2025-06-08 12:34 ص

تفجيرات بروكسل والإرهاب العابر للحدود ومحاربته

2016-03-26
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
ثلاثة تفجيرات في مطار بروكسل ومحطات الميترو هزت العاصمة البلجيكية بروكسل في نفس اليوم ولقد ذهب ضحية هذه التفجيرات ما يقرب من 30 قتيلا الى جانب أكثر من مئتي جريح. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار التفجيرات التي طالت العاصمة باريس في نوفمبر العام الماضي من الممكن استخلاص ان الساحة الأوروبية أصبحت مرشحة للمزيد من الاعمال الإرهابية التي أعلن تنظيم داعش الإرهابي التكفيري الوهابي مسؤوليته عن هذه الحوادث. هذه الاحداث الاجرامية المدانة بكل المقاييس لكونها موجهة ضد المواطنين الأبرياء وهدفها لا يتعدى اثارة وبث الرعب والخوف في قلوب ونفوس المواطنين العاديين الامنين. وهي تأتي من مخلوقات تربت على الحقد والكراهية وتكفير الغير بغض النظر عن هذا الغير وتشربت الفكر الاجرامي الوهابي الذي يحلل سفك الدماء وقتل الغير دون هوادة أو رحمة لمجرد انه لا يحمل هذا الفكر الاجرامي. مخلوقات غادرت الجنس البشري منذ ان تشربت وتبنت هذا الفكر الضالع في تخلفه والذي يسعى الى أخذ المجتمعات الى الحقبة الظلامية والتي ما زالت بعض من دول المنطقة تعتنقه وتستخدمه كسوط مسلط على عامة الناس لتأبيد العبودية والهيمنة والسيطرة على مقدرات البلاد والعباد. ان هذه الاحداث التي انتشرت انتشار السرطان وأخذت تضرب في كل مكان لان هذه المجموعات الإرهابية لا تعترف بالجغرافيا أو الحدود، ان دلت على شيء فإنما تدل على ترابطها وتشابكها ووحدتها وتناغمها بشكل عضوي وفعال. فلا فارق بين الإرهاب الذي ضرب وما زال يضرب في سوربا أو مصر أو اليمن أو العراق او تونس أو الجزائر أو فرنسا أو بلجيكا أو تركيا أو اندونيسيا أو ماليزيا.. أو أو.....والقائمة تطول. الذي يجمع بين كل هذه المسخ من المخلوقات الإرهابية هو تبنيها لهذا الفكر الوهابي التكفيري المتطرف بغض النظر عن مسميات هذه المسخ والمخلوقات المتوحشة التي هي بصورة الانسان، من أنصار بيت المقدس الى بوكوحرام الى تنظيم القاعدة أو النصرة أو داعش وغيرها. ومن يدقق في قياداتها سيجد ان في غالبيتهم ان لم يكونوا كلهم من العناصر التي ترعرعت بين أحضان القاعدة في أفغانستان منذ مطلع الثمانينات، أو من تتلمذوا على ايدي الدعاة الوهابيين في المساجد والمدارس الدينية المنتشرة في العديد من بقع العالم الاسيوية والافريقية والأوروبية التي في غالبيتها أقيمت من قبل آل سعود والتي ما زالت مدعومة ماديا منهم الى يومنا هذا، أو من تتلمذوا على ايدي الدعاة الوهابيين في داخل المملكة العربية السعودية سواء من السكان المحليين أو أولئك الذين وفدوا الى البلاد تحت نظام المنح المقدمة والمكرمات الملكية للدراسة الدينية في مدارس ومعاهد المملكة. أما الجيل الجديد من الإرهابيين فقد تمرس على القتال والاعمال الاجرامية واكتسب كل المهارات وتقنيات القتل والتدمير في الساحة السورية على وجه التحديد وعلى مدى خمسة سنوات بعدما جمع عشرات الالاف من "المجاهدين" من أكثر من ثمانين دولة في هذا الكون الفسيح، الى جانب الساحة العراقية بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وتدمير الدولة العراقية ومنها ولد تنظيم داعش والنصرة. وتخرج العديد أيضا من مراكز التدريب وتأهيل "المجاهدين" التي اقيمت في ليبيا وتركيا واليمن وتونس وغيرها من الدول، وبعضها كان تحت اشراف الأجهزة الأمنية والمخابراتية لدول غربية وعربية وآسيوية. كل هذه لم تعد اسرار وتجدها في مقالات ونشريات هنا وهناك ومن مراكز أبحاث عالمية غربية. كل هذا مجتمعا لم يكن ليتواجد لولا الدعم المادي السخي بالأموال والتسليح وتسهيل الحركة والتنقل بين البلدان وتواجد شبكات منظمة تعمل في تلك الدول ولها علاقات قوية لوجيستية ببعضها البعض. هذا لم يكن ممكنا أيضا دون الضخ الإعلامي المكثف والمبرمج لتشجيع الظاهرة "الجهادية" والفتاوي