في الحقيقة لا يمكن الحديث عن أسباب الانسحاب العسكري الروسي من سورية دون العودة إلى أسباب التدخل الروسي فيها، والذي فرضته جملة من الأسباب العسكرية والقانونية الدولية والسياسية ، أهمها عسكرياً الانتهاك الدولي من قبل التحالف المزعوم ضد التنظيمات الإرهابية للأجواء السورية ،سيما وأن التحالف الذي تقوده أمريكي لم يكتفي باستهداف مواقع سورية مدنية وعسكرية على حد سواء ، وإنما أعطى ومن خلال هذه اللعبة القذرة للإدارة الأمريكية فرصة أكبر للاستثمار في الإرهاب ، ذلك الإرهاب الذي تزعم محاربته أمريكا دون أن تشرك الأطراف المتضررة من الإرهاب وعلى رأسها سورية وإيران ، هذا من ناحية ، ومن ناحية ثانية ، كانت أمريكا تدعم وتسلح الإرهاب جوياً وبعيد عن الأعين الدولية ، أما من الناحية القانونية فإن التواجد الروسي كان مفاده أن أي تهور أمريكي ستكون نتيجته حرب نووية عالمية والمدان أي المتسبب في هذه الحرب قانونياً أمريكا، أما دولياً فإن هناك محاذير تفرضها الاتفاقيات الدولية وعلى أمريكا وغير أمريكا أن تسير في مضامينها وإلا فإنها ستعرض نفسها للخطر المباشر وبدون أي غطاء دولي ، وعلى المستوى السياسي فقد نتج عن هذا التدخل عدة قرارات دولية صادرة عن الأمم المتحدة لصالح محور المقاومة ، وهذه القرارات وبخاصة المتعلقة بمحاربة الإرهاب لم تكن لتصدر لولا التواجد الروسي الذي عمل على إنهاء اللعبة الأمريكية بالكامل وبكافة النواحي ، في الوقت الذي وافق الروسي على التنسيق مع الأمريكي ، مع علمه المسبق بعدم جدية الأمريكي في التنسيق ، وبالطبع يبقى من يمكن أن يقال ومالا يمكن أن يقال ، لأن هنالك أيضاً جملة من الأسباب لا نستطيع ذكرها الآن ، خاصة وأننا نذكر أسباب التدخل لمعرفة أسباب الانسحاب ، والتي لا تقل خطورة عن أسباب التدخل ، كيف ؟! في تقديرنا المتواضع أن الحرب الكونية على سورية وعموم المنطقة العربية والإسلامية تنقل من خطة إلى خطة ، وهذا يفرض على محور المقاومة قاعدة التغيير في الخطط المقاومة ضمن إستراتيجية نوعية ومتقدمة جداً وغير معمول فيها عسكريا من قبل ، وضمن هذا السياق جاء التوافق بين أطراف المقاومة على أن التغيير في خطط الردع أمر حتمي ملح لا بد منه ، مما يشي وبصورة مباشرة أن هناك تصور حقيقي لدى محور المقاومة عن واقع التفكير الإرهابي والداعم له ، لهذا جاء القرار الذي أفقد هذه القوى مجالا حيويا بالغ الاستقطاب الدولي ، أيضاً كيف ؟ للتوضيح أكثر نقول : الانسحاب الروسي يعطي للمقاومة حق الرد المدمر لإسرائيل وغيرها ، وبدون أي أبعاد دولية أو قانونية أو سياسية تلحق بروسيا الدولية ، إضافة إلى تجنب الوقوع في المتاهات السياسية المعقدة دولياً ، إضافة إلى أن الانسحاب فرض تقاطيع إقليمية ودولية ضمن مسارات وحدود قانونية بالدرجة الأولى ، مما يعطي للمقاومة قوة إضافية تفوق التواجد الروسي بعشرات المرات وأفصد هنا بين هلالين ( قوة الرد المدمرة ) ، ومن أجل تقديم نصور أوضح للمواطن