هياكل المنظومة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وعبر بلدربيرغها القلق من غموض الصعود الروسي ومسارات تنسيقه مع حلفائه في المنطقة، عبر التساوق الواضح مع النسق السياسي السوري برئاسة الرئيس الأسد، صارت تنظر هذه الهياكل الى تركيا ودورها كهدف تكتيكي آني في سيناريوهات لعبتها الأستراتيجية في الشرق الأوسط بما فيه أسيا الوسطى.
بعبارة أخرى من الزاوية الغربية دور تركيا في منحنيات اللعبة السورية دوراً تكتيكيّاً وليس استراتيجياً، في حين نرى ونستشّف أنّ المنظومة السياسية والمخابراتية التركية خطّطت بشكل استراتيجي ازاء المسألة السورية منذ بداية حدثها قبل خمس سنوات، وكانت تعتقد وتظن أنّ الغرب وأمريكا يتعاملون معها حول جلّ الملف السوري على أساس استراتيجي بالمعنى المهني والتقني، في حين كان تعامل الغربي بما فيه الأمريكي في غاية البساطة تكتيكي آني بامتياز، وصولاً لسلّة نتائج خاصّة به وبمصالحه ومصالحه فقط، تتموضع بجانب محاولة اسقاط النظام السوري أو على الأقل اضعافه واستنزافه للأحتفاظ بخصم اقليمي ضعيف، كان هناك هدف آخر له هو فكفكة تركيا لا بل وتقسيمها لشطب الدور التركي في المنطقة وخلعه من المنطقة ككل خلعاً، وزاد الطين بلّه فخ اسقاط الطائرة العسكرية الروسية العام الماضي، حيث كان فخّاً أمريكيّاً بامتياز.
لنحفّز العقل على التفكير عبر اطلاق العنان له بانضباط: بفعل الحدث السوري وعقابيله، هل صارت الجغرافيا التركية موضع تساؤل استراتيجياّ؟ كما هل بات أردوغان موضع تساؤل أيضاً لدى حلفائه في الناتو؟ هل تطرد تركيا من الناتو(الخلافات الأمريكية مع تركيا شق في السياسة الخارجية التركية، وشق في السياسة الداخلية التركية)؟ وهل بدأ مشروع تفكيك تركيا عبر البلدربيرغ الأمريكي؟ ما هي المخاطر الجديدة التي صار الناتو يتعرض لها؟ فثمة خطر من الشرق يتعرض له الناتو يتمثل في الوجود الروسي العسكري المتفاقم والدائم في سورية( الرئيس الروسي عندما أرسل قوّاته الى سورية بطلب سوري لم يكشف عن حجمها ونوعها، وهو وظّف ذلك لاحقاً في الأعلان عن سحب الفائض للتوظيف السياسي، تم سحب فائض القوّة والذي أرسل أصلاً بسبب احتمالية تدحرج الحرب مع تركيا، فتم سحبه وفرض على حلفائه هدنة عبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2268 وفي عزّ تقدمهم في ريف حلب الشمالي، وهذا جعلهم يفقدون زمام المبادرة أي حلفائه، لكنه منع تدخل تركي عسكري كان محتملاّ في لحظة جنون، ونال مباركة المجتمع الغربي والأمريكي لدوره في الميدان السوري، العقل المخابراتي وتشابكه السياسي مكّن فلادمير بوتين بأن يلعب بحالة من الذكاء النادر، عبر اختيار وقت التدخل العسكري الروسي في سورية بطلب من دمشق، وسحب فائض قوته في توقيتين دقيقين واستثمر ذلك في السياسة وما زال)، وثمة خطر من الجنوب التركي يتمثل في صوفيي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وصوفيي الناتو نفسه صوفيو أردوغان ذاته(الدواعش والفواحش والدوامس)، وتركيا تجتمع فيها هذه المخاطر وصارت أكثر دولة في الناتو انكشافاً للمخاطر، أليست هذه مخاطر عميقة؟.
ويتساءل البعض من المراقبين ورجال الأمن والسياسة والباحثين السؤال التالي: هل ثمة امكانية لأنقلاب عسكري في تركيا حالياً تحت عنوان استعادة الديمقراطية التركية؟ أم هذا ليس ممكناً كما حدث في مصر على مرسي، ان اعتبرنا ما جرى انقلاباً؟ وهل الظروف السياسية والأجتماعية والنفسية لحركة الشارع التي كانت متوافرة بعمق في مصر، تتساوق تماثلاً في تركيا الآن؟ لا أجزم بذلك ولا أنفيه في نفس الوقت، اللعبة على المنطقة والشرق الأوسط والشرق الأقصى وعبر عقابيل التآمر على سورية قلب الشرق، أكبر من المنطقة والجميع بما فيه تركيا والسعودية نفسها، وما قاله الجيش التركي نفيّاً لذلك(امكانية الأنقلاب على أردوغان وتحت عنوان استعادة الديمقراطية التركية)يجيء في سياقات الأشارات التلميحيّة وليس في سياق المعلومات، كما عمل وسعى البعض العربي المتحالف مع أنقرة في المسألة السورية في اخراج بيان الجيش التركي على أنّه معلومات حقيقية ودقيقة(عبر وسائل ومجتمعات الميديا الأممية).