التي كانت وما زالت تصدر من هنا وهناك لتحث على "الجهاد" في سوريا وعن ملاقاة حوريات الجنة الذين ينتظرون على أحر من الجمر لملاقاة "الجهاديين" بعد "استشهادهم". كل هذا لم يكن من الممكن لولا الدعم السياسي اللامتناهي الذي قدم من دول إقليمية وغربية أوروبية وغيرها لهذه المسخ والمخلوقات الشبيهة بالإنسان في الشكل. ومن منا لا يذكر وزير الخارجية الفرنسي السابق السيد فابيوس الذي وقف ضد تجريم جبهة النصرة القاعدية ووضعها على قائمة الإرهاب لأنها تقوم بعمل "جيد" في سوريا الذي يصب في مصلحة الدول الغربية وهو تدمير سوريا واسقاط النظام فيها واستبداله بنظام خانع عميل يحافظ على المصالح الغربية وأمن الكيان الصهيوني. ومن منا لم يذكر زيارة جون ماكين عضو الكونغرس الأمريكي الى الأراضي السورية والاجتماع بالإرهابين ومن ضمنهم البغدادي الذي اصبح "الخليفة" لتنظيم داعش وماكين هو نفسه الذي وقف جنبا الى جنب مع المجموعات النازية والفاشية في الميدان في كييف لكي يحث هذه الحثالة لإسقاط النظام في أوكرانيا. كل هذا لم يكن ممكنا لولا ان وضعت بعض الدول الغربية مصالحها الاقتصادية من صفقات أسلحة وعقود تجارية مع الدول الراعية والمصدرة للإرهاب فوق أمن مواطنيها وأمنها القومي أيضا. هذه الدول تذرف الان كما في السابق دموع التماسيح على ما أصاب مواطنيها من العمليات الاجرامية. بعض الدول الأوروبية كانت ضالعة في رعاية وتشجيع الإرهاب اما بطريق مباشر مثل فرنسا واما بطريق غير مباشر وذلك بغض الطرف عن سفر العديد من مواطنيها الى تركيا للانضمام لاحقا الى القتال في سوريا الى جانب التنظيمات الإرهابية أمثال النصرة وداعش. ونحن هنا نتحدث عن الالاف الذين ذهبوا من الدول الاوروبية للقتال في سوريا والعدد يتراوح بين 4000 الى 6000 "مقاتل" هذا ان لم يكن أكثر. والبعض منهم كان يتنقل بين سوريا والدولة الأوروبية التي يعيش بها دون أن يلقى اية صعوبات جدية تمنعه من التحرك. بالإضافة الى ذلك فان العديد من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية على علم تام بهؤلاء وغيرهم ممن أصبحوا يشكلون الان خطرا على امن المواطن العادي في الشارع الأوروبي. والعديد يتساءلون لماذا لم يقبض على العديد منهم وكيف تركوا بالرغم من معرفة تأريخهم وعلاقاتهم بالمجموعات الإرهابية؟ البعض يقول ان ذلك يعود الى ان هذا في الدولة "الديمقراطية" يعتبر تعديا على حقوق الانسان هذه الكذبة الساذجة التي تروج لها وسائل الاعلام الغربية والتي تريد لإنسان الشارع تصديقها حتى لا يرى المسؤولية السياسية والاخلاقية لدولته او حكومته عما يصيب المواطنين في بلده وتعريض امنه للخطر بدعمها المباشر أو الغير مباشر للمجموعات الارهابية. ولإبعاد المواطن الأوروبي أكثر حتى لا يكتشف المسؤولية السياسية والاخلاقية لدولته وحكومته تلجأ وسائل الاعلام والسياسيين في تلك الدول الى شحن رجل الشارع الأوروبي كما هو الحال في أمريكا عن طريق مفهوم "صراع الحضارات" وان "هؤلاء" يريدون ان يدمروا قيمنا وحضارتنا وطريقة عيشنا وهم يكرهوننا وهكذا دواليك. ومن المقصود "بهؤلاء" هم الأجانب وخاصة ذوي البشرة الملونة .هذا الأسلوب الرخيص الذي تتبعه وسائل الاعلام من شأنه ان يشجع التطرف داخل هذه المجتمعات الغربية وتقدم الذخيرة والخميرة لصعود الأحزاب والمجموعات القومية المتطرفة ولا عجب ان تتنامى أحزاب تحمل الأفكار الفاشية والنازية في الكثير من الدول الأوروبية في فرنسا وألمانيا وبريطانيا واليونان وغيرها. ولم يكن مستغربا ان تكسب هذه المجموعات المتطرفة مقاعد عدة من مقاعد البرلمان الأوروبي. العديد من الدول الأوروبية ستجد في مثل هذه الاحداث المأساوية والمدانة فرصة لتهيئة الظروف والمناخات السياسية الملائمة للتعدي على الحريات الشخصية والعامة للمواطنين وتشريع القوانين والاجراءات التي تحد من حرية التعبير وخنق الحريات تحت ذريعة حفظ أمن البلد وسلامة المواطنين. وهي بهذا تقوم بنسخ التجربة الامريكية بقانون المواطنة الذي وضع زمن الرئيس بوش الابن والذي اعطى صلاحيات واسعة لأجهزة الامن والاستخبارات الامريكية للتجسس على المواطن الأمريكي وقيد من حرية التعبير بوضع قيود على الصحافة والنشر ..