توافي هذه الأيامَ الذكرى الأولى لبدء عدوان ما سمي التحالف العربي بقيادة السعودية على الشعب اليمني في 26 مارس / آذار 2015 بدعوى إعادة الشرعية ممثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي . رأس العدوان ، السعودية ، أدرك إذ تقترب الذكرى هول المحنة التي انساق إليها أعمى أصم ، فمال إلى الفرار منها ، ويشهد على هذا الميل حديث أحمد عسيري مستشار وزير الدفاع السعودي عن قرب انتهاء العمليات العسكرية الكبيرة ، ووصول المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد ، الثلاثاء ، إلى الرياض قادما من صنعاء لعرض شروط الحوثيين وصالح على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ، وحديث مسئول حكومي يمني عن مباحثات متوقعة بين طرفي النزاع في الكويت في آخر مارس / آذار الحالي بإشراف الأمم المتحدة تترافق مع وقف مشروط لإطلاق النار ؟ ما الذي فتح وعي النظام السعودي ودعاه إلى الميل إلى الفرار من الحرب ؟
أولا : الفشل الكبير الذي لحق به وبشركائه فيها . كان مأموله ومأمول شركائه أن ينهار الحوثيون وقوات صالح في مواجهة تفوقهم الجوي المطلق ، ويقال إن الدول الغربية ومنها أميركا قدرت أن الحوثيين وقوات صالح سينهارون في شهر أو شهرين ، وطبيعي أن يكون هذا التقدير نقل إلى السعوديين الذين دخلوا الحرب بتهور وسذاجة قاربت البلاهة ، وفاجأ صمود الحوثيين وقوات الجيش اليمني التابع لصالح المعتدين وخيب حساباتهم . ومرات تحدثوا عن قرب سقوط صنعاء ، وسقطت كل توقعاتهم ، وما من أحد في السعودية أو في الدول المشاركة لها في العدوان ساءل أو حاسب المتحدثين ومن وراءهم عن هذا العبث والتخبط غير المسئول في التقديرات والتوقعات ، عدوان يشبه مولدا صاحبه غائب . في إسرائيل لا يكفون عن التساؤل والجدل حول كل حروبهم منذ أن أنشئت دولتهم ، وهذا هو الفرق بين الدول الحقيقية والدول الصورية حيث الحاكم والمنافقون من حوله بكل صنوفهم يتولون كل شيء ، يقولون ويفعلون وما من سائل أو محاسب .
ثانيا : ما أصاب السعودية من خسائر بشرية في قواتها داخل اليمن ، وفي مدنييها على الحدود بين البلدين، وتقدر بعض المصادر قتلاها العسكريين ب 3500، والمدنيين ب 100.
ثالثا : انكشاف سوء أداء الجيش السعودي القتالي في المعارك البرية خاصة على الحدود ، وشيء غير طبيعي بأي معيار عسكري أن يحتل الحوثيون ( اللجان الشعبية ) وقوات صالح بعض المناطق الحدودية ، وأن يفشل الجيش السعودي في استعادتها مثلما حدث في المربوعة في الأسبوع الماضي . كيف يكون أداء ثالث جيوش العالم ميزانية بهذا السوء الفاضح ؟! لو كان أداء جيش بهذه الميزانية في سوء أداء الجيش السعودي ، في بلد لديه الحد الأدنى من حرية الرأي ، لهاج الإعلام والرأي العام ، ولطارت رؤوس عسكرية وسياسية كثيرة .
رابعا : تكلفة الحرب المالية الكبيرة التي تقدر ب 200 مليون دولار يوميا ، ويعني هذا أنها قد تكون بلغت في العام ما يقارب 100 مليار دولار ، وتأتي هذه التكلفة الكبيرة في زمن انهيار سعر البترول الذي اضطرت معه السعودية إلى السحب من صناديق الثروة السيادية ، وإلى الاتجاه للاستدانة من البنوك العالمية ، وإلى التقشف في الإنفاق الداخلي .
