلن الان انها تريد إقامة حزام أمني أو منطقة عازلة أو منطقة حظر جوي بعمق 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية، وان اعزاز هي خط أحمر. ومن الواضح ان امنيات اردوغان تتضاءل تدريجيا كما هو الحال مع عمق منطقة الحظر الجوي التي أرادها حيث تراجعت من ما يقرب من 50 كيلومتر الى عشرة كيلومترات. المطالبة بمنطقة حظر جوي نادى بها اردوغان منذ بداية الازمة السورية على امل ان تتكرر التجربة الليبية التي تم بها التدخل تحت ذريعة "لحماية المدنيين" لتنتهي بعملية تغيير النظام وقتل العقيد معمر القذافي بصور متناهية في وحشيتها وهمجيتها، والى تحويل ليبيا الى دولة فاشلة بكل معنى الكلمة ولتصبح مرتعا وبؤرة للتنظيمات الإرهابية بكافة اطيافها من القاعدة الى داعش الى امراء الحرب. وعندما لم تستجب الإدارة الامريكية والاتحاد الأوروبي الى الدعوات المتكررة لاردوغان رفض اردوغان الانضمام الى "التحالف الدولي" لمكافحة داعش تحت قيادة الولايات المتحدة ومن ثم ساهم بشكل كبير في اغراق الدول الأوروبية بالمهاجرين واللاجئين من سوريين وغير سوريين أيضا الذين ارسلوا عن طريق اليونان من الأراضي السورية. أما قضية الخطوط الحمر التركية الاردوغانية فلقد تكرر تردادها مع كل مفصل من مفاصل المكتسبات التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه على الأرض والدعم الكامل والمبدئي الروسي في الجو. فحلب اعتبرت خط أحمر من قبل الرئاسة التركية وها هي المناطق في حلب واريافها تتساقط الواحدة تلو الأخرى فماذا فعل اردوغان؟ وأقيمت الدنيا ولم تقعد عندما تقدم الجيش العربي السوري الى جبل التركمان وهددت تركيا بالتدخل لحماية "أبناء جلدتهم" وسقط جبل التركمان وسقطت معه أحلام اردوغان في اقتطاع جزء من الجسد السوري فهل تجرأ اردوغان بالدخول بقواته؟. وهدد الرئيس اردوغان ورئيس وزراءه وحدات حماية الشعب الكردي في سوريا من العبور الى الضفة الغربية من نهر الفرات واعتبر هذا خط احمر آخر. وتمكن الاكراد من العبور ووصلوا الى مشارف اعزاز ودخلوا الى بعض المناطق بها ولكنهم اضطروا من التراجع قليلا نظرا لكثافة النيران التركية التي قصفتهم دون هوادة ولكنهم لم يتركوا الميدان ولم تتجرأ القوات التركية من العبور الى داخل الأرضي السورية لان الطيران الروسي والسوري لهم بالمرصاد. الخطوط الحمر التي وضعتها تركيا اردوغان لحماية المجموعات الإرهابية العاملة تحت امرتها من الفناء المادي والسياسي تساقطت وتتساقط الواحدة تلو الاخرى. لم يعد خافيا على احد المطامع الاردوغانية ودعمه للإرهاب حتى أصدقائه وحلفاؤه في الكيان الصهيوني باتوا يوجهون التهم اليه بهذا الشأن. اما الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي فقد ضاقوا ذرعا برعونته واندفاعه وتهوره وعربدته السياسية والعسكرية وتصميمه على جر المنطقة الى حرب لا يحمد عقباها على امل ان يحقق طموحاته الفردية وأصبح اردوغان عبئا ثقيلا لهم بدلا من ان يكون حليفا. لم يترك اردوغان لنفسه أو لتركيا خط رجعة وتصرف منذ البداية برعونة وتعالي ربما لأنه كان يتأمل ان تسقط الدولة السورية والنظام فيها خلال أسابيع اسوة لما حصل في ليبيا التي شكلت المقياس له ولأصدقائه في قطر الذين وعدوا الولايات المتحدة ان بمقدورهم فعل ذلك. وعدم حفظه لخط رجعة أو إعادة الحسابات بتغيير الوقائع على الأرض تخبطت