في أصعب الأزمان, وأحلك الليالي, عندما يهبط الضباب و تضعف الرؤية.. و تعوي الذئاب , و يكتمل القمر بدرا , وتهرع الطقوس لقرع نواقيسها , ويعزف الشيطان ألحان التمرد , فتصتك السكاكين و تشحذ نفسها بنفسها , و يحضر شهود الزور, و يلبس الوحوش ثياب المحفل المزركشة بنقوش عربية كافرة و بروكار ٍ دمشقي مزور , ُفضحت فيه لمسات " كوهين " على الرغم من صبغة ِ شعره و لون لحيته المألوف , و اسمه العربي القديم .
وعندما تهيم الخراف ذعرا ً, وتنتصب الخيل واقفة ً ويلامس بطونها دم ٌ أحر قاني بريء, و يتراكض الجميع في شتى الاتجاهات, يحملون هوية ً حوّلها عواء الذئب رقما ًغير مقروء و بلا عنوان.. تشخص العيون و ترتجف القلوب و تبرد الأطراف وتتدلّى الأكتاف وتنحني الرقاب من تلقائها تحت ساطور الجزار.. فتبحث الجذور و النبضات الخافقة و الخراف التائهة عن الراعي و المنقذ والمخلص.
جاء في كتب وصحائف الحق أن "عدو الإنسان أهل بيته " , كيف لنا أن نصدق أو لا نصدق , ونحن نرى أغصاننا تعصفها الرياح القديمة جيئة ً وذهابا ً, فتتصادم وكأنها تتعانق و يسيل دمها نسغا ً ناقصا ً في شرايين أوراقنا , فتحمل الأوراق ثمرا ً شريرا ً , تلمع قشوره يوم العيد , فتتحول إلى قمصان عار ٍ و أكاليل شوك ٍ في مراسم صلب و دفن الهوية , وسط رياح ٍ باردة في ربيع ٍ سيأتي بعد نثر التراب و تذرية عظام الحقل في عيد السراب.
نعم لقد فعلها أعداء بيت الإنسان وأبناء عمومتهم , ولم يكتشفوا الغريب , فلطالما حسبوه معهم وبماله ووعوده أغراهم وأعماهم, وجاء اليوم بسكاكينه لينحرهم ..
صمد الراعي وتحمّل أوجاعه وآلامه, واستّل صدقه و محبته و استجمع قواه وقوته و بأسه , وضرب فاسه في قلب الأغصان السامة , ونزع ترياقها و نفخه نارا ً في وجوههم , لفحت صباغ شعرهم و تلاوين لحاهم وفرك جلودهم وفكّ جدائل شعرهم , فتدحرجت كؤوس خمرهم , وانقلب هيكل محفلهم , وأطاح بمزامير طقوسهم الرملية وكشف حجاب الشيطان , الذي أخذ يترنح و يتراقص هنا وهناك باحثا ً عن شبح ِ فرصة ٍ أو هكذا يعتقد.
هذا حالنا و هذه قصتنا, في وطن ٍ عربي كبير, وأمة ٍ ُوعدت أن تكون خير أمة ٍ ُأخرجت للناس.. و يتساءل المرء على مساحة الوطن الكبير, ماذا لو لم يحمل الرئيس بشار الأسد راية الدفاع عن سورية والأمة العربية ؟ ماذا لو نجح مشروع نحر الأمة والهوية في سورية ؟ و ماهو مصير الأرض العربية و هويتها و إنسانها وإسلامها و كافة معتقداتها وأديانها ولغتها وتاريخها , وكيف سيكون شكل مصير و مستقبل الأجيال العربية القادمة ؟.
ففي الوقت الذي ضعف فيه من لم يبيع نفسه للشيطان فصمت , ونأى بنفسه على أمل تفادي الطوفان , وهرع الأحمق والحاقد والإنتهازي والمتطرف لركوب الموجة , فتضاعف عدد السكاكين في صدر وظهر سورية , و لم يتقاسم الأغلبية معها حصته منها , و تركوها تُذبح عنهم ولأجلهم ولأجل هويتهم و قضيتهم الأولى فلسطين.. فيما
اكتفى البعض الاّخر برفع صور القائد من بعيد , وأما الأبطال و المقاومون فهبوا ّ و زأروا كالأسود , وصهروا دمائهم بدماء شجعانها .. و من مثلك أيتها المقاومة الإسلامية الشريفة في لبنان ؟ و من مثلك سماحة السيد حسن نصر الله ؟ و ما أصدق حلفائنا في العالم وخصوصا ً الدولة الإيرانية والروسية العتيدة .