خامسا : ما تثيره الحرب العدوانية بجناياتها من سخط في العالم ، ويقدر عدد القتلى ب 10 آلاف أكثرهم من المدنيين ، أما الجرحي فيقدرون ب 30 ألفا . وأحدثت الغارات خرابا واسعا شمل المستشفيات والعيادات والمدارس والمصانع والمنازل وقاعات الزفاف والأسواق ، وآخرها سوق الخميس في حجة في 15 من الشهر الحالي حيث قتل 120 مواطنا بينهم 24 طفلا . وطالب البرلمان الأوروبي الشهر الماضي بوقف بيع الأسلحة إلى السعودية ، وانضم إليه الأسبوع الفائت البرلمان الهولندي ، وهددت جمعيات حقوق إنسان عالمية برفع قضايا جرائم حرب ضد مسئولين سعوديين ، وتظاهر آلاف البريطانيين طالبين من حكومتهم التوقف عن بيع الأسلحة إلى السعودية . وقد لا ينجو المسئولون السعوديون من هذه القضايا ولو بعد حين . سكتوا عن صدام حسين سنوات في قضية ضرب حلبجة الكردية بغاز الخردل ، وفي الوقت الملائم لهم حركوا القضية حين أرادوا التخلص منه وتدمير العراق ، ونحسبهم سيفعلون نفس الشيء مع المسئولين السعوديين الذين قد تكون مجزرة حجة حلبجتهم القادمة مهما انقضى عليها من سنين . الغرب وحش الابتزاز والتخلي عن الأتباع حين لا يعودون مفيدين . ويبدو كل أطراف الحرب اليمنية ميالين إلى إنهائها ، وإذا كان المعتدي مال إلى ذلك فالمعتدى عليه لا يقل ميلا عنه . وقد تنازل الحوثيون عن شرط التفاوض مع السعودية وليس مع عبد ربه ، ويشترطون الآن للتفاوض معه وقف الحرب وقفا تاما ، ورفع الحصار البحري والجوي الذي تفرضه السعودية وتحالفها على اليمن . وطبيعي أن تواجه المفاوضات عثرات وتوقفات ومواقف لكسب تنازلات أكثر أو لحفظ ماء الوجه ، وإن لوحظ أن الطرفين اليمنيين قليلا التشدد ضد بعضهما بعضا خلاف ما نراه في مفاوضات أخرى ، وحتى ضد السعودية لا يظهر الحوثيون وصالح تشددا بارزا ، وكان مؤثرا جدا أن يصف صالح منذ أسابيع السعوديين بالإخوة بعد كل هذه الدماء والتخريب الذي نتج عن عدوانها على بلاده ، إنه الخلق اليمني الكريم الذي تجليه الشدائد ولا تقصيه . والمؤكد أن توقف القذائف والرصاص لن يكون حلقة الحرب الأخيرة ، كل حرب لها آثارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية القاسية حتى على المنتصرين . وتحاول السعودية أن تغسل يديها مبكرا من هذه الآثار ، بل أرادت غسلهما بعد شهر من الحرب حين أعلنت بدء ما سمته إعادة الأمل موحية خطأ وتضليلا بأن الحرب انتهت ، وبعد عام منها ، تحدث أحمد عسيري عن اهتمام بلاده بألا ينتهي اليمن إلى ما انتهت إليه ليبيا من فوضى واقتتال داخلي ! هو التذاكي والتملص . عدوان بحجم ما تعرض له اليمن لا يمكن أن يسلم مقترفوه بهذه السهولة ، وعلى الشعب اليمني أن يعاقب المعتدين وعلى رأسهم السعودية التي تولت كِبْر العدوان على وطنهم ، فيطالب بتعويضات جماعية وطنية وتعويضات فردية شخصية ، وسيجد في العالم من يقف في جنبه ، والمهم الآن توقف العدوان الذي نعتقد أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وبعد ها لكل حادث حديثه الخاص به .
العدوان على اليمن يلفظ أنفاسه الأخيرة
2016-03-24
بقلم : حماد صبح