الخ تحت حجة الحفاظ على الامن القومي وأمن المواطن. والخشية الكبرى ان تنحى دول الاتحاد الأوروبي هذا المنحى الأمريكي. فقد ثبت عن طريق التجربة ان الحرب التي شنها الرئيس بوش "على الإرهاب" واسس لنظام "الضربات الاستباقية" وادخل القوانين والتشريعات التي تحد من حرية المواطن وتتيح التجسس عليه تجسسا يطال كل مناحي حياته، والكثير منها ابقت عليها إدارة الرئيس أوباما، كل هذه التدابير "الأمنية" لم تجعل من أمريكا أو العالم مكانا أكثر امنا بشهادة العديدين وبحكم الواقع الي نراه اليوم في العالم. المطلوب من دول الاتحاد الأوروبي ان تكف عن اطماعها الجيوسياسية في المنطقة وان تحترم إرادة شعوب المنطقة ولا تحاول بالتعاون مع الولايات المتحدة وقوى إقليمية بقلب أنظمة الحكم هنا وهناك. المطلوب من دول الاتحاد الأوروبي تجفيف مصادر الارهاب المالية والوقوف بحزم خاصة ضد السعودية وقطر وتركيا التي ما زالت تدعم الارهاب بشتى الوسائل والتي ما زالت تغرد خارج السرب بالنسبة للدولة السورية وتعمل على تعطيل اية حلول سلمية مبنية على أساس الحوار السوري-السوري. المطلوب ان تكف دول الاتحاد الأوروبي على توريد السلاح الى الدول التي تدعم الارهاب وتغذيته ماديا وفكريا وتعمل على ابقاءه حيا. المطلوب من دول الاتحاد الأوروبي الضغط على تركيا وهي الدولة في حلف الناتو ان تقوم بإقفال حدودها نهائيا مع سوريا امام تحركات الإرهابيين وعمليات تهريب الأسلحة التي ما زالت مستمرة الى يومنا هذا. المطلوب من الدول الأوروبية ان تقوم بغلق مدارس الكراهية والتطرف التي ترعاها السعودية ومحاسبة النظام السعودي وفرض العقوبات عليه في حالة عدم التزامه بوقف الدعم للإرهابيين. وان لا تسترضي السعودية وتسكت على جرائمها من اجل حفنة من الدولارات وصفقات الأسلحة والعقود التجارية. وان لا تسترضي تركيا أردوغان وتحاول صد المهاجرين والمهجرون واللاجئين الى أراضيها عن طريق دفع المليارات الى تركيا اردوغان والخضوع الى الابتزازات التركية. انهاء مشكلة الذين يجازفون بحياتهم للوصول الى الشواطيء الأوروبية يتأتى عن طريق الدعم الحقيقي والمخلص لانهاء الازمة السورية ودعم الحل السياسي ليس بالألفاظ فقط والكف عن دعم المجموعات الإرهابية هناك. الحل يتأتى عن وقف الدعم للنظام السعودي في حربه الهمجية والبربرية على اليمن وشعبه الذي لم يؤدي فقط الى تدمير البلد بأكمله بل أدى الى توسيع الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة وداعش في اليمن بما فيها العاصمة الجنوبية عدن. المنفذين للأعمال الإرهابية التي وقعت في باريس العام الماضي كانت لهم صلات بتنظيم القاعدة في اليمن وتدربوا في معسكراتها. خلاصة العبارة ان على دول الاتحاد الأوروبي ان تعمل أكثر بكثير من مجرد تشديد الإجراءات الأمنية على المطارات وشبكات القطارات ومراقبة الحدود وارسال مزيد من الطائرات والجنود للمشاركة في "الحرب على الارهاب" الذي تقوده أمريكا. هذه الإجراءات على الرغم من أهمية بعضها الا انها لم ولن تمنع الارهاب طالما بقي الارهاب يصنع ويصدر ويتاح له مقومات المعيشة والتنقل والحركة. والسؤال الذي يبقى مطروحا هل تملك دول الاتحاد الأوروبي الشجاعة الكافية والجرأة اللازمة للوقوف لمحاسبة أنفسها ومحاسبة الدول الحليفة او الصديقة لها التي ما زالت تدعم الارهاب وتبقي على شريان بقائه؟ وهل تتنبه الشعوب الاوربية لضلوع بعض حكوماتهم في دعم الارهاب سابقا وتبدأ بالنهوض لمحاسبة المسؤولين عن ذلك؟ وهل ستكف دول الاتحاد الأوروبي في دعم دول المنطقة والمجموعات الإرهابية التي تقاتل من يقاتلون الإرهابيين كل يوم على أراضيهم؟ أسئلة كثيرة تدور في الذهن وسنرى ما يحمل المستقبل القريب لها.
bahij.sakakini@gmail.com