العربي علينا أن نعاود التأكيد على أن هنالك اتفاقيات دولية تلزم الروسي والأمريكي دولياً ، ولا تلزم الجيش العربي السوري ، ولا حزب الله ، ولا إيران ، وفي المقابل لا تلزم إسرائيل وتركيا والدول العربية الداعمة للإرهاب ، مضافاً لذلك أن بقاء الروسي سيجعله عرضه للوقوع في الفخ المنصوب له دولياً حتى وإن كانت الضربات الموجهة للإرهاب وإسرائيل والدول الداعمة للإرهاب سورية ومن المقاومة ، علماً بأن الانسحاب الجزئي لا يعني فقدان صلة التواصل والتنسيق مع المقاومة ، إضافة إلى أن هنالك مناطق محرمة دولياً فرضها التواجد الروسي عسكرياً وقانونياً وما زال يفرضها حتى بعد الانسحاب ، وعلى الرغم من احتمال دلالة الانسحاب لأكثر من معنى إلا أنها تشي وبصورة لا تقبل الشك أن هناك مغامرة ستقدم عليها ‘إسرائيل في لبنان ، مغامرة لها جذر يسمى بجذر قطع المساعدات العربية عن الجيش لبناني ، إذاً التواجد الروسي والانسحاب يأتي كرد على تركيبة الانفعال الإرهابي الإقليمي والدولي ، لأنه لا يمكن لنا تسمية ما تقوم فيه القوى الصهيو ـ أمريكية بالفعل لأن هنالك فاعل مقاوم يتحكم بزمام الفعل وإلا لما كانت الحرب الكونية قائمة أصلاً على سورية ولبنان والعراق وعموم المنطقة ..!!
نتحدث عن مقاومة متسعة إقليمياً ودولياً ، ومتعددة المشارب الأيدلوجية تتفق على محاربة الإرهاب كأولوية قصوى ، وعلى اعتبار إسرائيل والدول الداعمة للإرهاب ـ تنظيمات إرهابية ـ لا أكثر ، ويبدو لي أن هذا التوافق مدخل هام جدا لفهم تصميم القوى الإرهابية على أمرين الأول : إزاحة الرئيس المنتخب الشرعي سيادة الدكتور بشار الأسد ، والأمر الثاني : يتعلق بنزع سلاح المقاومة ، بالتالي علينا أن نتذكر دائماً أن من شرعن العدوان الإسرائيلي على غزة ، ومن دعم الحرب على لبنان في 2006 هو ذاته الذي يبرم الصفقات مع الإسرائيلي وعلى عين الأمريكي ( تاجر القنبلة النووية ) الذي يراقب من ناحية ، ويبيع السلاح من ناحية ثانية ، وينتظر بفارغ الصبر وقوع الروسي بفخ القانون الدولي الذي لا يطبق إلا علينا ، من أجل نسف المنجز المقاوم العسكري والسياسي في سورية وكامل المنطقة ، هذا عدا عن دافع القلق والخوف على العروش التي ستنهار لحطة إعلان الانتصار السوري على الإرهاب ، ونستنتج مما سبق أن هناك ترابط بين المنجز فوق الميدان السوري عسكرياً ، وبين الداعمين للإرهاب وإسرائيل ، وبين القوى الدولية الأمريكية والأوروبية ، وبين التواجد الروسي كورقة دولية في حال الاشتراك بعمليات الرد على إسرائيل وعملائها في المنطقة ، إذاً عملياً الروسي ومن خلال هذا الانسحاب لا ولم يكن سبب في إشعال حرباً نووية ، بدليل هذا الانسحاب ، وهذا يعني أن الورقة الدولية القانونية التي كان من المفترض أن تكون بيد الأمريكي بحسب الخطة ألموضوعه من قبل الممولين والداعمين للإرهاب أصبحت بيد الروس ، وليكتب التاريخ أن من يشعل الحرب أمريكا وأوروبا وكل الداعمين للإرهاب الإقليمي والدولي ..!!
