2025-06-08 06:01 ص

فدرالية الشمال .. أم إدارة توحش ٍ جديدة ؟

2016-03-18
بقلم: ميشيل كلاغاصي
قرر ما يقارب ال 200 شخصية من ممثلي بعض الأحزاب الكردية و بعض العشائر العربية , و بعض الشخصيات والأحزاب السريانية والأشورية والتركمانية والارمنية, في سوريا إعتبار الخميس 1722016 يوما ً لإطلاق النظام الفدرالي في مناطق سيطرتهم في شمال البلاد من خلال اجتماع عقد في مدينة رميلان في محافظة الحسكة , إذ أقر المجتمعون " وثيقة النظام الإتحادي الديمقراطي الفيدرالي في روج آفا - شمال سوريا " و التي تعني – غرب كرستان- تلك التسمية التي لا تخلو من الصبغة العرقية , بزعامة حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي , و ذلك لإقامة ما يسمى " إدارة حكم ذاتي " على المناطق التي يسيطرون عليها في عين العرب وعفرين والجزيرة , بالإضافة إلى تلك الأراضي التي سيطرت عليها "قوات سوريا الديمقراطية" مؤخرا ً في ريفي محافظتي الحسكة وحلب .. و قد صدح الاجتماع بجملة أقاويل تدّعي مشاركة كافة المكونات في هذا الشكل " الديمقراطي", و أكاذيب الحفاظ على وحدة سوريا وضد تقسيمها !! لا يعرف السوريون الكثير عن مّا تسمى " قوات سورية الديمقراطية ", ولاعن أهدافها , فقد راقبوا واهتموا بكل من يقاتل الإرهاب في سورية , وطالبوا بدعم وانضمام جميع مكونات المجتمعات السورية إلى محادثات جنيف , ورفعوا صوتهم الشعبي والرسمي دعما ً للأكراد اللذين لم يدعوا إليها في جولتيها الأولى والثانية , وسط الدعم الروسي ورفض تركيا وعدم وضوح الموقف الأمريكي الحقيقي. إن طرح مشروع تطويق منطقة جغرافية في سورية تقع حاليا ً خارج سيطرة الدولة بفضل الإرهاب الكوني الذي تعرضت له , لا يسمح لأي كان أن يسيطر عليها حتى بعد تحريرها من الإرهابيين , و يفرض رغباته ويمرر مشاريعه أو مشاريع من ورائه , إذ لا فرق في كلا الحالتين , فما فعله مطلقوا هذا المشروع المشبوه لا يعدو أكثر من إدارة توحش ٍ جديدة بإدارة "داعش" أو بإدارة ٍ مختلفة في الشكل. إن توقيت طرح هذا المشروع من حيث المكان والزمان يثير التساؤلات و يضع إشارات الاستفهام حوله , فلا يخفى على أحد أهمية تلك الأراضي الشمالية في سورية وحقول النفط والأراضي الشاسعة الغنية بمحاصيلها الزراعية الاقتصادية كالقمح والشعير وغيرها,كذلك غناها بالخامات والثروات الباطنية والمعادن وأشباه المعادن والفلزات الهامة, إذ يأتي هذا الطرح في الوقت الذي تتجه فيه الحرب على سورية نحو الحل السياسي على حساب الحل العسكري و صمود الهدنة فوق سقف كل التوقعات , وانفتاح الحكومة السورية على الحوار السوري - السوري الشامل , المدعوم بالعديد من القرارات الدولية و التي رضخت لطبيعة المجتمع السوري ورأت في طرح الدولة السورية نظامها العلماني شكلا ً أساسيا ً و منطقيا ً للدولة السورية .. و أن الدستور الجديد للبلاد سيعطي الجميع فرصة المساهمة فيه. لم يلق هذا الإعلان تأييد أغلب اللاعبين في المنطقة والعالم , فالشعب السوري هرع إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبه و تسجيل رفضه و عدم سماحه لأي