بقلم: سمير الفزاع
كُتب الكثير حول سحب الجزء الأساسي من القوات الروسية من سورية، ومع ذلك، هناك بعض الجوانب التي لم يتم التطرق إليها كما يجب أو مطلقاً. سأحاول هنا البحث في أحد هذه الجوانب للإجابة عن سؤالين كبيرين: كيف تمّ تسليح الجيش العربي السوري بأحدث الأسلحة في سياق الحرب على الإرهاب؟ لماذا روّع الانسحاب الروسي أعداء سورية وخصومهم كما روّعهم بحضوره؟.
في تصريح يحمل الكثير من الدلالات الخطيرة جدا، قال لافروف الثلاثاء 15/3/2015، عن سحب جزء من القوات الروسية: لم تتخذ هذه القرارات لنيل إعجاب أحد ما أو ليمدحنا شخص ما، لقد انطلقنا من مصالح الشعب السوري ومنطقة الشرق الأوسط وحشد أقصى قدر من الدعم الدولي في مجال مكافحة الإرهاب... روسيا مهدت الطريق، من خلال إجراءاتها، للنصر النهائي على تنظيم "داعش" الإرهابي". لنسأل، ما هي مصلحة "الشرق الأوسط" في انسحاب جزء من القوات الروسية من سورية؟ مباشرة، تقفز للذهن صورة حرب شاملة تضرب المنطقة عقب خطأ في الحساب ترتكبه واحدة أو عدد من الأدوات الأمريكية في المنطقة -تحديداً تركيا والكيان الصهيوني والسعودية- فيشعل المنطقة، ويأخذها لحرب لن تكون قادرة فيها على إعادة رسم مستقبل المنطقة ومستقبلهم؛ بل وقد يفقد واشنطن ما تبقى لديها من نفوذ في الإقليم والعالم... فجاءت الخطوة المفاجئة الأولى –مقابلة اوباما مع اسبوعية ذي اتلنتيك- من الجانب الأمريكي قبل غيره، عندما سحب السجادة من تحت إقدام هذه الكيانات الثلاثة تحديداً، ورفع مظلته عن أي خطوة "مجنونة" قد تُقدم عليها إحداها منفردة أو كلها مجتمعة... وهذه هي المقدمة الحقيقية الضرورية التي أنضجت موعد الخطوة الروسية بسحب "فائض القوة" من سورية. بمعنى آخر، تعهد أمريكي بإعادة هندسة سلوك، وربما تركيبة أدواتها، مقابل "تجميد" حالة الاندفاع نحو الصراع الكلي في المنطقة، والتي جاءت في لحظة تاريخية فاصلة، فقدت فيها واشنطن جزءً هاماً من قدرتها على الحشد والانتشار، وافتقار أوروبا لقيادات حقيقية قادرة على إدارة مثل هذا الصراع الكوني، والتآكل الخطير على مستوى الوجود والقدرة، الذي يضرب كيانات أدواتها الصهيوني والسعودي والتركي... .
التسليح المضمون:
تمكن العدو الصهيوني ومشغلوه في عدة مناسبات من إفشال مساعي القيادة السورية للحصول على أسلحة حديثة، بذريعة أن هذه الأسلحة ستؤدي إلى "الإخلال" بالتوازن القائم... لكن تردي الاقتصاد الروسي وسيطرة الغرب على مفاصله الأساسية، والافتقار إلى قيادة وطنية في عهد يلتسين والاختراق الغربي الواسع للمؤسسات العسكرية، ولاحقاً رغبة بوتين في تقديم الحلول السياسية من جهة، وطرح نموذج جديد للقيادة العالمية من جهة ثانية... تعتبر من الأسباب الحقيقية لهذا الموقف الروسي "الشاذ". بدأ "التحول" الكبير في الموقف الروسي تجاه سورية بالتبلور عقب المعارك في الشيشان ومع جورجيا... ليتم التوقيع على عدد من العقود العسكرية الهامة بين العام 2005-2010... وهذه بعض المحطات الكبرى للصراع حول برنامج سورية التسليحي التي وقعت في ظل مشروع الغزو الأمني-العسكري الغربي للمنطقة، "الربيع العربي"، وخلف عناوينه السياسية والاقتصادية والاجتماعية... :
1- في 28/8/2011، يتبنى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" هجوم إنتحاري مزدوج إستهدف الأكاديمية العسكرية في "شرشال" غربي الجزائر العاصمة، وأوقع 25 شهيداً على الأقل بينهم ضباط وعسكريين سوريين. ولمن يريد معرفة سبب التذكير بهذه الحادثة أذكره بأن الجزائر هي البلد العربي الوحيد والمتوسطي الثاني –بعد اليونان– الذي يمتلك منظومة صواريخ S-300... ظهر الحديث عن توريد هذه الصواريخ بعد عامين كاملين من جريمة التفجير... .