المواقف التركية وارتكب اردوغان أخطاء مميتة قد تؤدي في النهاية الى نهاية سياسية مؤلمة بالنسبة له ولحزبه الحاكم وتعصف بتركيا الى حالة من عدم الاستقرار الداخلي على النطاق الأمني والسياسي الى جانب كسب أعداء اقليميين ودوليين كان الأولى به ان يتقبل مساعدتهم لضمان الخروج من عنق الزجاجة والمأزق الذي وضع نفسه به. ولكنه بدلا من ذلك إستكبر وصعد من عدائه لسوريا وايران وروسيا والعراق وانضم الى المحور السعودي في عدوانه الفاجر على اليمن وتبنى الطرح السعودي في العداء لإيران، والان تحالف مع السعودية على امل ان تعطيه الإدارة الامريكية الضوء الأخضر للقيام بعملية برية ولو محدودة في داخل الأراضي السورية لحفظ ماء وجهه أمام الشارع التركي وحرف الأنظار عن مشاكله الداخلية سواء مع المعارضة التركية أو الاكراد وتدهور الأوضاع الأمنية في الداخل التركية الذي كان آخرها التفجير الدامي في وسط العاصمة أنقرة وفي مربع امني هام ذهب ضحيته ما يقرب من 30 قتيلا من رجال الجيش التركي. ويعتقد الكثير من المراقبين والمحللين ان المخابرات التركية هي من أقدمت على ارتكاب هذه العملية وتوجيه التهمة الى القوى الكردية ومن ضمنها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا الذي لا تعتبره الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية. وهو ما حاول اردوغان جاهدا لإقناعهم بعكس ذلك وخاصة في هذه المرحلة بالذات كما تدلل التصريحات التركية المتعاقبة بهذا الشأن، وذلك في محاولة بائسة ليبرر حملته العسكرية ضدهم في الداخل السوري لمنع تقدمهم للسيطرة على المنطقة الحدودية التي يسيطر عليها الارهابيون اللذين تدعمهم تركيا. كما انه يريد استخدام الحدث وتوظيفه في الاقدام على فرض المنطقة الامنة التي ما زال يحلم بها. كما وتم اتهام حزب العمال الكردستاني أيضا وذلك لتبرير المجازر التي ارتكبها الجيش التركي في مناطق الجنوب الشرقي للبلاد ذو الأغلبية الكردية مؤخرا والتي أدينت من قبل منظمات حقوقية وإنسانية عالمية وطلب كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من تركيا اردوغان التوقف عن قصف المناطق الكردية هناك والحرب الدموية التي اشعلها في تلك المنطقة والتي أدت الى نزوح ما يقرب من 100000 كردي من مناطقهم. ولعل الحدث المفصلي الذي أدى الى تدهور علاقات تركيا أردوغان مع روسيا كان اسقاط طائرة السوخوي الروسية فوق الأراضي السورية عندما كانت في مهمة محاربة التنظيمات الإرهابية، والتي كان من تداعياتها اقفال المجال الجوي السوري أمام اية طائرة مقاتلة تركية والتهديد الصارم من قبل القيادة الروسية بانها ستسقط اية طائرة تتواجد في السماء السورية دون التنسيق مع الحكومة السورية أو تلك التي تشعر القيادة الأرضية الروسية انها تشكل خطرا او تهديدا للطائرات الروسية في الأجواء السورية. وبدلا من ان يلتزم الصمت بعد هذا الحادث ويعتذر وهو ما طلبته القيادة السياسية في الكرملين، زادت التهديدات والوعيد بإسقاط اية طائرة روسية تخترق الأجواء التركية ولو لثواني معدودة وهذا التصرف الاحمق والانفعالي من قبل اردوغان المشهور بالاستعراض والتمثيل المسرحي الذي لا يدلل على تصرف رجل دولة على الاطلاق، انعكس على اردوغان وتركيا بشكل سلبي جدا. لم تستفز روسيا ولا رئيسها بوتين ولم تنجر لعملية انتقام عسكرية وربما هذا ما كان مخطط له لإحداث