كان بالمساس بوحدة سورية ووحدة أراضيها و منع تقسيهما تحت أي عنوان .. فيما أتى الرد الرسمي السورية سريعا ً و قويا ً وواضح اللهجة , إذ حذرت دمشق عبر وزارة خارجيتها " أي طرف تسول له نفسه النيل من وحدة أرض وشعب الجمهورية العربية السورية تحت أي عنوان كان بمن في ذلك المجتمعون في مدينة الرميلان". وأكدت أن "طرح موضوع الاتحاد أو الفيدرالية سيشكل مساسا ً بوحدة الأراضي السورية, و أنه يتناقض مع الدستور و المفاهيم الوطنية و القرارات الدولية" وأنه "لا قيمة ولا أثر قانوني له".. و اعتبرت أن الإبتعاد عن الهدف الرئيسي للشعب السوري في مكافحة الإرهاب , دعما ً للإرهاب و عملا ً يصب في إضعاف سورية . فيما جاء الرفض الروسي على لسان نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف , الذي أكد رفض بلاده إقامة " النظام الإتحادي " بشكل أحادي و خارج إطار الحوار السوري – السوري في جنيف . في حين سارعت واشنطن للإعلان عن عدم اعترافها بأي منطقة شبه مستقلة أو أي حكم ذاتي في سورية, كما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية تأييد بلاده لوحدة الأراضي السورية. يبدو أن بعض أكراد سورية و غيرهم ممن ساهموا في طرح مسألة الفيدرالية وإقامة مناطق ال " إدارة ذاتية " قد تسرعوا وأخطئوا في تقدير و قراءة بعض التصريحات و المواقف الدولية , و عجزوا عن ملاحظة الظروف التي سمحت لقيام كيان كردي في العراق , في ظل عدم التفرد الأمريكي الحالي في تقرير مصير دول و شعوب المنطقة بفضل الحضور الروسي الكبير , وعدم إنهيار الدولة السورية كما حصل في العراق .. وإن كان من باب التسرع في قبض ثمن الحرب على "داعش" , فهذا يدل على سذاجة سياسية و سلوكا ً غير خبير , و أن قدرتهم و حجمهم في الميدان و المنطقة لا يسمح لهم بتغيير أوراق اللعبة الدولية.. و لا بد أنهم سيواجهون عواصف جديدة قد تبدأ في رفض وجودهم تحت قباب جنيف , و لن تنتهي بإقتلاعهم ًبقرار سوري شعبي و رسمي . و قد يجد أردوغان فيها فرصة ذهبية ليعود إلى رشده دون أي خسارة , بعد إنعدام أفق استمرار حربه على سورية , وبعد أن حصل على مواقف تدين إعلان الفدرلة الكردية في سورية , وبالتالي يستطيع تبرير عدائه و قصفه و ملاحقته لهم في سورية و العراق , وقد يجد مفتاح الباب الذهبي في إلتقاء مصالحه و مصالح الدولة السورية في الملف الكردي الذي حاول نبشه وحلّه بمفرده على الأراضي السورية , في الوقت الذي تعتبر دول سورية و العراق و تركيا و إيران والعديد من الدول في المنطقة و الإقليم و العالم معنية فيه.. و قد يسعى مجبرا ً وبعنجهيته الفارغة إلى تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بسورية , والعودة عن تمرده الدولي و الظفر برضى الروس والأمريكيان والإيرانيين والأوروبيين , ناهيك عن امتصاصه الإحتقان الداخلي , وأعتقد أنه يملك الفرصة ليعود كما بدأ بتصفير عدّاد المشاكل مع دول الجوار بعد أن وجد كبش الفداء " الكردي" لتبرير جزءا ً كبيرا ً من أفعاله على مدى السنوات الخمس الماضية , مع فارق عدم الثقة به و بحكومته و بحزب العدالة و التنمية.