2025-06-08 01:47 ص

أكراد سوريا بين رياح الانفصال والمشاركة في رسم المستقبل السوري

2016-03-22
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
أقر المجتمعون في المؤتمر الذي عقد في مدينة رميلان بالحسكة السورية ذات الغالبية الكردية وثيقة يتم بموجبها قيام نظام حكم فيدرالي شمال سوريا على المناطق التي يسيطر عليها الاكراد. ومن المعروف ان أكراد سوريا قد فرضوا نظام حكم ذاتي أو إدارة ذاتية للمناطق الواقعة تحت سيطرتهم وهي الجزيرة في الحسكة، عين العرب (كوباني) وافرين وكلها في الشمال السوري في المنطقة الحدودية مع تركيا. ولقد اتاحت السيطرة الكردية على بلدة تل ابيض الحدودية مع تركيا التواصل الجغرافي بين الجزيرة وعين العرب. أما افرين التي تبعد حوالي 100 كم من أقرب نقطة تسيطر عليها قوات حماية الشعب الكردية لا تتواصل جغرافيا مع الجزيرة وعين العرب بحكم سيطرة تنظيم داعش على الاراضي بين هذه المناطق (ذي امريكن انتريست 16 آذار/مارس 2016). وتأمل قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي لأكراد سوريا ان يتم تحرير هذه المناطق بالإضافة الى تحرير جرابلس واعزاز، وبالتالي السيطرة على منطقة حدودية متواصلة جغرافيا وواسعة مع تركيا التي تسعى الى افشال هذا المشروع الكردي. فاردوغان يشن حربا شعواء عسكرية وسياسية ضد حزب العمال الكردستاني في الجنوب الشرقي لتركيا، الى جانب حملته السياسية والمطالبة برفع الحصانة الدبلوماسية عن النواب الاكراد في البرلمان التركي الذين ينتمون لحزب الشعوب الديمقراطي واتهامهم بالخيانة لمجرد مطالبتهم بوقف العداء للأكراد ومحاولة حل المشكلة الكردية بالحوار واستكمال المباحثات الجادة التي أجريت سابقا وتوقفت بعدما تراجع أردوغان وتنكر للوعود التي قطعها للأكراد في مباحثاته مع الزعيم الكردي أوجلان الذي ما زال يقبع في السجون التركية. اردوغان يرى أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري ما هو الا امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي الذي يقاتله الجيش التركي بلا هوادة على الأراضي التركية والعراقية أيضا. وأردوغان هو الذي ما زال يضع الفيتو على مشاركة أكراد سوريا في وفد المعارضة السورية الى المباحثات في جنيف 3 وهذا كان موقفه في المباحثات السابقة التي رعتها الأمم المتحدة. والغريب في الامر والمستهجن هو خضوع الأمم المتحدة والولايات المتحدة الامريكية للإملاءات التركية بهذا الشأن الذي يعتبر انتهاكا للقوانين والأعراف الدولية الى جانب مخالفته حتى لقرار مجلس الامن رقم 2254 الذي يدعو الى أكبر تمثيل للمكونات السورية في المباحثات والمفاوضات الهادفة الى إيجاد حل للازمة السورية عن طريق الحوار بين السوريين أنفسهم. أردوغان كما أعلنها في العديد من المناسبات لا يريد ان يرى ولن يقبل بأي كيان كردي ذو صبغة مستقلة بغض النظر عن ماهيتها وبنيتها. البعض يرى ان الإعلان الكردي عن الفيدرالية الاتحادية ضمن الجغرافية السورية انما يأتي كرد على محاولة تهميش الاكراد السوريين الذين يشكلون ما يقرب من 15% من عدد السكان في سوريا، وعدم دعوتهم الى المباحثات في جنيف 3 كمكون رئيس من مكونات المجتمع السوري بالإضافة الى ان الاكراد من قوات حماية الشعب الكردية قد أبلت بلاء حسنا في مكافحتها لتنظيم داعش في الشمال السوري. ولكن في تقديرنا المتواضع ان الاقدام على هذا خطوة من جانب واحد ومحاولة فرضها كواقع، والدعوة الى تطبيق مثل هذا على المساحة السورية، انما يراد استخدامها لتقسيم الوطن السوري الى كانتونات طائفية وعرقية على غرار النموذج العراقي. ان نموذج