2025-06-08 04:31 م

عودة الى اليمن السعيد!!

2016-03-02
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
لا شك ان معظم دول العالم الى جانب وسائل الاعلام المحلية والإقليمية والعالمية غرقت في الاحداث الجارية على الأرض السورية والعراقية والحرب على تنظيم "داعش" بالدرجة الأولى في تلك البلدان كما يبدو من الكم الهائل من المقالات سواء في الصحف اليومية أو في الدراسات في مراكز البحوث الدولية الاستراتيجية التي تولي اهتماما كبيرا بما يجري على الساحتين نظرا للاعتقاد السائد من أن ما يجري على الساحة السورية خاصة والى ما ستؤول عليه الأمور سيلعب دورا مركزيا في صياغة جديدة للتحالفات وموازين القوى على المستوى الإقليمي والدولي. هذا الاهتمام قد انسى الكثيرون ما يدور على الساحة اليمنية من عدوان سعودي بربري مستمر منذ مارس عام 2015 الى يومنا هذا دون انقطاع ولو لبضعة ساعات ليتم فيها إيصال المعونات الإنسانية من دواء وغذاء للمناطق المنكوبة في اليمن. هذا الإهمال المتعمد للكثير من وسائل الاعلام الى جانب غض الطرف عن المجازر التي يرتكبها التحالف السعودي من قبل العديد من الدول الغربية لأسباب تجارية واقتصادية وعقود تصل الى المليارات لتوريد الأسلحة الى السعودية، وكذلك مباركة العدوان السعودي من قبل النظام العربي الرسمي الممثل بجامعة الدول العربية والتي لم تعد الا مطية للدول الخليجية وعلى راسها السعودية، كل هذه العوامل مجتمعة جعلت آل سعود يتمادون في عدوانهم وتوحشهم في اليمن وذلك لغياب المحاسبة والتدقيق في الجرائم التي ترقى الى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ان الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة منذ اليوم الأول للعدوان السعودي على اليمن كما اتضح من تشكيل غرفة عمليات مشتركة الرياض لإدارة العدوان وتحديد بنك الاهداف وتزويد الطائرات السعودية والاماراتية بالوقود وهي في الجو حتى تستمر بقصف الأهداف التي تحددها الأقمار الصناعية الامريكية دون توقف، وتزويدها بالصواريخ والقنابل الانشطارية والفسفورية الحارقة المحرمة دوليا هذا الى جانب الدعم السياسي لآل سعود في المحافل الدولية لإبعاد شبح المسألة والتحقيق في جرائم الحرب التي ترتكبها طائرات التحالف السعودي في حق المدنيين والتدمير الممنهج للبنى التحتية بما فيها المستشفيات والمدارس ومصانع الادوية والغذاء وتعبئة المياه ومحطات وشبكات الكهرباء والطرق والجسور..الخ، يجعلها شريكة في الجريمة. ان الاحداث التي تجري في اليمن تؤكد على أن الدرس الذي كان من المفترض فهمه واستيعابه مما جرى في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، الا وهو ان العدوان والتدخل العسكري والتلاعب في الوضع الداخلي للدول واتباع سياسية خارجية مبنية على "تغير الأنظمة" في الدول التي لا تتماشى مع المصالح الامريكية، تؤدي في نهاية المطاف الى العنف وتزايد نفوذ المجموعات الإرهابية التي تستفيد من حالة انعدام الاستقرار وتدهور الأوضاع الأمنية وما يخلقه هذا من فراغ على المستوى الأمني والسياسي وفقدان سلطة الدولة المركزية. التدخل والعدوان السعودي أعاد الحياة للقاعدة في شبه الجزيرة العربية والتي تتخذ من اليمن قاعدة لها على غرار بعث الحياة لتنظيم داعش عند بدء الازمة السورية قبل ما يقرب من الخمسة سنوات في العراق وذلك بعد الانكفاء والتقهقر الذي أصاب التنظيمين في كل من اليمن والعراق أثر الضربات التي وجهت لكلاهما. طائرات التحالف السعودي لم تستهدف مواقع القاعدة على الاطلاق بل على العكس من ذلك فقد قامت الطائرات السعودية بعمليات إنزال جوي لأسلحة وذخيرة لهم جوا في بعض المناطق في محافظة حضرموت التي يسيطر التنظيم على معظمها وخاصة مدينة المكلا الساحلية. والذي يبدو ان تنظيم القاعدة قد عمد في الفترة الأخيرة على استراتيجية تعتمد على التمدد الجغرافي الذي يتيح لها تواصلا جغرافيا للمناطق التي تسيطر عليها بالإضافة الى مناطق ذات ثروة نفطية مثل منطقة شبوة تتيح لها مداخيل مالية لإدارة المناطق التي تسيطر عليها وتقلل من الاحتجاجات الشعبية في مناطقها والتي تأمل ان تجند منها عناصر جديدة الى صفوفها. وتأكيدا على هذه الاستراتيجية فقد عمد التنظيم مؤخرا الى السيطرة على زنجبار وجعار ومديرية أحور في محافظة أبين جنوب اليمن ليبسط