هاجس الأمن القومي التركي والذي يشكل جلّ عقيدة الجيش التركي وباقي المنظومة العسكرية والأمنية، هو الراديكالية الدينية المغرقة بالتطرف، تشكل أساس جوهري ومهم، ومن هنا نلحظ بقوّة وعمق ثمة واقع راديكالي سلفي وهابي يترسخ في المحيط الجغرافي التركي، بسبب تورط أنقرة بالمسألة السورية، بحيث تحوّلت بطون جغرافية الحدود التركية مع سورية ميادين فسيفسائية تغلي بمرجل الجماعات السلفية الوهابية، وهذا ما سعى له الغرب والأمريكي والأسرائيلي وما زال عبر عرب روتانا أيضاً.
بات واضحاً للجميع في المنطقة أنّ انضمام فخامة الرئيس التركي الى اللعبة الغربية الأمريكية، جعل العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي تعمل على تضعيفه شيئاً فشيئاً ونفوذه داخل مؤسسات حكمه لغايات السيطرة، ثم الأستخدام والتوظيف والتوليف وادارة اللعبة التركية الداخلية والخارجية في محيطه الأقليمي ومجاله الحيوي، بصورة غير رسمية وغير مباشرة وعلى الطريقة المخابراتية البريطانية: ازرع المشروع ووفر له كل دعم لوجستي وأتركه ينفذه ولا تلتقيه الاّ على الهوامش ببعد زمني متوسط.
وبايضاحات أكثر وضوحاً وعمقاً، الغربي والأمريكي استثمر في ظروف الحزب الحاكم في تركيا، كما استثمر في مسارات الهجوم على أردوغان في الداخل التركي والخارج التركي، كل ذلك قاد الى خلق وتخليق بيئة مناسبة وذات جودة عالية لتنفيذ البرامج الغربية ورؤية البلدربيرغ الأمريكي، وساعد على ذلك الموقف الروسي من أردوغان بعد تنفيذه بصورة وبأخرى لفخ حادثة اسقاط السوخوي الروسية العام الماضي 2015 م. حيث قاد ويقود الآنف ذكره الرئيس أردوغان وتحت وطأة الأضطرار لأعادة خطوط علاقات تركيا مع اسرائيل، والأخيرة تدرك حاجة أردوغان لها، فصارت تبتزه بشكل يستنزفه وحزبه شعبويّاً في الداخل التركي ومحيطه الأقليمي(حتّى الآن لا ترجمات حقيقية على الأرض في عودة العلاقات).
ولأنّ الغرب الأوروبي ومن خلفه الأمريكي والأسرائيلي، استراتيجيّاً يهدفون الى اسقاط محور المقاومة في المنطقة، أو على الأقل اضعافه عبر اشغاله بنفسه وبآخر، حمايةً لمصالحه ومصالح ثكنة المرتزقة "اسرائيل" الصهيونية، وكون تركيا تعد مقر الجنوب الشرقي لحلف شمال الأطلسي في مواجهة روسيّا، قاد هذا الى عدم اكتمال حلف طهران تركيا المؤثر في الملفات الأقليمية وعلى مستوى العالم الأسلامي.
وبالمجمل: الرئيس أردوغان وحكومته وحزبه وجلّ منظومة حكمه، بارادتهم أو بدون ارادتهم ينفذون تطلعات الغرب في المنطقة، والوقوع التركي في الملعب الغربي والأمريكي يمهد لفكفكة تركيا لا بل وتقسيمها عبر المسألة الكردية، والأخيرة هاجس مشترك مع كل من دمشق وطهران وبغداد، فهل بدأت نصف الأستدارة التركية نحو دمشق؟ وكيف يمكن قراءة تصرح الرئيس السوري الأخير في جوابه لسؤال: ستكون العلاقات مع تركيا طيبة ان لم تتدخل في سورية؟ وأحسب أنّه على تركيا أن تبني على قول الأسد فعلا لا قولاً، وتغلق حدودها في وجه صوفيو وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وصوفيوها وباتجاهين، وتفتح خط ساخن مع دمشق ان لم تكن قد فتحته بصورة جس النبض والحس، لحظة لقاء وزير الخارجيه التركي الأسبق(الأستاذ الدكتور شكرو سينا غوريل)الأسد قبل عشرة أيام من الآن، فتركيا على رادار البلدربيرغ الأمريكي ليصار الى تفكيكها(راجع تحليلنا التالي على غوغل: تركيا والبلدربيرغ العربي وجند الله وحزب الله اللبناني)فهل ثمة استدارة نصفيه على الأقل لتركيا ازاء دمشق الان؟ قلنا في زيارة أحمد داوود أوغلو لطهران الأخيرة أنّ المسألة الكردية شكّلت القاسم المشترك الرئيس بجانب قواسم أخرى، لكل من تركيا وايران وسورية وبغداد.
