2025-06-08 04:49 ص

تناوب" الحلحلة " الأميركية الروسية.. تثبيتٌ للأسد أم دفعٌ لتنحيه؟

2016-03-19
بقلم: الدكتور محمد بكر
صورٌ بالجملة من " الحلحلة" تواردت بزخم خلال الأيام القليلة الماضية تناوب خلالها كلٌ من الأميركي وخصمه الروسي المشتبكين في الملف السوري منذ خمس سنوات، في تصدير خطابٍ وسلوك ٍ على غير ما جرت العادة يعكسان بالضرورة  في حيثياتهما عن طبخة ما، يجري تحضيرها للمنظقة برمتها منظلقها الساحة السورية. مع أوباما وتصريحاته الوازنة لمجلة أتلانتيك واتهامه للسعودية بأنها المفرخة الرئيسة للعناصر المتطرفة وحثها على ضرورة التعايش مع إيران لتحقيق ما سماه السلام البارد ووصفه لأردوغان بالفاشل والديكتاتور، يأتي الحدث الأبرز المتعلق بقرار بوتين الذي أثار موجة كبيرة من التحليلات والتوصيفات والتفنيدات والشعور الصادم عند كثيرين لجهة سحب القوة الروسية الرئيسة من سوريا، قرار ٌ  سرعان ما بدأت انعكاساته تتكاثر في المشهد السياسي العام، إذ وبعد أقل من يوم واحد على ذلك القرار أطل الناطق باسم التحالف العربي أحمد عسيري ليعلن قرب انتهاء العملية العسكرية في اليمن، فيما أعلن الرئيس هادي عن أن كل الأبواب مفتوحة لإطلاق حوار شامل مع الحوثيين والرئيس علي عبد الله صالح، بدوره رحب البيت الأبيض بالقرار السعودي، وعبر الناطق الرسمي باسم الرئاسة الأميركية عن القلق جراء تزايد أعداد القتلى من الأبرياء والأطفال في اليمن، سبق كل ذلك قرار الغرب بحظر الاسلحة ووقف الدعم الاستخباراتي للسعودية، فكيف تمكن لنا قراءة ماهية تلك الحلحلة والطبخة؟  لفهم طبيعة الجديد الحاصل والبحث في أبعاد الخطوة الروسية التي لاتقف في اعتقادنا فقط عند ما أعلنه بوتين لجهة أن المهمة انتهت، وأن ذلك يشكل دفعاً للعملية السياسية في جنيف. لابد من التمحيص في الكواليس التي يبدو فيها الكثير من المخفي ربما في الجعبة الروسية والذي يشكل " ملح الطعام " والنار الهادئة للطبخة المحضرة مع الجانب الأميركي. في جزئية القرار الروسي نقف لنسأل؟ إن كان الغرب فشل في الضغط على روسيا وتحويل سورية إلى أفغانستان ثانية كما أعلن الروس مؤخراً وقبل قرار بوتين، وإن كان الارهاب وداعش والنصرة وبالرغم من خسارتهم لمواقع بالجملة ولاسيما في حلب لازالوا موجودين على الأرض فلماذا الانسحاب؟ ما قاله بوتين يوم الخميس 17/3/2016 لجهة أن بلاده ستعزز حضورها في المنطقة مجدداً بحسب تطورات الوضع هناك، مضيفاً : ليس من مصلحتنا التصعيد العسكري ويجب أن يعم منطق السلام، يشكل في جوهره البعد الذي أدرك من خلاله الروسي أن استمراره على ذات الوتيرة سيزيد من التكلفة الاقتصادية للعملية العسكرية في سورية، وسيستولد بالضرورة استنزافاً للقوات الروسية. في مقال مهم نشر في صحيفة معاريف كتب ألون بن دافيد يقول : في نهاية 22 أسبوع من التدخل الروسي تمكن بوتين خلالها من تغزيز سيطرة الأسد على الخُمس الحيوي في سورية والذي يحوي المقرات المهمة وذلك من خط درعا ودمشق جنوباً، مرواً بالوسط وتدمر، إلى شمال حلب وكذلك الساحل حيث المرافئ والموانئ، مضيفاً وبأسئلة غاية في الأهمية، هل تراجع داعش سيستمر بدون روسيا؟ هل يستمر الأكراد في تقدمهم أم إن أردوغان سيستغل خروج روسيا ويعمل على قصفهم؟ هل يعرف الأسد كيف يحافظ على الإنجازات الجغرافية التي أسس لها الروسي؟ مضيفاً : بوتين لاينوي الانتحار من أجل الأسد، وسيحاول في البداية التوصل إلى اتفاق يعيد سلامة الجغرافية ولن يلتزم بعدها بسيطرة نظام الأسد في سورية ولن يكون لديه مشكلة في الدفع باتجاه تنحيه واستبداله بشخصية توافقية ومن نظام البعث نفسه. التحليل الأبرز كان لجوشوا لانديز مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما الأميركية لجهة أن بوتين يهدف من قراره إلى إظهار نفسه كرجل دولة ويحاول أن يجعل من الأسد شريكاً لأميركا في المنطقة التي لا تزال ترفض ذلك. نميل في اعتقادنا لتحليل لانديز إذ  ركل الروسي الكرة هذه المرة في ملعب الأسد وحلفائه الميدانيين، لإنجاز المهمة على الأرض ( التي لن يعود إليها كما كان سابقاً)، واكمال تأمين السفينة (التي منعها الروسي من الغرق) لإيصالها إلى شاطئ الأمان، والأهم هو تحضر الأسد ربما للشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية على أسس جديدة لا تخلو من " التخلي عن عقلية الممانعة" ومن هنا نقرأ ونفهم توقيت ما أعلنته بثينة شعبان أنه لا مستحيل في السياسة، ومن الممكن فتح حوار مع الولايات المتحدة، وكذلك ما أعلنه الرئيس الإسرائيلي ريفلين خلال زيارته لموسكو بالتزامن مع قرار بوتين لجهة أن موضع بحثه مع موسكو سيتركز حول التعهدات الروسية بسلامة أمن " إسرائيل "، وعلى الالتزامات التي تعهد بها بوتين خلال زياراته لتل أبيب خلال عام  2012. نعم الحلحلة الروسية - الأميركية باتت واضحة، والتسويات باتت عنوان المرحلة المقبلة، يرسم بداياتها الأسد الذي إن رفض أن يكون شريكاً لأميركا، فعليه فعلاً أن يقلق.
* كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com