سيطرته على المنطقة الساحلية الجنوبية. ولا شك ان تنظيم القاعدة سيحاول ان يبسط سيطرته بالكامل على الطريق الساحلي زنجبار-المكلا في سبيل التمكن من تهريب المقاتلين والأسلحة من القرن الافريقي. هذا بالإضافة الى ظهور بوادر إقامة الامارة للقاعدة التي بدأت مظاهرها تتشكل في المكلا التي تمكن تنظيم القاعدة من الحصول على ما يقرب من 120 مليون دولار من البنك المركزي بها عندما تم احتلال المدينة. هذا التمدد لتنظيم القاعدة لم يكن ممكنا لولا الفراغ الأمني وغياب سلطة الدولة ومؤسساتها والتفكك المناطقي الذي كان النتيجة الطبيعية للعدوان السعودي على اليمن. ليس هذا فحسب بل انه تبين ان هنالك تعاون وثيق بين تنظيم القاعدة ومرتزقة هادي وقوات الاحتلال السعودي والاماراتي فقد كشفت صحفية بريطانية تعمل في محطة ب.ب.س كانت في زيارة لليمن لعمل فلم وثائقي، كشفت عن وجود عناصر من القاعدة تقاتل جنبا الى جنب مع قوات التحالف السعودي في المعارك الدائرة حول مدينة تعز، التي ما زالت قوات التحالف السعودي تحاول السيطرة عليها منذ أشهر. وهذه القوات تحالفت مع تنظيم القاعدة للسيطرة على مدينة عدن ليس هذا فحسب بل قامت باستحضار مئات من الدواعش من سوريا والذين نقلوا بطائرات تركية وسعودية واماراتية للقتال مع مجموعات من المرتزقة في اليمن. واليوم بات تنظيم القاعدة وداعش يسيطر على عدة مناطق في عدن والتي من الواضح ان مرتزقة "الرئيس" هادي قد فقدوا السيطرة علي الكثير من احياءها كما تشهده عمليات الاغتيالات التي أصبحت شائعة في مدينة عدن، هذا الى جانب محاولة السيطرة على الميناء من قبل هذه القوى الإرهابية. "التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة "لمحاربة" الارهاب في سوريا والعراق والتي تتحضر للانقضاض على ليبيا مرة أخرى تحت ذريعة محاربة الارهاب ومنع "تمدد" تنظيم داعش لم تصنف الارهاب الذي تقوم به السعودية والامارات في اليمن على وجه الحديد إرهابا بل ان الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية ومنذ البداية سارعت في تقديم كل الدعم السياسي والعسكري وتزويد الة العدوان السعودي بكل ما يحتاجه لإبقاء حالة الحرب على البلاد والعباد وارتكاب أبشع المجازر اليومية بحق الشعب اليمني، دون ان تهتز لهم رقبة على قول الشاعر. ليس هذا فحسب بل شرعوا الحصار البحري والجوي والبري بقرار من مجلس الامن الدولي لمنع وصول اية مساعدات لليمن حتى الإنسانية منها وبالتالي فأنهم والى جانبهم الأمم المتحدة تقف في خندق واحد. ان الحصار الذي فرض على اليمن أدى الى مقتل عشرات الالاف من اليمنيين نتيجة نقص الغذاء والدواء وهذا ما تشهد به المنظمات الحقوقية والمنظمات الغير حكومية وحتى لجان الخبراء في الأمم المتحدة. فهنالك ما يقرب من 20 مليون يمني هم بحاجة ماسة الى إيصال الغذاء لهم. والجميع يشهد ان هنالك مجاعة حقيقية في اليمن سببها العدوان السعودي والحصار البحري الذي فرض على السواحل اليمنية لمنع إيصال المواد الغذائية والطبية الضرورية. وقد اعطي التحالف السعودي مهمة فرض الحصار بمعنى ان مجلس الامن الدولي لم يشرع فقط العدوان السعودي على اليمن بل شرع أيضا قتل اليمنيين عن طريق الحصار كما فعلوا سابقا في العراق قبل غزوه، وهو ما أدى الى موت ما يقرب من ربع مليون طفل عراقي آنذاك. ان الذين يموتون بسبب الحصار أكبر بكثير من أولئك الذين يقتلون بالقصف الجوي اليومي المتواصل منذ ما يقرب من العام. وتقدر بعض المنظمات الغير حكومية العاملة على الأرض اليمنية بان عدد القتلى قد يصل الى حوالي 30000 يمني. هذا الدمار والخراب الذي لحق بالبشر والشجر والحجر في اليمن كان يمكن تداركه لو اعطي الفرقاء اليمنيين الفرصة للتوقيع على رزمة البنود التي اتفق عليها من كافة الأطراف اليمنية مع المبعوث الاممي قبل ثلاثة أيام من بدء العدوان السعودي على اليمن يوم 26 آذار/ مارس 2015. ولكن آل سعود الذين كانوا الأداة لأخذ اليمن خارج إطار التوافقات الوطنية وزجه ضمن المخطط الواسع والعريض للمنطقة خدمة لمصالح الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة اعلنواها حربا شعواء على اليمن وشعبه باستخدام عملائهم داخل اليمن الى جانب تنظيم القاعدة قبل المجيء بداعش وجوقة كبيرة من المرتزقة للقتال الى جانب القوات الإماراتية والسعودية الغازية.