وبسبب الدخول غير المبرر وغير المقنع لتركيا في مضائق الأزمة السورية الضيقة، نلحظ ارتفاعات لمنسوب المخاطر الجيوسياسية لآنقرة وتوظيفات الغربي والأمريكي والأسرائيلي الصهيوني لذلك، حيث تجد المنظمات الكردية السورية تجهد لتحقيق فدرالية سياسية(اقليم ايفا روجا)في الساحات والمسافات المشغولة والمسكونة بغالبية(الى حد ما)ديمغرافية كردية لجغرافيا المكون الكردي السوري في الشمال، وهي في الأساس فدرالية مسلّحة(راجع تحليلنا بعنوان: فدرالية كردية نواة لدولة كردية قادمة تمزّق أحشاء تركيا).
وهل تأتي هذه الأستدارة النصفية التركية على وقع ايقاعات معزوفات هنا وهناك لجلّ سلّة التفاهمات الروسيّة الأمريكية(غموض كبير وعميق يكتنفها)ما ترجم على الأرض حتّى اللحظة من تلك التفاهمات هي: الهدنة؟ وهل تأتي هذه الأستدارة النصفيه لآنقرة على ايقاعات أخرى لدبكة الفلامينكو للتسوية الأيرانية الأمريكية، مع تصاعدات في نتائج لغة الميدان السوري، لصالح دمشق وحلفائها، وفي ظل ضياق في خيارات أردوغان بفعل ومفاعيل تفاهمات على خطوط موسكو واشنطن؟ ما هي عناوين هذه الأستدارة التركية النصفية، والتي ان حدثت ستكون متدرجة بثبات، خاصةً مع ممارسة الأمريكي لنهج ادارة الصراع في المنطقة لا حلّه، لحين قدوم ادارة أمريكية جديدة، ان كانت جمهورية وان كانت ديمقراطية، فكلاهما ناطق رسمي باسم البلدربيرغ الأمريكي وذراعه المجمّع الصناعي الحربي وحكومة الأغنياء؟ تصريحات لافروف الأخيرة أنّ واشنطن غير قادرة على فرض شروط التسوية السياسية على حلفائها، تجيء في مسارات ادارة الصراع في سورية لا حلّه ليس الا،ّ وفي سياقات التساؤل الأنف؟!.
ويبدو منطقيّاً أنّه ثمة هندسة نصف استدارة تركية ازاء دمشق، وتصريح الرئيس الأسد الأخير(... ستكون العلاقات طيبة مع تركيا ان لم تتدخل في سورية)، أعطى مؤشر مفعول ومتفاعل لأطلاق شرارتها، وبعد نتائج غير معلنة لزيارة رئيس الوزراء التركي لطهران مؤخراً حتّى اللحظة، حيث المنطقة قد يعاد تشكيلها وهندستها على وقع تفاهمات روسية أمريكية بجانب تسوية سياسية أمريكية ايرانية(ليس كل شيء ناضج بعد)والجميع يرقب الميدان ونتائجه، أن في الداخل السوري، وان في الداخل العراقي، والربط في الأنجاز في محاربة الأرهاب بين الجغرافيتين العراقية والسورية في ظل عودة شبه كاملة للأمريكي الى العراق، تحت يافطة القضاء على دواعشه كون العراق صار أولوية أمن قومي أمريكي أعمق من سورية، ويراد له أن يكون منصة انطلاق جديدة ازاء ايران عبر استراتيجيات التطبيع الناعم واللعب من جديد معها وفيها، حيث حزب بيجاك الكردي شمال غرب ايران(مشكل كردي ايراني آخر)، وعبر الأهواز حيث الأيرانيون السنّة ومنظمة جند الله الأيرانية المتطرفة السنيّة، وشمال ايران باتجاه أذربيجان حيث التوجهات الأنفصاليه للأيرانيين من أصول أذرية.