2- في 24/11/2011 هجوم غادر على طريق حمص– تدمر يؤدي إلى إستشهاد سبعة من أبرز الطيارين السوريين، والذين عادوا وبقية زملائهم قريباً من روسيا بعد دورة تدريبية على طائرات حديثة جداً، ولم تكن هذه الطائرات إلا مقاتلة الميغ-29/أم-أم2. ومتى أعلن عن صفقة طائرات الميغ؟ أعلن عنها فقط في 31/5/2013!. وهذه الطائرة قادرة على الإغارة على تل أبيب لأكثر من عشرين مرة دون التزود بالوقود ولا تحتاج لأكثر من ثوان لتكون فوقها .
3- في إطار إقامة شبكة صواريخ إقليمية متكاملة تحسم الصراع الأساسي في المنطقة، الصراع العربي الصهيوني، قامت سورية خلال فترة حرب تموز 2006، وما قبلها بتزويد المقاومة اللبنانية بمعدات وأجهزة وأسلحة متطورة وفعالة، يدرك الأمريكيون والصهاينة ذلك أكثر من غيرهم. ولكن نوعية هذه الأسلحة وقدراتها تضاعفت قبيل الحرب على سورية وخلالها مرات عدة، فالمدى أصبح أكبر، والقدرة التدميرية أعظم، ودقة الإصابة عالية جداً... فمثلاً تم تزويد المقاومة بصواريخ أرض-أرض/أم-600، بمدى يصل إلى 300 كيلومترا، وبعض منظومات الدفاع الجوي المحمول على الكتف وعلى العربات المدرعة، مثل منظومة "بانتسير". تذكرون حديث السيد حسن نصر الله عن صواريخ تدمر أبنية وليس "تفخت" حيطان كما قال، وأن ميناء ايلات الذي يحوي خزانات الماء الثقيل المخصص لمفاعل "ديمونة" تحت مرمى صواريخ المقاومة ... من هنا نجد مغزى إستهداف الشهداء الكبار في حرب الاستخبارات المشتعلة: محمد سلمان، عماد مغنية، آصف شوكت... لوقف عمليّة تسليح المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
لكن، ومع وصول القوات الروسية إلى سورية، بدأت أوسع وأكبر عملية تسليح وإعادة تأهيل للجيش العربي السوري في تاريخه، حيث نقلت السفن والطائرات الروسيّة مئات ألآف الأطنان من الأسلحة والمعدات والذخائر... بحماية "العلم" الروسي ومنظوماته التسليحية الفائقة، الالكترونية والجو-فضائية والنووية... حيث وصلت وستصل أسلحة كانت محاطة بالكثير من الخطوط الحمر، الميغ-29/أم-أم2، طائرات ياك-130، منظومات الدفاع الجوي... صواريخ اسكندر، والتي ظهرت صور لها في قاعدة حميميم مؤخراً... إنها عملية تسليح مضمون في سياق التحالف، من المنتج إلى المستهلك... بحماية "قبة جوية" من الأحداث في العالم.
لماذا روعهم؟:
سحبت موسكو "فائض القوة"، وجلّ السلاح الذي لن يؤول إلى دمشق مستقبلاً، بعضها أسلحة متطورة للغاية ولم تصل بعد إلى أي دولة أخرى؛ بل إن بعضها دخل الخدمة في الجيش الروسي قبل عام تقريباً ولا تملك روسيا منها الكثير، مثل طائرات السوخوي-35.. ما كان موجود منها في سورية يوازي 1/6 مما تملكه روسيا من هذا الطراز... فلماذا روّع الانسحاب الروسي أعداء سورية وخصومهم كما روّعهم بحضوره؟.
1- أظهر التدخل الروسي جديّة التزامهم للرئيس بشار حافظ الأسد بدعم سورية، والتدخل ميدانياً لمنع إسقاطها عبر عدوان خارجي أو بأدوات الغزو الإرهابية، وخصوصاً بعد اتفاق "تخلص" سورية من أسلحتها الكيمائية... ولهذا قال الرئيس بوتين مؤكداً التزاماته: قادرون على إعادة القوات إلى سورية خلال ساعات.
2- كَشفَ الصمود السوري المستمر منذ سنوات والتدخل الروسي الخاطف والمفاجئ للغرب عموما وأمريكا خصوصا، تآكل القوة الأمريكية بشكل عميق وعلى نحو كارثي، وتردي القوة الأوروبية إلى أحط مستوياتها منذ قرون طويلة... حيث لم يجرؤوا على مهاجمة سورية قبل التدخل الروسي أو خلاله.