المصادمات العسكرية بين الناتو والولايات المتحدة من جهة وروسيا وحلفاؤها في المنطقة ونعني بالتحديد سوريا وإيران. لقد تصرف بوتين بعكس ما كانت تتوقعه انقرة واتخذ بعض الإجراءات العقابية الاقتصادية المتدحرجة ضد تركيا، هذا الى جانب زيادة قوة الردع العسكري الروسي بتوظيف مزيد من الأنظمة الصاروخية المتقدمة لحماية الأجواء السورية وحماية التواجد العسكري الروسي في سوريا، حيث قامت روسيا باستحضار صواريخ س 400 الى جانب توظيف طائرات السوخوي 34 و 35 المتطورة جدا وذات القدرات العالية وكذلك سفينة محملة بأنظمة اليكترونية تستطيع ان تعطل رادارات الطائرات وأنظمة الصواريخ التي يمكن ان تطلق من تركيا سواء من الجيش التركي أو من الناتو في حالة دخوله على الخط. ولقد وصلت الوقاحة التركية الى أبعد درجاتها مؤخرا باتهام روسيا بانها تتصرف "كمنظمة إرهابية" كما جاء تصريحات ادلى بها رئيس الوزراء التكي اوغلو اثناء زيارته مؤخرا الى أوكرانيا، بحثا عن أصدقاء جدد لكسر العزلة التي تعيشها تركيا هذه الأيام. وتوعد اوغلو روسيا "برد تركي قوي في حال إذا ما واصلت، حسب رايه، التصرف كمنظمة إرهابية ترغم المدنيين على الفرار". الى جانب ذلك فانه رأى ان التواجد الروسي في سوريا انما يهدف الى "قتل أكبر عدد من المدنيين ودعم النظام السوري ومواصلة الحرب" ومتهما إياها باستخدام الاكراد والاشارة الى أن " وحدات حماية الشعب الكردية هي حاليا وبصورة واضحة أداة ضمن المساعي الروسية التوسعية في سوريا". حقيقة الامر ان تركيا الثنائي البائس اردوغان واوغلو قد فقدت صوابها واي نوع من الاتزان في أخذ القرارات وإدارة سياساتها الداخلية والخارجية التي باتت مرهونة بالعصبية والتهور في اتخاذ القرارات الخاطئة والتي لن تجلب الا الى مزيدا من الدمار لتركيا ولجيرانها وحتى لحلفائها الذين باتوا يستشعرون بالحرج من هذه الرعونة الزائدة لهذا الثنائي المتمثل برئيس الدولة ورئيس وزراءها. ولا عجب ان يعتقد البعض ان اردوغان يعمل على تدمير تركيا والانتحار السياسي بهذه الخطوات المجنونة والغير محسوبة النتائج. ويبقى الموقف الأمريكي من كل هذه العربدة هام جدا لان تركيا لا يمكن ات تقدم على عمل ما دون الموافقة الامريكية. وهنالك إمكانية أو توجه لدى البعض في الإدارة الامريكية بإعطاء هامش لاردوغان للقيام بعمل محدود في المنطقة الحدودية، ولكن الامر على ما يبدو ما زال قيد البحث ربما على الأقل لسببين أساسيين. أولهما عدم ضمان من ان هذا العمل سيبقى محدودا فقد يتدحرج ويصل الى صدام عسكري مع روسيا وربما إيران الى جانب الجيش العربي السوري وهو ما تتوخاه بعض العناصر في الإدارة الامريكية التي ليس بصدد فتح جبهة ضد روسيا على الأقل في المرحلة الان في سوريا. فالولايات المتحدة تحضر للدخول العسكري الان في ليبيا وكذلك في تكثيف الوجود العسكري في دول أوروبا الشرقية واوكرانيا على وجه الخصوص لتطويق روسيا بأكثر مما هو عليه الان. أما السبب الثاني الخوف من ان أي تشجيع ولو محدود لاردوغان قد يجعله يذهب الى الاقدام على خطوات مغامرة لاعتقاده انها الطريق الوحيد لإنقاذ مستقبله السياسي الذي أصبح مهددا الى حد كبير. وكما يقول المثل "الامور تقف على كف عفريت" ولا شك ان الأيام القليلة القادمة ستحمل في ثناياها الإجابة على الكثير من التساؤلات المطروحة الان.
bahij.sakakini@gmail.com