بعيداً من أن اتفاقاً أميركياً - روسياً قد طفا على سطح المشهد السوري حول وقف محتمل لإطلاق النار كما أعلن السفير السوري في روسيا رياض حداد، بالرغم من إعلان المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا بأن المشاورات في هذا السياق لاتزال مستمرة، وقد تم ارجاء اجتماع مجموعة الدعم الدولية حول سورية إلى وقت يتم تحديده لاحقاً، وحتى ولو تم الاعلان فعلياً عن ذلك الوقف، فإن السؤال الأكثر إلحاحاً حول ذلك هو مدى استدامة هذا الاتفاق، وماهي فرص بقائه حياً، وكل عوامل موته تلوح في الأفق، سيما وأن الجانبين الروسي والأميركي قد أعلنا في اتصال هاتفي بين وزيري خارجيتهما أن الاتفاق يستثني الجماعات الإرهابية، وحتى تاريخه لم نسمع أي إعلان مشترك حول قائمة متفق عليها لجهة تحديد المنظمات الارهابية التي تعمل في الميدان السوري.
برد الخطاب السعودي - التركي نعم، وتحت تأثير " البرودة الأميركية" هذا صحيح، إذ أعلن أشد المتحمسين للتدخل في سورية، والأكثر ظهوراً عبر وسائل الإعلام هذه الأيام السيد عادل الجبير، وفي تصريح لوكالة فرانس برس، بأنه وحتى لو تم إرسال قوات برية إلى سورية، ستكون مهمتها القضاء على داعش، مردفاً بالقول : هذه هي المهمة وهذه هي المسؤولية فقط، ولن تكون لنا عمليات انفرادية خارج إطار تحالف واشنطن الذي هو وحده من يقرر التدخل، أوحتى توسيعه إلى مهمة مواجهة النظام، وبذات النفَس أطل مندوب تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة ليؤكد أن بلاده لن ترسل أي قوات برية إلى سورية، وهي تحترم القوانين الدولية، ولاتشذ عن طريق عمل تحالف واشنطن، إذ أبدت وقفة أوباما التضامنية حتى النخاع إلى جانب تركيا على خلفية تفجيرات أنقرة الأخيرة، ومن خلال اتصال هاتفي مع أردوغان دام حوالي الساعة والنصف، لجهة مناصرة تركيا كونها عضواً في حلف الناتو، والتأكيد على حق أنقرة في الدفاع عن نفسها، إذ دعا الرئيسان لتعزيز التعاون بينهما لمواجهة التنظميات الارهابية بما فيها ( pkk)، أبدت مفاعيلها لجهة لجم وتبريد الهيجان التركي حيال التدخل في سورية، إذ أكدت مصادر كردية على الفور وبعد حراك أوباما، أو بالأصح ما أمر به أوباما أن قوات سورية الديمقراطية، لن تنجر لأي تصعيد على الحدود التركية، ولن تحرج واشنطن، ولن يكون سلوكها تخيير واشنطن بين الأكراد وتركيا، كل ذلك يؤكد مانشرته الفايننشال تايمز حول مساعي واشنطن للجم محاولات أنقرة والرياض للتدخل البري في سورية، لكنه لا يدلل مطلقاً عن أفول لسخونة الميدان السوري، التي يُراد لها أميركياً أن تُعمّر في سورية بذات الهيكلية والآلية المستمرة عليها منذ خمس سنوات، إذ تخشى واشنطن من تطورات عالية السقف لجهة تبعات التدخل السعودي- التركي وتالياً الصدام المباشر مع الروسي الذي لم يتوانى أو يتلكأ في تصدير رسائله شديدة اللهجة لجهة أن أي حماقة سعودية ستكون فتيلاً لإشعال حرب عالمية ثالثة، وبنفس الوقت، وتماماً كما أعلنت الفايننشال تايمز في تقرير مشترك لعدد من مراسليها أن كلاً من أنقرة والرياض تخشيان خوض غمار المغامرة العسكرية في سورية من دون موافقة أميركية.
ربما ما أعلنه كيري في بيان نشرته الخارجية الأمريكية عقب اتصاله مع نظيره الروسي لجهة أن هناك الكثير أمامه يجب فعله قبل التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، يشكل مصادقة أميركية ضمنية على ما طرحه الجبير من خلال تصريح للدير شبيغل الألمانية لجهة نية العربية السعودية تزويد المعارضة السورية بصواريخ أرض جو لإسقاط طائرات النظام، أو أن يتنحى الأسد، وإلا فالحرب في سورية مستمرة، وهذا ما ألمح له بوتين خلال خطابه في يوم حماة الوطن الروسي، لجهة أن الفصائل المسلحة في سورية تعتبر روسيا عدواً، وتعمل على صياغة ما سماها خططاً توسعية، إضافة إلى ما أكده وزير الدفاع الروسي في ذات المناسبة بأن القوات المسلحة الروسية تساعد الجيش السوري في ظروف ليست سهلة على الإطلاق.
المؤكد أن وقفاً لإطلاق النار لن ير النور خلال الفترة القليلة القادمة في الحد الأدنى، فالكثير أمام كيري مازال قيد الإنجاز، ويتهيأ للدخول في" الخدمة "، وكذلك اعلان موسكو عن استمرار دعمها للجيش السوري في مواجهة الارهاب، لا بل أكثر من ذلك إعلان الجانب السوري أنه تلقى توضيحات من موسكو حول تصريحات تشوركين الأخيرة الذي عد فيها تصريحات الأسد لجهة السيطرة على كامل الأراضي السورية لا تتسق مع المساعي الدبلوماسية الروسية لحل الأزمة، هي تصريحات وتحليل شخصي، لا تعبر عن وجهة نظر المصادر الروسية الرسمية، كل ذلك يؤكد أن الكباش لا يزال مستمراً، وإن " المنطق المدمر " كما سماه بان كي لكل من يراهن على نصر عسكري هو الحلقة الأقوى، وإن أزيز الرصاص هو الصوت الأعلى.
* كاتب صحفي ومحلل فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com