صمدت سورية و قاتلت برجولة وشجاعة , وقادت دفاعها عن الأمة جمعاء لا عن سورية فحسب , متكئة ً على حكمة وشجاعة قائدها وأملها البشار, ولم تصوّب سهامها على ناكري الجميل و لم تصيبهم في مقتل , على الرغم من امتلاكها المقدرة , و تعرضت لإنتقاد الكثيرين ممن أحبوا كثيرا ً وغضبوا كثيرا ً , فخاضت المعركة بعقلها لا بعاطفتها , ودافعت عن الشعوب والدول العربية وكشفت لهم المخططات وما يُحاك ضدهم , ولم تتوان عن إنقاذ أخواتها في الدول العربية .
واستطاعت كشف زيف المعركة, وأسقطت أقنعة الغزاة والمعتدين, فأظهر الشرير غضبه وضاعف حقده ولا يزال.. فكان أن بدأ العالم يُبصر و أخذ يعود إلى رشده تدريجيا ً, فيما وصل الأعداء إلى الحائط المسدود.
وها هي سورية و قد راكمت انتصاراتها , وأجبرت العالم على السير في ركبها بعيدا ً عن الأهوال والمجهول , ودفعت الكثيرون للتفكير الجدي بمسار الحل السياسي, وفسح المجال أمام الحوار السوري – السوري , الذي سيضع حدا ً للمسرحية الدامية في سورية , رغم امتلاكها قدرة الحسم عسكريا ً.
ولكن .. ماذا عن الدول العربية و شعوبها ؟ فلبنان يعج بالخونة و بائعي الأوطان , ناهيك عن خلايا الإرهاب الصاحية والنائمة, ولا بد من شكر الله تعالى أن فيها مقاومون صدقوا ما عاهدوا في حفظ لبنان ومناصرة كل قضايا شعوب الأمة , فيما تترد مصر – الدولة في اختيار طريقها , وعينها على سيناء و ما يحصل فيها , وعينها الأخرى على إخوان الشياطين بغياب الزعيم جمال عبد الناصر .. و اليمن يئن تحت ضربات الغدر السعودي وعدوانه الظالم و يُذبح شعبه في مدارسه و مشافيه و بيوته بلا ذنب ٍ ارتكبوه ؟ وتونس تُضرب من جديد وسط من يحاولون خطف ثورتهم و أمنهم و استقرارهم , فيما تحولت ليبيا إلى بؤرة ٍ داعشية بإمتياز و تنتظر عودة الطليان بغياب عمر المختار , أما العراق فلم يشفع له تاريخه العظيم ولا مقاماته ومقدساته في إيقاف مقصلة الإرهاب الحاقد , والسودان يُناصر اّل الشيطان و يضع نفسه في خدمتهم بوجود وغياب البشير , أما فلسطين فتنتظر من يسمع صوتها و يحمي مصليها وطُهر أرضها و يصون كرامة أهلها .. و البحرين ترزح تحت نير حاقد ٍ أهوج لا يرى و لا يسمع صوت شعبه يحمي عرشه التافه بدبابات صهاينة اّل سعود , أما عرب الخليج فلا حول ولا قوة فالقبضة الحديدة و القمع والقتل وسيّاف الرياض حاضر ٌ لجز رؤوسهم في ساحات العواصم الخليجية .
أرادوها حروبا ً طائفية ومذهبية, و ألبسوها أثوب الحرية والديمقراطية التي لا يعرفونها و لم يسمعوا بها.. و مع صمود سورية وانتصارها , وعجز وفشل أعداء الأمة في النيل منها , يتجدد الأمل و تعود القلوب للخفقان من جديد , و يشعّ النور من جديد ومن حاضرة العرب وقمم قاسيونهم , بصوتها الهدار وقبضتها القوية لتسترجع الهوية والإنسان من برائن الوحوش .
و ها نحن نرى العروبة و الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج , يستعدون لتصحيح الخطيئة , ولإعلان الرئيس والقائد والزعيم الأوحد , الرئيس بشار الأسد - راعيا ً و منقذا ً و مخلصا ً - , و لسان حالهم يقول :
كم تحتاجك الأمة العربية .. سيدي.
كم تحتاجك الأمة العربية .. سيدي
2016-03-09
بقلم: ميشيل كلاغاصي