الحكم يجب ان يتقرر من خلال الحوار السوري - السوري ولكل المكونات السورية ولا يجوز لفئة او مجموعة ان تستفرد بالقرارات المصيرية للوطن السوري تحت أي ظرف من الظروف او مسمى من المسميات. ما يجب ان يؤكد عليه هنا هو ان قضية تهميش اكراد سوريا في المؤتمرات التي عقدت تحت المظلة الأممية للشأن السوري لم تكن الدولة السورية طرفا بها، بل على العكس من ذلك كان وما زال وفد الدولة السورية المفاوض يصر على تمثيل المكون الكردي في هذه المؤتمرات وكذلك الحال بالنسبة الى روسيا، وان من وقف ضد التمثيل الكردي بالاستجابة للدعوات التركية كانت الولايات المتحدة والأمم المتحدة. الاكراد ينادون بتعميم النموذج الفيدرالي ليشمل المساحة السورية لان هذا هو النموذج في تقديرهم الذي يضمن وحدة الأراضي السورية ويمنع التقسيم. ولكننا لا نفهم على الاطلاق كيف يمكن لهذا النمط المقترح ان يحافظ على وحدة الأراضي السورية والسيادة السورية. وبصريح العبارة لا نستطيع ان نتفهم الدعوة المبطنة التي تدعو الى تقسيم الوطن السوري الى أقاليم سنية وعلوية وكردية. لا نريد الخوض كثيرا في هذه النقطة الا اننا نريد ان نشير الى الوضع العراقي الذي بدأ فيه الاكراد في كردستان العراق بنوع من الحكم الذاتي في إقليم كردستان بدعم امريكي منذ البداية ومن ثم بناء نظام يكرس الطائفية والمذهبية والعرقية فماذا كانت النتيجة سوى الفشل والتناحر الطائفي والعرقي وعدم الاستقرار الذي ما زال يلف كافة الوطن العراقي للان. ولننظر الى الوضع اللبناني أيضا القائم على المحاصصة الطائفية والمذهبية وما وصل به الحال الى غياب المؤسسات الحكومية الفاعلة وعدم القدرة على انتخاب رئيس للجمهورية لفترة طويلة من الزمن بسبب التدخلات الإقليمية والدولية. بالتأكيد ان كل سوري ووطني وشريف لن يقبل بان يصل الوطن الى شيء مشابه بعد خمسة سنوات من الصمود امام الهجمة والحرب الكونية المباشرة والغير مباشرة عن طريق الأدوات باستخدام الإرهاب التكفيري الوهابي الذي جمع من كل بقاع المعمورة. ان هذه الخطوة إذا ما رأت طريقها الى التطبيق ولا نظن ان هذه يمكن تطبيقها فمن المؤكد انها ستثير الكثير من الخلافات حتى ضمن المكون الكردي السوري بالإضافة الى الخلافات ضمن المتحالفين مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وقوات حماية الشعب الكردية. وهذه الخلافات ستؤدي الى اضعاف الموقف الكردي وليس تقويته. الى جانب ذلك فان تركيا التي ناصبت العداء للأكراد السوريين كما لأكراد تركيا من المرجح ان تقوم بعمل عسكري من شأنه منع قيام مثل هذا الكيان الكردي الذي سيتحكم بخط حدودي كبير مع تركيا. ولقد قامت المدافع الأرضية التركية بقصف مواقع كردية داخل الأراضي السورية. كما أنه من المرجح ان تعمل تركيا على تهريب الدواعش الى داخل الأراضي السورية لمقاتلة الاكراد هناك. ولقد شهدنا القصف المتواصل على القوات الكردية التي حاولت التقدم من مدينة أعزاز الحدودية لإتمام سيطرتها على الشريط الحدودي مع تركيا. ولقد قامت الولايات المتحدة بتوجيه تحذيرات لأكراد سوريا من استغلال فترة وقف الاعمال العدائية لتوسيع الرقعة الجغرافية التي يسيطرون عليها وذلك مراعاة لتركيا على الرغم من أن الولايات المتحدة اعتمدت كثيرا على حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب الكردية على مكافحة تنظيم داعش وقامت بتكوين ما سمي بقوات سوريا الديمقراطية المكونة من اكراد وعرب والسريان والارمن ألخ من المكونات السورية المتواجدة في الشمال لنفس الغرض. وكان هنالك تعويل على هذه القوات للسير لتحرير الرقة من ايدي ارهابيي داعش. ان جل ما