مهندس فلسفة سياسة صفر مشاكل ما قبل ما سميّ بالربيع العربي، الى مهندس فلسفة سياسة صفر علاقات عبر تنفيذ مسارات ذلك الربيع، الى مهندس سياسة فلسفة جديدة بين بين، بعد خروج نبات ذاك الربيع نكداً(فلسفة سياسة تقليل خسائر، زيارة طهران والمشكل الكردي كمشكل مشترك بين دمشق وبغداد وأنقرة وايران)هل يهندس فلسفة اختيار البيت الأبيض بدلاً من اختيار داعش، وبالتالي الأنتظام في التسوية السياسية للمسألة السورية؟.
وماذا بعد هزّ العصا الكرديّة من قبل الروسي والسوري والأمريكي للكردي، وتلاشي حلم المنطقة الآمنة؟ وهل صارت وحدة التراب السوري مصلحة تركية ملّحة(وهذا ما قاله احمد داوود أوغلو في طهران تحديداً)؟ نلحظ اعتقال أنقرة يوم الخميس الماضي 31- 3 -2016 م لقاتل الطيّار الروسي اثناء هبوطه بالمظلّة(هل دفعت ايران تركيا لفعل ذلك كبادرة حسن نيّه مع اعتذار تركي لموسكو قادم وكما طلب بوتين منذ البدء – نتائج زيارة أوغلو لطهران ننتظر)؟.
يرى مراقبون ومتابعون لشؤون تركيا أنّه، بفعل سياسات حكومة الحزب الحاكم برئاسة احمد داوود أوغلو مدعومة من الرئيس التركي، وبالرغم من وجود تباينات في بعض الملفات لجهة السياسة الداخلية والسياسة الخارجية لأنقرة(بين أردوغان وأوغلو ووقوف عبدالله غول الرئيس السابق بجانب أوغلو في بعضها)وفي ظل هذه المعطيات والظروف الجديدة، يرى هؤلاء أنّ تركيا تعيش في ظل هندسة متتالية من التراكمات الأمنية، فوقوع ثلاث عمليات ارهابية في العاصمة التركية بجانب اسطنبول خلال خمسة أشهر وأزيد، يؤكد على وجود تهديدات أمنية متعددة الأطراف، ويؤكد على وجود سلّة أمنية متكاملة ازاء تركيا، وتشير الى وجود شريحة كبيرة ومتعددة الأتجاهات السياسية وبعضها اتجاهات متساوقة تماثلاً مع منظومات الحزب الحاكم نفسه، بمجملها ليست راضية عن سياساته وقد عبّرت عن رفضها وغضبها عبر هذه التفجيرات.
وصحيح أنّ مجتمع المخابرات التركي يضع دائماً وأبداً منظمة حزب العمّال الكردستاني الأرهابية من الزاوية التركية، المتهم الأول بجانب أجهزة خارجية تهندس وتدعم هذه التفجيرات، لخلق بيئة مناسبة وخلاّقة، لدفع المؤسسة العسكرية والأمنية التركية، للتخلص من أردوغان والدائرة الضيقة المحيطة به، ويتابع هؤلاء بقولهم: لا لحمة وطنية داخلية في الداخل التركي متوفرة الآن لمواجهة الأرهاب المرتد والمصنّع في الداخل التركي، بسبب التورط والدعم العميق في المسألة السورية، وسياسات الرئيس أردوغان ومهندسها في بداية الحدث السوري في أول ثلاث سنوات(رئيس الوزراء أوغلو)قادت الى فوضى تنتج أخرى وأعمق من سابقتها، مستخدماً الرئيس منهج التأزيم كأسلوب ادارة، بحيث صار مستقبل تركيا العلمانية مستقبلاً متأزماً لا يرضي المؤسسة العسكرية التركية، ونلحظ أنّ المجموعات الأرهابية وعلى مدارات المسألة السورية كانت تجد في تركيا قاعدة الأنطلاق الأولى نحو سورية، والآن يتم استخدام نفس المجموعات من تركيا نحو أوروبا، وهنا يتحدث البعض أنّ المؤسسة العسكرية والأمنية التركية تريد اغراق أردوغان في مشاكل وأزمات مع أوروبا، من أجل المساعدة في التخلص من حكمه.