3- أجبر هذا الانكشاف الكلي لـ"حدود القوة" الأطلسية الأدوات الإقليمية والعربية –حكومات، اردوغان، الكيان الصهيوني... مؤسسات، كالجامعة العربية... جماعات، الإخوان المسلمين...- بأن تُسفر عن شبكة العلاقات القديمة بين هذه الأدوات نفسها، وبينها وبين الحلف الأطلسي وسيده الأمريكي... وهذا الإسفار يظهر إنسداد أفق، وحجم الخسارة التي باتت تشكل خطراً على "وجود" هذه الحكومات والمؤسسات والجماعات... حتى بات سؤال، مَن يحمي مَن؟ أكثر من واقعي.
4- عندما تسلم الدول المصدرة للسلاح مكونات الصفقة المتفق عليها للدولة المستوردة، خصوصاً إذا ما كان السلاح حديثاً ومعقداً… تقوم بإرسال فرق فنيّة مختصة تشرف على إدارة وصيانة... وأحياناً تشغيل وحماية هذا السلاح لفترة محددة من الزمن –تطول حسب طبيعة السلاح، وقد تمتد لسنوات طويلة في حال الصواريخ الإستراتيجية ومحطات الرادار الكبيرة- وفي الظروف المعقدة –كالتي تمر فيها سورية- يصبح وارداً جداً أن هناك فترة يقوم خلالها الروس بحماية وتشغيل هذه المنظومات، كما حصل في فترة 1983-1984، عندما قام فوجان من قوات الدفاع الجوي السوفيتية مسلحين بصواريخ "أس-200" بمساعدة الدفاعات الجوية السورية في صد الغارات الجوية الصهيونية، قبل أن تسليم معدات الفوجين للجيش العربي السوري... هكذا، لنسأل، ألن يكون الانسحاب الروسي الجزئي من سورية كما يريد الغرب، إشارة لدنو أجل الكيان الصهيوني وحلفائه في المنطقة، كما المح السيد حسن نصر الله، وصرخ ذعراً قادة في الكيان الصهيوني مؤخراً؟ بوتين يقول: تريدون انسحاباً روسياً من سورية، من "يضمن" لكم عدم اشتعال حرب تلتهم "إسرائيل" وتمزق مملكة آل سعود، وتفكك تركيا...؟.
5- ظهور صواريخ اسكندر-أم في قاعدة حميميم على نحو مفاجئ يظهر بأن هناك أسلحة فتاكة وصلت على نحو سري إلى سورية، وهذا يطرح جملة من الأسئلة المرعبة حقاً، مثلاً: كم هو عدد منظومات "اسكندر" التي وصلت فعلا إلى سورية؟ ما هي الأنواع الأخرى من الأسلحة التي ما زالت طي الكتمان وكمياتها؟ في حال لم يتم التعرف إلى عدد الأسلحة ونوعياتها –كما هو الحال فعلاً- فما هي نسبة القوات الروسية التي سحبت لما بقي منها؟ تصاعد رحلات سفن الشحن الروسية إلى سورية، كيف يمكن تفسيره مع خفض عدد وعديد القوات الروسية؟... .
* كلمة أخيرة:
بوتين نقل إلى سورية اكبر وأوسع تشكيلة سلاح وذخائر في تاريخها بحماية الحضور الروسي "الثقيل" والمباشر، ثم ترك الإقليم والعالم وجها لوجه مع الحقائق الصلبة... سورية التي أعلن البنتاغون خشيته من شبكة دفاعها الجوي في العام 2013 عندما كان يفكر توجيه ضربات محددة وخاطفة... أصبحت اليوم أقوى بما لا يقاس، والطيارون الذين كانوا يستهدفون في مطاراتهم وطرق تنقلهم أصبحوا اليوم مدربين على احدث الطائرات وعلى ارض وطنهم وفي مطارات محمية تماماً... كما تزودت سورية بأنظمة اتصال حديثة جداً، ومنظومات الحرب الالكترونية المعقدة، وخضعت دروعها ومروحياتها وكافة صنوف مدفعيتها لعمليات تحديث وتطوير واسعة، وأعيد تأهيل وتدريب عنصرها البشري بشكل جذري... بوتين، وعبر السحب الجزئي لقوات روسية، لم يرفع الغطاء عن الرئيس بشار حافظ الأسد –كما يتمنى البعض- بل " يهدد" برفع الغطاء عن الإقليم ونظامه أمام أسد منتصر، له أرض محتلة يريد تحريرها، وله حساب مع من تآمروا على وطنه يريد إغلاقه... ومجزرة داعش في تدمر، دفعة تحت الحساب، دفن فيها جزء كبير من "أحلام" واشنطن إلى الأبد.
مجزرة في الصحراء... غبار وسلاح
2016-04-09