لن ننتظر ما ستسفر عنه اجتماعات جنيف بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة برعاية أممية، إذ لطالما نسفت الدولة السورية (ومن منطلق القوة) كل مؤشرات المرونة وتحديداً في جزئية مصير الأسد، ووضعت الخطوط الحمراء، وأطلقت اللاءات المسنودة إلى الظهر الروسي المتين، الذي لا زال يدير يوميات الميدان السوري بإصرار منقطع النظير ماضياً قدماً في تصدير كل رسائل العناد، وعدم الالتفات للرسائل الأميركية المبطنة، سواء المتعلقة منها بتضييق الخناق عليه في المعركة التي يخوضها في سورية، أو تلك المتعلقة بتقاسم النفوذ في المنطقة،ضارباً عرض الحائط بماوجده الفرنسي استفزازاً في تصريحات وليد المعلم الأخيرة ، إذ سرعان ما صادق الروسي على كلام المعلم الذي عد الرئيس الأسد خطاً أحمر، وأنهم لا يحاورون أحداً يتحدث عن مقام الرئاسة، وكل ما يتكاثر من حديث حول مرحلة انتقالية لن يكون ( بحسب المعلم) إلا في الإطار المحدد والمرسوم من قبل الدولة السورية لجهة الانتقال من دستور إلى دستور ومن حكومة إلى حكومة أخرى فقط، وهذا ما أكده مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة بورودافكين عندما وصف مطالب المعارضة برحيل الأسد، بالمطالب غير الواقعية التي لايمكن تحقيقها على الصعيد العملي.
يبدو أنه لا مكان للأسلوب الهادئ والعملي الذي تحدث عنه بورودافكين كمنهاج عمل مع الأميركي فيما يتعلق بالملف السوري ، وكل المطروح في برنامج عمل الروسي هو المنهاج العسكري وكسر العظم، ولعل ماأكده المعلم لجهة أن الأزمة السورية باتت في نهايتها وليس جنيف من سيدفع باتجاه ذلك إنما تقدم الجيش السوري وحلفائه في الميدان، يمثل خير دليل على الإيمان المطلق باستراتيجية الحسم العسكري وصولاً لصراخ الخصم.
جزء مهم من المعارضة السورية التي كانت تعد متشددة في جزئية رحيل الأسد قد تلمست سريعاً على ما يبدو تلك الاستراتيجية، ومن القاهرة أعلن رئيس الائتلاف السوري الأسبق أحمد الجربا عن تأسيس تيار جديد تحت مسمى الغد السوري مشيداً بالدور الروسي، وأن تياره يؤمن بدولة لا مركزية وفيدرالية {تماماً كالطرح الروسي} ، وأنه سيعمل على محاربة داعش وأخواتها ورعاتهم الاقليميين مطالباً المجتمعين في جنيف بالواقعية السياسية وعدم بيع الوهم للشعب السوري، بدوره غرد كبير المفاوضين في الوفد السوري المعارض محمد علوش خارج سرب الجربا، معتبراً أن المرحلة الانتقالية تبدأ إما برحيل الأسد أو بموته.
المؤكد أن مخرجات جنيف ستكون قيمتها صفر نتائج، وكباشاً أكثر حدة في الميدان وستستمر حلقات مسلسل كسر العظم، الذي يبدو فيه الجيش السوري لاعباً لدور ” البطولة ” أكثر من خصميه السعودي الذي تلقى لتوه صفعة تاريخية من أوباما ، لجهة أن الرياض تضطهد نصف شعبها، وعليها التعايش مع ايران، وكذلك التركي الذي بات يجد في بلاده هدفاً للهجمات الارهابية التي كان آخرها هجوم منطقة السفارات في العاصمة أنقرة، والتي قد تفرمل ما كان هدد به بنسف المفاوضات ( المنسوفة أصلاً)، إذا ما شارك فيها الأكراد، إذ رأى الروسي أن وجودهم يعد أمراً جوهرياً.
الكرة باتت الآن في ملعب المعارضة ” المخذولة ” والفاقدة تدريجياً لنقاط القوة، وليس أمامها إلا خيارين إما اللحاق بركب الجربا، أو انتظار موت الأسد حتى تدخل المرحلة الانتقالية في الخدمة، فيما لسان حال خصومها يردد ” عطونا عمر “.
* كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا
* كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com