كما يضيف هذا البعض أنّه من المعروف أنّ الرئيس أردوغان وعبر مدير مخابراته الوفي هاكان فيدان، على علاقات مع مختلف المجموعات المسلّحة، حيث تركيا قاعدة التحرك في كافة العمليات العسكرية الأرهابية في سورية، وهي تتحرك الآن وفقاً لمنحنيات حركة أردوغان نفسه ومصالحه، ويتساءل هذا البعض والذي قد يكون غارقاً بالأحلام والأوهام: هل من الممكن أن تنجح المؤسسة العسكرية والأمنية في اسقاط أردوغان وحاشيته؟ وكان على الرئيس أردوغان أن لا يتعمّق في تمسكه المطلق بصورة ديكتاتورية الديمقراطية التركية وترسيخها لتكون منطلقاً لسياساته، حيث واقع البنية التحتية الأجتماعية التركية يحتّم على الرئيس ومجموعته وهم نتاج صندوق الأقتراع العام والمباشر بلا شك، أن ينهجوا نهج الديمقراطية التشاركية لا ديكتاتورية الديمقراطية، كما يحتّم عليه وعلى منظومة حكمه أن يتخذ موقفاً محايداً من كافة النزاعات الداخلية والتي تقود الى التفرقة الداخلية، على الأقل لتوفير لحمة داخلية تركية صلبة في مواجهة الأرهاب الداخلي المرتد والمصنّع في دواخل الجغرافيا التركية، بسبب سياساته وأخذه للديمقراطية التركية من مسار المشاركة والتوافق وتوزيع الحصص بين كافة المكونات التركية، الى مسار ديكتاتورية الديمقراطية بجانب الهيمنة على أي قرار وعبر الديمقراطية نفسها، فليس دائماً الأغلبية على حق.
سأل أحدهم الجنرال الديكتاتور فرانكو في أسبانيا، ما هي الديكتاتورية سيادة الجنرال فأجاب: أن تجعل المثقفين والمفكرين يصمتون... أنظر الى حال المثقفين والمفكرين في الداخل التركي، وحتّى في بعض الدواخل العربية وساحاتها، مع اعترافنا أنّ الحرية تقود الى دمار، ما لم تصاحبها المعرفة والشعور بالمسؤولية.
تآمروا على الدولة الوطنية السورية، تحت عنوان الصراع من أجل الحريّة والديمقراطية وحقوق الأنسان، ومبادرات التمكين الديمقراطي وشعارات الشفافية وما الى ذلك من سلال الكذب والخداع، كلّها ترسيمات وشعارات مزيفة ترمي وتهدف الى التغطية على الأهداف الحقيقية لما يجري في المنطقة، ومختلفة تماماً عن ما سبق من عناوين برّاقة. هذا الغرب الكاذب المخادع، ومعه ذيوله من البعض العربي ذو التيه الفكري والذي يعاني من خلل بيولوجي، تتموضع وتتبوصل مقارباته التكتيكية والأستراتيجية على حد سواء للحدث السوري المأساوي، ضمن متتاليات هندسية وصف الحدث، باعتبار ووسم نفس المجموعات البشرية الأرهابية بأوروبا وأمريكا، باعتبارهم مناضلين من أجل الحريّة في سورية، انّها مفارقة عجيبة ستعود بالوبال السيء على الأستقرار في أوروبا وأمريكا، ولنا في أحداث أيلول الأسود الأمريكي خير دليل، حيث ذكراها المأساوية ما زالت تمثل حتّى اللحظة، وثمة أيلول أوروبي قادم مماثل للأمريكي.
الغرب وذيوله من العربان ذو الفكر البنطلوني(حلف ابليس الرجيم)أعلنوا وبكل وقاحة ونذالة، أنّ هدفهم في منطقة الشرق الأوسط وسورية(أمّنا)تحديداً، هو حماية القيم الديمقراطية والحرية وحقوق الأنسان، وتناست العجوز أوروبا وبعلها الأمريكي، البدء بنشر تلك القيم بالحلفاء من البعض العربي ذو الفكر البنطلوني الضيق في مملكات القلق على الخليج، الذين يسعون الى نتائجه امّا عبر جهاد في السرير، أو الوصول اليه بدون منغصات وعراقيل من التزام ديني وأخلاقي وعقوبات قانونية، وتحت عناوين اباحية الفكر والتي ستقود في النهاية الى الأباحية في الجسد لا بل فوضى اباحية الجسد، بنتائجها الصحيّة المأساوية عبر مرض السيدا(منتج حرب بيولوجية غربية)وأشقائه من الأمراض الجنسية الأخرى، وأثرها الأقتصادي الخطير في معدلات الأنتاج والنمو عبر اقصاء للمورد البشري المصاب.