نخشاه هنا هو ان تتدخل تركيا بقطع من وحدات جيشها الى الداخل السوري تحت ذريعة ضرب المقاتلين الاكراد، مما يستدعي ردة فعل عسكرية سورية للدفاع عن أراضيها وسيادتها. وهذه الاشتباكات ان حصلت لا يمكن التنبؤ بما ستؤول اليه، ويبقى احتمال امتداد هذه الحرب واردة. ما يجدر الإشارة اليه هنا هو ان المجموعات المسلحة الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي يترأسه السيد صالح مسلم أعلنت عن قيام منطقة حكم ذاتي في 21 يناير 2014 على المناطق التي تسيطر عليها التي عرفت باسم روج أفا وهو الاسم الكردي لكردستان سوريا . والمجموعات المسلحة الكردية هي القوة الأساسية التي تحارب تنظيم داعش في الشمال السوري على امتداد الحدود مع تركيا المتاخمة لمناطقهم. ويتواجد في منطقتهم ما يقارب من المئة حندي امريكي اللذين يقومون بعمليات خاصة بالإضافة الى التنسيق والتخطيط لعمليات مشتركة مع القوات المسلحة الكردية بالإضافة الى عمليات التدريب والامداد بالأسلحة. وزيادة على ذلك فان القوات الجوية الأمريكية بدأت باستخدام مطار في المنطقة الكردية وبالقرب من بلدة رميلان التي عقد فيها المؤتمر الأخير وذلك بعد ان قامت الوحدات الهندسية الامريكية بتوسيع مدرجه لاستقبال الطائرات الامريكية ( نيو ايسترن أوت لوك 16 آذار/مارس 2016). وفي هذا انتهاك واضح للسيادة السورية ووحدة أراضيها. ربما كان هذا بالتنسيق مع حزب الاتحاد الديمقراطي على امل ان تعترف الولايات المتحدة بمنطقة الحكم الذاتي لأكراد سوريا أو على الأقل تؤيد مشاركة المكون الكردي بشكل منفصل. الإدارة الامريكية كانت تحضر فيهم وبقوات سورية من العرب والسريان وغيرهم لمقاتلة تنظيم داعش و"تحرير" الرقة المدينة الرئيسية للتنظيم على امل اقتطاع جزء من الوطن السوري وإقامة دويلة للمعارضة السورية. ولكن الأمور لم تسري بهذا المنوال وخاصة بعد المجيء الروسي العسكري الى سوريا لمؤازرة الجيش والدولة السورية في محاربة الارهاب. هذا بالإضافة الى رفض الكرد للدخول في اللعبة الامريكية لأنهم منذ البداية لم يتدخلوا في الحرب الدائرة على الأرض السورية وانتهزوا فرصة ضعف الدولة المركزية في الشمال لإقامة منطقة إدارة ذاتية ومن ثم منطقة حكم ذاتي والان يريدون اعلان المنطقة إقليم كردستان ضمن نظام حكم فدرالي شمال سوريا كأمر واقع. وهو ما رفضته الإدارة الامريكية وروسيا والدولة السورية والمعارضة ولكل له أسبابه ودوافعه. وبالرغم من الرفض الأمريكي كما ورد في تصريحات البيت الأبيض الا اننا لا نرى ان ذلك يعكس الموقف الفعلي لهذه الإدارة أو حتى غيرها. فهدف تقسيم الوطن السوري ما زال قائما على الاجندة الامريكية وربما الخطوة الكردية ستؤخذ مدخلا لاحقا لتحقيق ذلك بعد ضمان الموقف التركي بعدم التدخل أو تقديم الضمانات لتركيا بان هذا الكيان لن يهدد "الامن القومي" التركي، فتركيا عضو في الناتو ويجب ان تؤخذ مطالبها من قبل الولايات المتحدة بالاعتبار بالرغم من رعونة أردوغان وسلوكه الصبياني المدمر. هنالك من يدعي ان الامر غير مقصور على المجموعات المسلحة الكردية نظرا لتواجد مكونات عربية وتركمانية وسريانية وشيشانية قد حضرت المؤتمر وتوافقت مع المشاركين على قيام نظام حكم فدرالي في المناطق ذات الأغلبية الكردية في الشمال السوري ولكن ما يجب التأكيد عليه ان هؤلاء المشاركين وعددهم قليل جدا قد يكون اشراكهم قد تم بصورة صورية لإعطاء الانطباع ان القضية ليست مرهونة بالأكراد فقط. نحن لا نريد ان ننتقص من حقوق أي من المكونات السورية سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاثنية أو الدينية ..