مرة أخرى، تمتد يدّ الإرهاب إلى حيّ الزهراء في مدينة حمص. مرة أخرى، ينفجر في شوارعها، حقد الإرهاب ودمويته وعبثيته. شهداء الزهراء وجرحاها في هذا الصباح الدامي ، لن يجدوا من مجلس الأمن و"المجتمع الدولي" ما يستحق حتى التنديد، تماما مثلما فعلوا أمام شهداء التفجيرات الماضية. الزهراء كما سورية عموما، لا تنتظر تنديدا أو استنكارا من المجتمع الدولي ومجلس أمنه، الذي سقط منذ أمد بعيد، في اختبار الصدق والموضوعية والشفافية. دماء وأشلاء الزهراء، التي تناثرت في الرياض وأنقرة والدوحة وواشنطن، هي رسالة الإرهاب ومعارضاته المعتدلة، ورؤيتها حول سوريا المستقبل. تلك الرؤية التي يدافع عنها المجتمع الدولي ومندوبه ديمستورا، في ساحات جنيف وميونخ ونيويورك.
كادت الدموع تطفر من عيني المبعوث الأممي دي مستورا، في ميونخ، وهو يبرر تعليقه لمحادثات جنيف حتى الخامس والعشرين من شباط، بعد رسائل السوريين التي تدفقت إليه، تطالبه بتحقيق أمرين: المساعدات الإنسانية ووقف القصف. « السوريون يريدون النتيجة، وليس استنساخ مؤتمرات فاشلة ». بحزن الحريص والمؤتمن على آلام ودماء الشعب السوري، نطق دي مستورا جملته الأخيرة. في ميونخ، حيث تداعت«المجموعة الدولية لدعم سوريا»، كان يمكن سماع استغاثات الإرهاب الدولي من «ممر أوغلو الإنساني»، وصوت مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الأمير الأردني زيد بن رعد الحسين، وهو يعرب عن قلقه الشديد من "تدهور حقوق الإنسان في حلب وما حولها"، و"الظروف الإنسانية الوخيمة". كذلك نداء (160 ) وكالة إنسانية ومنظمات الأمم المتحدة، كبرنامج الأغذية العالمي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة اليونيسيف، المطالبين "باسم انسانيتنا المشتركة"، بوقف فوري لإطلاق النار وتقديم الإغاثة الإنسانية. المجموعة الدولية خرجت من ميونخ ببيان يؤكد على نقاط ثلاث: وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، ووقف «الأعمال العدائية» من قبل كل الأطراف باستثناء "داعش" و"جبهة النصرة" والمنظمات الإرهابية بحسب تصنيف الأمم المتحدة، وأكدّ البيان على دعمه للعملية السياسية في سورية، التي يقرر مستقبلها، الشعب السوري وحده. المجتمع الدولي كان يصغي لكلمات أوغلو حول الممر الإنساني بين حلب وتركيا، وهو يدرك تماما، أنه ممر لنقل الإرهاب الدولي وتسليحه ودعمه، تماما كما كان يتعاطف مع قلق الأمير الأردني، مفوض حقوق الإنسان، الذي لم يعرب عن قلقه من حدود مملكته المفتوحة، كممر "إنساني" آخر، تعبره قطعان "الديمقراطية المعتدلة". بينما كان نداء "إنسانيتنا المشتركة" يسيل على وجه منظمات المجتمع الدولي، وهو يرى أقدام الجيش السوري تكاد تلامس الحدود التركية.
بعد اجتماعه مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في دمشق، قال ديمستورا في مؤتمره الصحفي بأنه "من واجب الحكومة السورية إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل السوريين، أينما كانوا، والسماح للأمم المتحدة بتقديم المساعدات الإنسانية ". قبل أن يختم تصريحه بإن "هذا الأمر سيتم اختباره غدا". الخارجية السورية ردت على اختبار ديمستورا بأنه يسعى "لإرضاء جهات أخرى"، وأن الحكومة السورية هي التي تحتاج لاختبار صدقية المبعوث الأممي. بعد ختام الإجتماع الثاني، لفريق "ميونخ" المعني بالمساعدات الإنسانية، أعلنت الأمم المتحدة عن تحقيق تقدم في "الوصول الإنساني للمناطق المحاصرة"، بينما كان «برنامج الأغذية العالمي» يخطط لعملية اسقاط جوي للمساعدات الإنسانية في دير الزور. من عمان في المملكة الأردنية، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الأحد 21 شباط ، بأننا «أقرب من أي وقت مضى إلى وقف إطلاق النار في سوريا»، وأنه يعتقد، بعد محادثة هاتفية مع لافروف، بأننا توصلنا إلى اتفاق على «وقف الأعمال القتالية»، الذي ينتظر اللمسات الأخيرة من الرئيسين الروسي والأمريكي. مجموعة وقف الأعمال العدائية كانت قد أجرت اجتماعها الأول في جنيف، الجمعة 19 شباط، برعاية روسيا والولايات المتحدة، ومشاركة دبلوماسية وعسكرية. دخلت روسيا قاعة الاجتماع وهي تعلن أن تنفيذ اتفاق وقف الاعمال العدائية هو بيدّ الولايات المتحدة، في إشارة واضحة إلى نفوذها على "المعارضات المعتدلة"، التي أعلنت أنها ستوافق على هدنة مؤقتة، في حال توقف الضربات الجوية الروسية. استئناف محادثات جنيف في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، ليست خياراً واقعياً. بحسب المبعوث الأممي، دي ميستورا، لكنّ نجاح المحادثات ممكن، إذا استمرت المساعدات الإنسانية، وتحقق وقف لإطلاق النار. أما الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، فحذّر من أنّ تصاعد القتال في حلب قد يعرقل جهود دي ميستورا، داعياً إلى التخلي عن "منطق النصر العسكريّ"، الذي تسبب بـ« أكبر أزمة إنسانية في العصر الراهن، وخلق ملاذاً آمناً للمنظمات الإرهابية».
يبدو أن أحد أكبر الأزمات الإنسانية في التاريخ، هي تلك المنظمات الأممية الغارقة بدماء ضحايا سادتها، من شعوب ودول. ويبدو أيضا ان تلك المنظمات الأممية، لم تزل صوت وسوط سيدها الأميركي، وهي لا تختلف عن المنظمات الإرهابية في أهدافها ونتائج أعمالها. المنظمات الأممية الساكتة عن كل حقّ، ولكم في فلسطين عبرة لمن لم يعتبر بعد، فلسطين نكبة أممية، لكنها بحسب بان كي مون ليست من أكبر الأزمات الإنسانية في عصره الراهن، ولا تعاني من أكبر منظمة إرهابية، الكيان الصهيوني. حيث توجد المصلحة الصهيونية والأميركية، هناك صراخ ونحيب وغضب وقلق منظمات أممية، و"معارضات معتدلة".
بين ميونخ وجنيف، تحترق الزهراء مرة أخرى، لكنّها ستنهض من جديد، بعزيمة عصية على الإرهاب، مؤمنة بأن صاحب الحقّ لا بدّ أن ينتصر، والزهراء عنوان الحقّ ونصره القادم.
بين ميونخ وجنيف - «الزهراء» تحترق مرة أخرى
2016-02-22
بقلم: ســـامر عبد الكريم منصـــور