بعض بعض العرب، وبعض بعض المسلمين، يتذكر نفسه أنّه عرب ومسلم بوجه ايران فقط، أمّا بوجه الأسرائيلي فينسون أنّهم عرب ومسلمين، ويتذكرون أنّهم أعراب ومتأسلمين، والأعراب أشد كفراً ونفاقاً بما فيهم المتأسلمين، وهم صعاليك شبه الجزيرة في عمق التاريخ ومنذ الجاهلية الأولى، وصعاليك القرن الحادي والعشرين في عمق جغرافية المنطقة(نفخ ابليس اللعين في بوق الشر فتداعت أبالسة العالم السفلي الى وكر المكر في تل أبيب التي تخسر غربيّاً وتربح عربيّاً)وثمة بوليصة تأمين كبيرة للحفاظ على أمن ثكنة المرتزقة، عبر اشعال فتنة سنيّة شيعيّة بامتياز عبر الفكر الوهابي العفن، فكر السيف والزيف والفرج والشرج، حيث الدعوشة آخر مراحل الوهبنة للمجتمعات. نؤمن بعروبة حضارية ثقافية ذات قيم ومبادىء ولا نؤمن بعروبة(عرفية)كما هو حال الأعراب والمتأسلمين، وبدون سورية ومصر يتحول الآخرون الى رخويات، فعلى مصر أن تخرج من المنطقة الرمادية ازاء ما يجري في سورية، والاّ الدور قادم عليها وعبر ليبيا لجعلها سورية أخرى، ونقل ما يجري في الداخل السيناوي الى داخل العمق المصري.
تركيا هي الجارة لأهم دولتين تجري فيهما وعليهما حروب تآمرية بامتياز(سورية والعراق)، بفعل أطراف غربية ثالثة بزعامة الأمريكي وتوجيه، عبر التشريك معها(أي تركيا)تقاطعاً وتساوقاً وتعاوناً مع الأدوات من البعض العربي(عرب روتانا)، بدعم مجاميع ارهابية محلية واستجلاب أخرى اقليمية ودولية، ظنّاً واعتقاداً من أنقرة ومؤسسات حكمها أنّ هناك تشارك في الأهداف، وثمة معطيات ومنعرجات تستدعي ذلك بفعل ما سمّي بالربيع العربي.
فمن موقع الفاعل لتركيا تأثير وفعل وتفاعل واضح ومفاعيل في جلّ مجريات الحدث السوري ومنذ بدئه، والآن تدخل بعمق في العراق بعد الأخفاق في الداخل السوري بفعل الوجود الروسي العسكري المساند للجيش العربي السوري، ومن موقع المفعول به تأثّرت بعمق وبتفاعل وما زال ذلك في تفاقم من حيث ارتداد الأرهاب المدخل الى الداخل السوري الى دواخلها، فصارت مغناطيساً جاذباً للأرهاب، أو هكذا يراد لها أمريكيّاً ليصار الى تفكيكها، فارتدادات الأزمة السورية صارت رأسيه وعرضيه ليس فقط في الجغرافيا التركية وخاصة على الحدود، بل وفي المؤسسات التركية وخاصةً العسكرية والأمنية منها.
فبعد حفلة اصلاحات سياسية وقانونية متعلقة بالحقوق السياسية والثقافية للكرد في تركيا، ومشاريع تنموية في مناطق الأغلبية الكردية في جنوب شرق تركيا قام بها الحزب الحاكم لحل المشكل الكردي، يخوض حزب التنمية والعدالة التركي الحاكم الآن حرباً عنيفة معPKK))تم توريطه بها عبر سيناريو أمريكي وغربي مدروس ومشتق من التورط التركي بالحدث السوري، وعقابيله على المدى الطويل وبالمعنى الأستراتيجي. ومن شأن ذلك أن ينسف ما قام به الحزب الحاكم من جهود وعلى مدار سنوات، بجانب أنّ داعش وارتدادات الأزمة السورية والمشكل الكردي عوامل مؤثرة في استقرار تركيا، ويجيء هذا بسياقات سوء العلاقات المرحلي الآني(ولا أقول الأستراتيجي)على طول خطوط العلاقات التركية الروسية، والذي زاد من نسبة الأحتقانات الشعبية الصامته في الداخل التركي حتّى اللحظة، وكذلك احتقانات رسمية داخل مؤسسة الجيش التركي ومجتمع المخابرات والأستخبارات التركي.
الرئيس التركي أردوغان فاوض عبدالله أوجلان فمنحه شرعية، ثم يسرّع الآن في تجديد القتال ضد الكرد، وهذا من شأنه أن يجر تركيا الى حالة لا مجال لأحد أن ينتصر بها، بل يفسح المجال لتقسيم فعلي لتركيا، في ظل سعي أردوغان الطويل ومنذ حكمه الى اضعاف الجيش التركي لكي يكون هو المسيطر، وقد هلّلت ورحبت له أمريكا وأوروبا في سياساته لأضعاف الجيش التركي لكي ينحدر الرئيس التركي في مسار الأستبداد والجنون، حيث سيقود ذلك الى تجدّد الحرب الأهلية في تركيا كما في الثمانينات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، وهنا فانّ الكرد الأتراك وفي تركيا لن يرضوا بأقل مما حققه الكرد في العراق وسورية، وكرد ايران تعمل عليهم أمريكا واسرائيل الآن انطلاقاً من اقليم كردستان العراقي، حيث يشكل حزب العمّال الكردستاني مخلب قط الموساد الأسرائيلي، بجانب مخالب(ابساس أي اقطاط)الموساد الآخرى، والمنتشرة انتشار النار في الهشيم في دهوك وكل جغرافية الأقليم، لا بل في كل العراق، وحتى حدود الأخير مع الأردن، لكي يشعلوا شمال غرب ايران عبر سلّة حزب بيجاك الكردي الأيراني.
