2025-06-08 07:50 ص

الانسحاب الروسي الجزئي ليس تخلياً عن سوريا

2016-03-16
بقلم : حماد صبح
دفع نبأ الانسحاب الروسي من سوريا إلى تساؤلات وتحليلات وآراء وتوقعات ذهبت كل مذهب لتحديد أسباب الانسحاب . وضاعفت المفاجأة من غموض الأسباب . وكالعادة ، تتدخل الحيادية ويتدخل الهوى في تحديد توجهات ما يكتب وما يقال . والرأي في قناعتي أن الانسحاب الروسي ، ويكفي أنه جزئي ، لا يدل بأي كيفية على أن روسيا تخلت أو في بداية تخل عن سوريا كدولة تربطها بها علاقة استراتيجية قديمة بحتمية الجغرافيا والمصالح . ومواصفات الحالة السورية تختلف عن مواصفات الحالية الأفغانية التي يظن المهللون للانسحاب الروسي أنها في خلفية الوعي الروسي في نظرته إلى سوريا خاصة في الجانب العسكري ، وفي نفس يوم الانسحاب ، الثلاثاء ، هاجمت الطائرات الروسية قوات تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة تدمر التي تتجه إليها القوات السورية لتحريرها . ويمكن تفسير الانسحاب الروسي الجزئي بالأسباب الآتية : أولا : اطمئنان القيادة الروسية إلى التحسن الكبير في موقف الجيش العربي السوري في جبهات القتال المختلفة الذي يقابله اهتزاز وتراجع في موقف تنظيم الدولة وجبهة النصرة والمعارضة المحاربة إجمالا . ثانيا : التوافق مع أميركا على الخطوات السياسية المستقبلية في سوريا . ثالثا : شعور روسيا بتراجع التهديد الخارجي لسوريا مثل تدخل عسكري تركي كبير ، أو تدخل ما سمي قوات رعد الشمال . في الناحية التركية ، نرى تراجعا عن التشدد السابق حول سوريا دولة ورئيسا بدا في الإعلان الذي صدر بعد زيارة رئيس وزراء تركيا الأخيرة لإيران ، والذي جاء فيه توكيد البلدين المحافظة على وحدة الأراضي السورية . وتستوقفنا عبارة لأردوغان بعد التفجير الذي وقع منذ أيام في حي السفارات بأنقرة ، وقتل وجرح فيه أكثر من مائة شخص ؛ إذ قال :" غدت تركيا هدفا للهجمات الإرهابية بسبب عدم الاستقرار في المنطقة " . الآن أدرك أردوغان بعد أن طالته النيران سوء عاقبة العبث بأمن الجيران ، بأمن دولة كانت تربطه بها أحسن العلاقات ، ونعني سوريا . ونعطف على الموقفين التركيين السابقين عدم حضور أردوغان لمناورات رعد الشمال في حفر الباطن ما قد يشير إلى بداية عدم رضاه عن السياسة السعودية في سوريا أو بعبارة أدق عن عدم اقتناعه بفائدة مسايرتها لتركيا . وفي ما يخص السعودية التي كانت تتحرق لهجوم بري على سوريا مع دول رعد الشمال وبقيادة أميركية ؛ قضى ما قاله أوباما في مقابلته مع أسبوعية " أتلانتيك " عن دورها في إثارة الحروب والفتن الطائفية في العراق وسوريا واليمن ، وعن رفض أميركا الانجرار وراء هذا الدور السعودي ؛ على أي أمل لها في التدخل البري ، وألقي كثيرا من سحب الغموض والقلق على مستقبل العلاقة التاريخية بين البلدين ، ويرى باتريك كوبورن في "الإندبندنت " أن مقابلة أوباما " تؤكد سياسة خارجية أميركية تدير ظهر إلى السعودية وحلفائها " ، وكشف جون كيري وزير الخارجي الأميركية منذ أيام عن موقف من الأسد مناقض تماما للموقف السعودي حين قال : " الأميركيون قد يتحدثون ثانية مع الأسد " . وكتب الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق مقالا في " الشرق الوسط " السعودية ساده الانفعال والمرارة مما قاله أوباما في الأسبوعية الأميركية اليهودية ، وبدا كأنه يعزي نفسه وبلاده من قوة الصدمة حين بين نية السعودية في الاستمرار في اعتبار الشعب الأميركي حليفا لها . رابعا : روسيا دولة كبرى تواجه مشكلات داخلية وخارجية ، ولا تريد أن تكون المشكلة السورية شاغلة لها عن تلك المشاكل التي تهم شعبها مباشرة ، وهي غرقت في المشكلة السورية التي تدخل عامها السادس هذا الأسبوع منذ بدايتها ، وطوال السنوات الست لم يكن للدبلوماسية الروسية شاغل تقريبا سوى المشكلة السورية ، ثم هي دولة صاحبة خبرة عريقة في الحروب ، وتعرف أن الحرب وسيلة لتحقيق هدف سياسي محدد ، ومتى تحقق هذا الهدف أو قارب التحقيق فما من موجب لاستعمال القوة ، هي ليست ضعيفة تسعى لإقناع عدو معين بقدرتها على ردعه باستعراض قوتها العسكرية . ويلفت النظر وصف جواد ظريف وزير خارجية إيران للانسحاب الروسي بأنه إشارة إيجابية لآثار وقف إطلاق النار ، ويلفت النظر أكثر أن جواد لم يبدُ متفاجئا بنبأ الانسحاب حين قال ذلك . ويصب في نفس المجرى خبر عن انسحاب مئات من مقاتلي حزب الله من سوريا وعودتهم إلى لبنان مثلما جاء في موقع " جنوبية " اللبناني ، وحزب الله لا يمكن أن يتخلى عن سوريا إذا لم يكن لديه ما يطمئنه على أوضاعها الأمنية ، ويقول الموقع توكيدا لهذا الموقف المبدئي لحزب الله إن لدى الحزب اطمئنانا مصدره علمه باتفاق روسي أميركي حول سوريا . ويبقى كل شيء قابلا للمفاجأة في الشرق الأوسط لكثرة الأيدي التي تتدخل في قضاياه ومشكلاته وتصارع نواياها ورغباتها .