وكإنسانيين نحذر وبشدة من مغبة ارتكاب أي حماقات جديدة تكون نتيجتها مكلفة للغاية لكل من إسرائيل والدول الداعمة للإرهاب في المنطقة والعالم ، وليعلم الجميع أن أي عدوان على ـ حزب الله في لبنان ـ يعني إعلان الحرب على لبنان الدولة والمقاومة ، وسورية ، وإيران ، واليمن ، والعراق وبالمناسبة هذه الحرب وإن كانت نتيجة للمنجز الميداني العسكري السوري ، فإنها ستكون مقدمة لإعادة خارطة الشرق الأوسط وبحسب المفهوم ـ المقاوم الإنساني ـ هذه المرة ، نقول ذلك ونحن نراقب إخلاء المستوطنات الشمالية التي تترافق مع الأفلام الإعلامية حول تعاظم قوة المقاومة تمهيداً للعدوان المتوقع ، والذي سيكون الرد عليه غير متوقع لا إسرائيلياً ولا غربياً ولا عربياً ، كما ونذكر الأمم المتحدة ومجلس الأمن بأن هنالك إرهاب إقليمي ودولي منظم يستخدم ويوظف من قبل أمريكا الصانعة لهذا الإرهاب ، ومن قبل بعض الدول الأوروبية ، والدول الإقليمية في الشرق الأوسط وفي مقدمتهم تركيا وإسرائيل وبتمويل للأسف مالي عربي ، قتل الملايين وشرد الملايين وما زالت مشاكل اللاجئين تؤرق هيئتنا الجليلة وقد أرسلنا لكم أكثر من حطاب بهذا الشأن ، هذا عدا عن مسائل التعويض للدولة السورية والمواطنين السوريين وكذلك في لبنان والعراق واليمن وليبيا التي من المفترض أن تتحملها أمريكا ، وبعض الدول الأوروبية ، وإسرائيل وتركيا والدول العربية الداعمة للإرهاب ، وكل أدوات ومحركات الفوضى الخلاقة في المنطقة ، نعم يا سادة التكلفة عروش وأنظمة ودول ، والعجيب أن البعض ما زال يردد كالببغاء أن جملة الحاصل في المنطقة نتيجة لوجود حزب الله ، والرئيس السوري ، وإيران ، ومثل هذه الحرب تؤسس في تقديرهم لدور عالمي ضاغط باتجاه اخرج الروسي من المعادلة كلياً ، ما يعني أن هناك جملة من الأهداف لهذه الحرب التي تشكل بالنسبة لهم أخر الخطط ،وتحقق ما لم تحققها في السنوات الستة الماضية وأهمها أولاً: إعادة إحياء الأمل في إسقاط النظام السوري ، وثانياً : ضرب بنية المقاومة الإسلامية في لبنان بشكل لا يمكنها من التحرك صوب سورية أو غيرها ، وثالثاً : ردع إيران عن إمكانية التدخل خليجياً وأوسطياً ، أو على اقل تقدير ضمانة الجلوس على الطاولة مع الإيرانيين ومحور المقاومة لضمانة استمرارية تلك الأنظمة وإسرائيل ،
وأخيراً نقول : إذا كان العمل العسكري الإرهابي في وسورية مطلوبا في مرحلة ما ، فإنه بعد الاتفاق الروسي الأمريكي الدولي لم يعد مطلوباً ، بالتالي لابد من البحث عن مفصل أخر مؤلم لمحور المقاومة بحسب فهمهم ، وقد تم اختيار لبنان وتحديداً حزب الله الهدف الأول والأخير بعد أن فشلت الإدارة الإرهابية الأمريكية من إسقاط الدولة السورية ، لا بل وفشلت من تحقيق أي هدف من عدوانها على عموم المنطقة ، وكمقاومة إنسانية نعود ونقول وفوق قاعدة لا شيء مطلق سوى الحركة والتغيير ، إن الجيش العربي السوري والمقاومة الإسلامية في لبنان وإيران على أتم استعداد لمواجهة أي حرب إقليمية والانتصار فيها ، وأي تدخل دولي يعني حرب عالمية من خلال تدخل الروسي وربما الصيني أيضاً ، والنتيجة يبقى انسحاب القوات الروسية من سورية أشد خطراً على الإرهاب والداعمين له من استمرارية بقائها ...!! خادم الإنسانية . مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .
انسحاب القوات الروسية من سورية أشد خطراً على الإرهاب والداعمين له..!!
2016-03-18
بقلم: الدكتور الشريف رعد صلاح المبيضين