المخابرات التركية واستخبارات الجيش التركي، ترقب بعمق وقلق توحدات اليسار التركي، ومفاعيل أصابع أطراف خارجية أوروبية وأمريكية وغيرها بما فيها اليسار الأسرائيلي الضعيف من خلال الحدث التالي: المنظمات اليسارية التركية المتطرفة من زاوية أنقرة( الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني "mlkp" + الحزب الشيوعي التركي +"tkp" الحزب الشيوعي لأكراد الدنمارك "dkp" + الحزب الشيوعي الماوي "mkp" + حزب العمل الشيوعي التركي "tkpl" + الأتحاد المسلّح الماركسي اللينيني"thkp-cmlspb")توحدت مع حزب العمّال الكردستاني، ومجلس شورى الأخير عقد سلسلة اجتماعات مشتركة خلال الشهرين الماضيين في جبال قنديل مع تلك المنظمات اليسارية، من أجل فتح الحرب على تركيا في وسط المدن التركية، كل ذلك تحت عنوان اجتماعات اليسار التركي المتطرف: اتحاد الحركة الشعبية الثورية، حيث يظهر أسلوب ارهاب اليسار التركي المتطرف في الداخل التركي كأسلوب القاعدة، حيث اعتمد PKK استراتيجية تكتيكية في بداية عمله في الداخل التركي عرفت بحرب الخندق، والآن انتقل الى التفجير بدون ترك بصمات تشير اليه.
الرئيس التركي قال وبوضوح أنّه تم قتل أكثر من ثلاثة آلاف مسلح كردي حتّى الآن، حسناً سيدي وبالصميم، لكن حرب الدولة التركية مع( PKK)يا فخامة الرئيس انتقلت من الأطراف الحدودية الى الداخل التركي المحتقن أصلاً بفعل التورط بالحدث السوري، وهنا تكمن خطورة المجازفة التي تجري الآن، الحروب في السابق كانت تجري في الجبال الحدودية والمناطق المحيطة بالمدن والآن تجري في المناطق الآهلة بالسكّان على شكل حرب عصابات أو حرب شوارع، تماثل وتساوق ذلك مع تطورات نوعية في الميدان السوري حيث المشهدية العسكرية ولغة الميدان فعلت فعلها بالمشهدية السياسية مع الوجود العسكري الروسي الفاعل وخاصةً بعد اسقاط السوخوي الروسية وسيصرف ذلك على طاولة السياسة، كل هذا وذاك قاد الى ارهاصات ومخاضات غير مكتملة حتى اللحظة في انشاء كيان كردي في الشمال السوري، وهذا أدّى الى تعقيدات في الحسابات التركية الكرديّة.
التصعيد السياسي التركي يترافق مع التصعيد العسكري ضد المشكل الكردي عبرPKK))من خلال مطالبة الكرد بهيئة حكم ذاتي في مناطقهم ضمن الدولة التركية، هذا يجعل الرئيس التركي يحيلهم الى القضاء التركي بتهمة خرق الدستور الذي ينص على وحدة الآراضي التركية(المشكل الكردي هو اقليمي أكثر منه محلي، لكن بسبب المسألة السورية وجد المحلي مسار له مع الأقليمي فتشاركا في طغيان متبادل في التأثير)، ومع تزويد PKK بالسلاح الفاعل عبر الفصائل الكردية السورية المسلّحة ومصادره متعددة ومعروفة للجيش التركي والأستخبارات التركية، تزامن كل ذلك مع تراجعات لعصابة داعش في العراق وسورية بسبب التشاركية العسكرية الروسية السورية وفعلها، وبالتالي من شأن ذلك قد يقود الى تمدده في الداخل التركي، وما تفجيرات اسطنبول الأخيرة وديار بكر الاّ دليل صحة على ما نرمي اليه.