الخ ولكن هذا يجب ان يكون ضمن الحوار والتوافق بين هذه المكونات دون فرض الامر الواقع من هذه الفئة أو تلك. بالإضافة الى ان هذا يجب ان يتم ضمن مظلة الوطن الواحد والدولة الواحدة ورفض اية عملية تقسيم الوطن تحت شعارات طائفية او مذهبية أو عرقية. فالوطن يجب ان يكون الحاضن لكل المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم ومشاربهم. قضية التمثيل الكردي في المباحثات لا يبدو انها ستحل قريبا مما يشكل احدى العقبات التي يجب تجاوزها إذا ما خلصت النوايا للسير في طريق حل الازمة السورية بين المكونات السورية دون التدخلات الإقليمية أو الدولية التي يحاول كل طرف ان يفرض نوع من الحلول أو المسار الذي يجب ن تتخذه المباحثات ومخرجات الحوار. وهنالك نقطتين من الضروري التعامل معها بالنسبة لقضية المكون الكردي. النقطة الأولى تتمحور في تحديد من هي القوى الكردية السياسية التي يجب ان تمثل الاكراد في مؤتمر جنيف 3. والنقطة الثانية تتركز في تحديد الوفد ( الحكومي، المعارضة، وفدا مستقلا) الذي يجب ان تنضم اليه هذه القوى الكردية. الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر المعارضة في الرياض صرحت بأنها تدعم الهوية القومية الكردية وأن لديها ممثلين عن المكون الكردي. والطرف الكردي الاخر هو المجلس الوطني الكردي في سوريا الذي يعتبر نفسه عنصر أساسي من المعارضة السورية وانه خير من يمثل مصالح الاكراد في سوريا. وهذا المجلس يلقى دعما من الحزب الديمقراطي الكردستاني ومن رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود البرزاني. بالإضافة الى ذلك فان تركيا قامت بمساعدة إعادة تشكيل ودعم فصيل كردي "احفاد صلاح الدين" وهم فصيل عمل مع ما سمي "الجيش السوري الحر" فتركيا اردوغان الان تجهز هذا الفصيل الكردي "لمحاربة" تنظيم داعش وفي حقيقة الامر لمحاربة وحدات حماية الشعب الكردية ( ميدل ايست أي 16 آذار/مارس 2016) المؤلفة بشكل رئيسي من مقاتلين أكراد الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري التي تحاول تركيا قطع الطريق امامه لتمثيل المكون الكردي السورية باعتباره القوة السياسية والعسكرية المعترف بها على الساحة السورية. ولقد قامت تركيا بتصنيفه وتصنيف وحدات حماية الشعب بالمنظمات الإرهابية وهي تحاول ان تدرجهم على لائحة المنظمات الإرهابية العاملة على الساحة السورية. بالإضافة الى ذلك فالجيش التركي يقوم بقصف مناطقهم بالمدفعية الثقيلة بشكل متواصل لمنعهم من التقدم باتجاه جرابلس واعزاز وهي المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، لأنه في حالة السيطرة الكردية على هاتين البلدتين فهذا يعني السيطرة الكاملة لوحدات حماية الشعب الكردية على كامل الحدود المشتركة مع سوريا وبطول 800 كيلومتر، وهذا ما تخشاه تركيا وتعمل جاهدة وبشتى السبل على منع حدوث ذلك. ويبقى السؤال كيف من الممكن حل قضية التمثيل المكون الكردي المعارض؟ وهل سينجح أردوغان في ان يجعل الكردي يواجه الكردي على ارض المعركة؟ وفيما إذا ما نشبت الحرب بين هذه المكونات ماذا سيكون موقف الاكراد في كردستان العراق وعلى وجه التحديد السيد مسعود البرزاني؟ وهل ستتخلى أمريكا عن حزب الاتحاد الديمقراطي لصالح "احفاد صلاح الدين" الذي ترعاهم تركيا وتهيء لهم الأرضية السياسية والعسكرية؟ وهل سيقف الكرد في "احفاد صلاح الدين" للتصدي لمقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري إذا ما تقدمت قوات الأخير للسيطرة على جرابلس واعزاز لإحكام السيطرة على الشريط الحدودي بالكامل وبالتالي احداث مزيد من الضعف التركي على الساحة السورية؟