وما زالت تسعى توليفة الحكم السياسي في أنقرة، رغم التغيير الحاصل في المشهدية العسكرية في الداخل السوري والعراقي، للحصول على دور اللاعب على مستوى المنطقة والعالم، ضمن مشروعهم السياسي الخاص بهم حيث يدخل في هذا المشروع أجزاء من الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث يمضي الزعماء الاتراك في خطتهم، ويؤكد المراقبون السياسيون أن الغرب يروج ويدعم هذا المشروع ويحاول أن يوجه تركيا بشكل أكبر وأعمق في تنفيذه، حسناً كيف نفهم ذلك؟ الدول الغربية فقدت القدرة على أن تكون لاعباً على الساحة السياسية العالمية، لذا تحاول أن تستغل دول أخرى لتصل إلى تحقيق أهدافها. أحد هؤلاء اللاعبين، تركيا وفي سياق رغبة الغرب في إحياء الامبراطورية العثمانية لجعل تركيا تنفذ مشاريعهم،ويدرك الغربيون جيداً أن تركيا ستستخدم كل الطرق الممكنة لتصل إلى غاياتها وتحقق مطامعها، لذا يقومون بتقديم الدعم وخلق حالة من الارتياب لهذه الدولة لكي يظهروا أن تركيا قادرة على الحصول على القوة وفرض الهيمنة.
لكن مسار الأحداث الآن، يظهر أن الغرب وضع لتركيا سيناريو لا يجب أن تتحول وفقه إلى قوة في المنطقة، وفي الوقت نفسه يجب إضعافها وجعلها تواجه أزمات على عدة محاور، حيث يتم تصعيد تحركات حزب العمّال الكردستاني المدعوم من الغرب كما أن تشديد تحركات الانفصاليين سيزيد من تفاقم الأزمات الداخلية التركية، ويتم دفع تركيا إلى مزيد من الاشتباك العسكري مع دول المنطقة لاستنزاف قدراتها و إنفاق مواردها المالية على الأمور العسكرية، لكي لا توظفها في التنمية والتطور،ويمكن مشاهدة هذا الامر بشكل واضح من خلال التحركات العسكرية التركية في العراق والتورط التركي وعلى مدار خمس سنوات في سورية وما زال، مع أنّ أنقرة تدّعي بأن تحركاتها العسكرية تهدف إلى الدفاع عن مصالحها القومية، لكن في المحصلة الغرب يسعى لجر تركيا للدخول في هذه النزاعات لإنهاك قوتها العسكرية من جهة ولتزويدها بالأسلحة الغربية تحت مسمى زيادة القدرات العسكرية التركية. نظراً لهذه الظروف يمكن القول أن الغرب أقحم تركيا في لعبة ظاهرها يحاكي المصالح التركية، وباطنها يهدف إلى تدميرها بالكامل، كما أن أنقرة فقدت جراء مسار الأحداث الكثير من مصالحها على الساحة الداخلية، وعلى مستوى المنطقة وفي المستقبل القريب ستخسر الكثير من مصالحها في العالم أجمع ان بقيت على ذات السياسة والنهج. لم يعد هناك مجال واحد في الدول العربية الهامة لم تصل إليه "المصالح الأميركية": بدءا من المجتمع المدني "المسالم" المليء بالمنظمات غير الحكومية الممولة أميركيا، مروراً بأجهزة الاستخبارات والجيش التابعة لتلك الدول، ووصولاً إلى صفحات الفيسبوك للمواطنين العاديين، وفي خضم هذه الانتفاضات المشتعلة في المنطقة، يتحول كل شعب عربي لا يغلق بابه أمام مخاطر التدخل الأجنبي إلى جندي يقاتل إلى جانب أعدائه في حرب غير تقليدية تشن عليه. الولايات المتحدة الأمريكية تواجه الآن عواقب آلاعيبها الماكرة ضمن ظروف يصعب السيطرة عليها، الاّ بتحالف شبيه بتحالف بوش الأبن وشن حرب جديدة على أبنائها من الدواعش يأجوج ومأجوج العصر والبرابره الجدد، فهي خلقت فيروس داعش ونسخته المتقدمة خوراسان الان، لأنشاء دولة كوردوستان(اسرائيل الجديدة)وتقسيم العراق وسورية والآن تركيا، عبر فخ اسقاط السوخوي الروسية وعبر المشكل الكردي، فمشروع تفكيك تركيا قد بدأ ما لم تراجع أنقرة جلّ مواقفها وسياساتها التدخلية بالأزمة السورية والعراقية، ومحاولاتها المستمرة بالتعاون مع أمريكا وعرب روتانا للأطاحة بالأسد وحكومته ونظامه وبالنسق السياسي السوري كلّه، كانت السبب بغض الطرف عن الأسلاميين ونشوء الدولة الأسلامية في العراق والشام. ومرةً ثانيةً هلى ثمة استدارة نصفيه تركية ازاء دمشق؟ وهل ثمة بناء تركي على تصريحات الأسد الأخيرة؟ mohd_ahamd2003@yahoo.com
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية